ومنذ إقرار القانون لم يهدأ الجدل في صفوف المهاجرين المتواجدين في فرنسا، ولا سيما مهاجرو المغرب العربي الذين يتواجدون بأعداد كبيرة في هذا البلد ويخشون أن ينغّص هذا القانون إقامتهم في هذا البلد ويزيد من تعقيد أوضاعهم.
"هاجرتُ منذ قرابة السنة إلى فرنسا بعد أن حصلت على عقد عمل جيّد هناك، وكنتُ أمنّي نفسي بأن تلتحق بي زوجتي وطفلاي بعد بضعة أشهر، لكن بعد سَنّ قانون الهجرة سيّء الذكر أصبح هذا الحلم صعبًا وسيتعيّن عليّ انتظار أكثر من سنتين وبتنا نخشى أن ننتظر هذه المدة ولا نحصل على الموافقة"، حسبما يقول "أحمد" الطبيب التونسي من محافظة توزر الذي يعمل في أحد المستشفيات بفرنسا لـ"عروبة 22"، ويضيف: "أشعر بأنّ هذه النصوص قد وضعت أساسًا للتمويه والكذب ولتعقيد وضعنا كمهاجرين حتى وإن كنا نعمل في وظائف مرموقة".
ويخشى أحمد أن يدفعه القانون الجديد للندم على فكرة الهجرة إذا ما ظلّ أبناؤه وزوجته بعيدين عنه، كما لا يخفي قلقه بشأن وضع ومستقبل أطفاله في فرنسا في حال انضموا إليه في ظل توجّه الدولة الفرنسية لسَنّ قوانين تمييزية ضد المهاجرين على جميع المستويات على حد تعبيره. ويقول: "سيكون من المخيف أن ينشأ أطفالي في بلد يعاملهم على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية وأنّ عليهم دائمًا الانتظار والحذر للحصول على حقوقهم".
وأحمد ليس المهاجر الوحيد الذي يخيفه قانون الهجرة الفرنسي الجديد، فمنذ إقرار الأخير يسود اعتقاد لدى المهاجرين بهذا البلد، وقسم هام من الفرنسيين، بأنّ باريس باتت تنظر إلى المهاجرين باعتبارهم أصل كل مشاكلها وأزماتها حتى أنها لم تتردد في طرح قانون يتضمن بنودًا عنصرية وإجراءات فيها الكثير من التمييز ضدهم، بل إنّ الكثير من منتقديه أجمعوا على أنه يحمل أفكار وقناعات اليمين المتطرّف.
ويحتوي القانون الجديد على 88 بندًا، منها فرض نظام الحصص، الكوتا، في العدد المسموح باستقبالهم من الأجانب وإعادة تجريم الإقامة غير القانونية، ما يجعل كل أجنبي انتهت مدة صلاحية بطاقة إقامته معرّضًا للسجن. وتشديد إجراءات وشروط التجمّع العائلي الذي يسمح للفرنسيين أو للمقيمين الأجانب باستقدام أزواجهم أو أبنائهم، إذ أقر القانون الجديد زيادة فترة الانتظار للموافقة على طلب الأجنبي بإحضار أسرته إلى 24 شهرًا بدلًا من 18 شهرًا في القانون القديم. وإعادة قانون العقوبة المزدوجة الذي يسمح بطرد حاملي الجنسية المزدوجة، وتجريدهم من جنسيتهم الفرنسية، حال ارتكابهم أية جريمة، بل إنّ القانون يعتبر الاعتداء على أي موظف للدولة جريمة، ما سيفتح باب السلطوية والعنصرية لدى رجال السلطة تجاه الأجانب. وفرض أجل خمس سنوات من الإقامة على الأجانب لتلقي التعويضات العائلية، ما سيحرم الملايين من الذين يساهمون في صندوق الدعم العائلي من الاستفادة منه. كما أقرّ النصّ الجديد أنّ الشخص المولود في فرنسا من أبوين أجنبيين يجب أن يتقدّم بطلب للحصول على الجنسية الفرنسية بين سن 16 و18 عامًا، وفي حالة الإدانة بارتكاب جرائم فإنّ عملية التجنيس تصبح أمرًا مستحيلًا عوض الحصول على الجنسية آليًا بمجرد الولادة في فرنسا.
كما شمل القانون حتى الطلاب الأجانب المقدّر عددهم بـ350 ألف طالب أجنبي، حيث بات لزامًا عليهم دفع وديعة مالية، تبقى مجمّدة طوال مدة دراستهم، وتضاف إلى التكاليف الباهظة التي فرضها برنامج "مرحبا في فرنسا"، مع حكومة إدوارد فيليب سنة 2019 التي ضاعفت رسوم التسجيل حتى وصلت 2770 يورو للأجانب مقابل 170 يورو للفرنسيين، كما على الطالب الأجنبي تقديم أدلة في شكل وثائق سنوية تدل على طبيعية دراسته وتثبت حقيقتها.
ويثير قانون الهجرة الجديد قلق التونسيين باعتبار أنّ فرنسا هي دولة الاستقبال الأولى لهم داخل الفضاء الأوروبي، فحسب أرقام ديوان التونسيين بالخارج بلغ عدد أفراد الجالية التونسية بفرنسا قرابة المليون، كما تقيم في هذا البلد أعلى نسبة من التونسيين الذين لم تتجاوز أعمارهم 18 عامًا، والذين تقدّر نسبتهم بـ14.8% من مجموع المهاجرين التونسيين بمنطقة اليورو. ويخشى التونسيون أن يلقي القانون الجديد بظلال وخيمة على أبنائهم الذين يريدون دخول الجامعات الفرنسية في ظل رفع تكاليف الدراسة فيها.
وتخيّم المخاوف نفسها أيضًا على المهاجرين المغربيين الذين يتجاوز عددهم المليون شخص (نحو 670 ألفًا منهم مواطنون مزدوجو الجنسية)، رغم أنهم يأتون في صدارة باقي الجنسيات الأجنبية المستفيدة من تصاريح الإقامة الأولى في فرنسا، منذ عام 2018، بمعدل أكثر من 30 ألف منحة سنويًا.
يقول "رشيد"، من الصحراء الغربية والمقيم منذ سنوات في فرنسا لـ"عروبة 22": "تمديد المدة لقبول التحاق الزوجة أو الأبناء لسنتين تبعث على الإستياء ويبدو لي أنّ هذا التمديد ما هو إلا خطوة لرفض ملفات كثيرة"، معربًا عن اعتقاده بأنّ "القانون الجديد سيدفع الكثير من المغربيين لمغادرة فرنسا إلى بلدان أخرى مثل كندا أو أمريكا أو العودة للمغرب".
وفي المقابل لا يبدي الجزائريون أي قلق من القانون الجديد في ظل وجود الاتفاقية التي أبرمت بين فرنسا والجزائر في ديسمبر/كانون الأول 1968 وتحدد شروط تنقّل وإقامة وعمل المهاجرين الجزائريين. فبموجب هذه الاتفاقية يتم تسهيل دخول الجزائريين إلى فرنسا، ويتمتعون بحرية تأسيس أو ممارسة نشاط تجاري، أو مهنة مستقلة، ويمكنهم الوصول إلى إصدار تصريح إقامة صالح لمدة عشر سنوات بسرعة أكبر من مواطني الدول الأخرى.
وهذا ما يؤكده الجزائري "مراد" المقيم منذ سنوات في فرنسا في حديثه لـ"عروبة 22"، فيقول: "القانون الفرنسي لن يؤثر على المهاجرين الجزائريين لأننا نخضع لاتفاقية 1968، وطبعا الاتفاقية أقوى من القانون وبالتالي لن يكون بوسع السلطات الفرنسية إخضاعنا إلى ما ورد في قانونها الجديد". وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ اليمين الفرنسي يسعى جاهدًا لمراجعة هذه الاتفاقية، حتى أنّ سفير فرنسا السابق لدى الجزائر كزافييه درينكور، شنّ في وقت سابق هجومًا واسعًا على الاتفاقية وطالب بمراجعتها حتى لو تطلب الأمر "المخاطرة بأزمة دبلوماسية".
وحسب إحصاءات رسمية، يحتل الجزائريون المركز الأول بين المهاجرين المتواجدين في فرنسا، ويتجاوز عددهم 1.1 مليون نسمة، فيما تقول مصادر غير رسمية أنّ عددهم الحقيقي أكثر من ذلك بكثير.
الخبير التونسي في مجال الهجرة مجدي الكرباعي، اعتبر أن القانون الفرنسي سيؤثر بشكل كبير على حقوق المهاجرين النظاميين وغير النظاميين، وقال لـ"عروبة 22": "آلاف المهاجرين المغاربة (تونس الجزائر المغرب) سيتأثرون مباشرة وبشكل عاجل بهذا القانون، فإعادة النظر في الجنسية التي كانت تُعطى آليًا للمهاجرين الذين يولدون في فرنسا، ومراجعة آلية تقديم المنح الاجتماعية التي كانت توفرها السلطات للمهاجرين لمساعدتهم على الاندماج والتأقلم في المجتمع، سيكون لها تبعات وخيمة على المهاجرين المغاربة الذين يعاني عدد كبير منهم أساسًا من وضعيات هشة".
وأضاف الكرباعي: "إنّ أغلب المهاجرين القادمين لفرنسا من هذه البلدان معرضون لجملة من المشاكل، لا سيما البطالة في السنوات الأولى، ولهذا كانت مساعدتهم مفيدة لهم وللمجتمع عمومًا، لكن القانون الجديد سيفاقم معاناتهم ويضع عراقيل كبيرة أمامهم. ويبدو أنّ فرنسا وأغلب دول أوروبا باتت تعتمد سياسة تمييزية مكشوفة تظهر في كل مرّة بشكل أوضح، وهذا ستكون له تبعات وخيمة ليس على المهاجرين فقط بل أيضًا على الدول الأوروبية عمومًا".
أما الناطق الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، المهتم بملف الهجرة، رمضان بن عمر، فيعتبر أنّ قانون الهجرة الفرنسي الجديد يأتي في إطار توجّه الدول الأوروبية نحو مزيد من التضيق على المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء، ويعكس سيطرة اليمين المتطرف على الأنظمة السياسية في أوروبا. وقال لـ"عروبة 22": "القانون كارثي ويكرّس العنصرية ويعزّز كراهية المهاجرين ويعاملهم بشكل تمييزي ويهدد وضعية كل المهاجرين المغاربة في فرنسا، وليس فقط المهاجرون غير النظاميين. وهو يبيّن بوضوح كيف تحيد فرنسا وأوروبا عمومًا مجددًا عن الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والتي تمثّل فيها طرفًا فاعلًا، وكذلك عن الاتفاقيات الثنائية".
حاليًا يعيش في فرنسا، وفق إحصائيات فرنسية رسمية، حوالى سبعة ملايين مهاجر ما يعادل نسبة 10.3% من إجمالي السكان في البلد، ونجح 35% من هؤلاء في الحصول على الجنسية الفرنسية. أما عن الهجرة غير النظامية، فالسلطات الفرنسية تتحدث عن رقم يتراوح ما بين 600 ألف إلى 700 ألف مهاجر غير شرعيين يتوافدون كل سنة على الأراضي الفرنسية.
(خاص "عروبة 22")