اقتصاد ومال

التجارة البينية العربية لضمان الأمن الغذائي (1/2)

تزايد استخدام مفهوم الأمن الغذائي في ظروف غاب فيها الأمن الغذائي مؤخرًا بسبب الحرب الدائرة في أوكرانيا، والتوتر في البحر الأحمر وانقطاع سلاسل التوريد الغذائي، وارتفاع سعر الغذاء في العالم، وقبل ذلك انقطاع التجارة الدولية الزراعية بسبب جائحة كوفيد 19.

التجارة البينية العربية لضمان الأمن الغذائي (1/2)

معلوم أنّ العالم العربي لا زال يعتمد على نِسب عالية من غذائه على الواردات الزراعية من شرق أوروبا وهو يعرف نموًا للسكان الذين يجب إطعامهم بمعدلات أعلى من المعدلات الدولية، إضافة إلى تراجع في العمالة الزراعية وتزايد الهجرة إلى المدن، والتخلّي عن الأرياف، ومعها تراجع المساحات الزراعية وشحٌ في المياه والجفاف، إضافة إلى الحروب والنزاعات التي تخفض مستويات الأمن الغذائي من المعتدل إلى الحاد في بعض المناطق العربية.

الحديث عن مفهوم الأمن الغذائي، يقتضي استحضار أربعة مكونات متكاملة مع بعضها وهي:

1. التوفّر: المقصود هنا الوجود المادي لكمّية كافية من الغذاء في مكان معيّن. ويتأثّر هذا بعوامل مثل إنتاج الغذاء وتخزينه وتجارته.

2. الوصول: حتى لو كان الغذاء متاحًا، يجب أن يكون النّاس قادرين على تحمّله وامتلاكه. وهذا يعتمد على عوامل مثل الدخل وأسعار المواد الغذائية والبنية التحتية.

3. الاستفادة: لا يكفي وجود إمكانية الوصول إلى الغذاء، يحتاج الناس أيضًا إلى أن يكونوا قادرين على استخدام واستيعاب العناصر الغذائية من الطعام الذي يأكلونه بشكل صحيح. ويتأثر هذا بعوامل مثل معرفة التغذية والصرف الصحي والرعاية الصحية.

4. الاستقرار: يجب أن تكون جميع العوامل المذكورة أعلاه مستمرة بمرور الوقت. يمكن أن ينشأ انعدام الأمن الغذائي حتى في الأماكن التي يتوفر فيها طعام جيد إذا تعطّل الوصول إليه بسبب أشياء مثل الصراعات والكوارث الطبيعية والانكماشات الاقتصادية.

لا يعتمد العرب على التجارة فيما بينهم لتوفير الغذاء ونسبة التجارة الزراعية هي في حدود 15% من التجارة العربية البينية

يساعدنا فهم الأمن الغذائي على إدراك التحديات التي تواجهها شعوب المنطقة العربية في الوصول إلى الغذاء بكميات كافية ونوعية جيّدة وبدون انقطاعات، ولدى جامعة الدول العربية منظمة متخصّصة في الغذاء وهي "المنظمة العربية للتنمية الزراعية"، والتي تصدر تقارير دورية عن حالة الأمن الغذائي العربي، وصدر آخر تقرير لها في سنة 2022، حيث يُفصّل في أهمّ التحديات التي يعرفها العالم العربي لإتاحة آمنة لغذاء كافٍ وجيّدٍ للسكان في المنطقة.

فمن حيث إتاحة الغذاء، وحسب منظمة الزراعة والغذاء التابعة للأمم المتحدة فلقد بلغ نصيب العالم العربي من الواردات الزراعية الدولية 7.6 بالمئة عام 2020، حيث تشكّل المنطقة العربية أكبر مستورد للحبوب في العالم و50 بالمئة من احتياجات العرب للسعرات الحرارية، يتم تلبيتها من خلال الواردات.

تُعتبر الحبوب والزيوت النباتية والسكر أهمّ السلع الغذائية المستوردة للعالم العربي. ويتوفر الغذاء إمّا عن طريق الإنتاج أو التجارة، لكن العرب لا يعتمدون كثيرًا على التجارة فيما بينهم لتوفير الغذاء حيث إنّ نسبة التجارة الزراعية البينية تبقى محدودة، وهي في حدود 15 بالمئة من التجارة العربية البينية عمومًا.

ولقياس مدى توفّر الغذاء في العالم العربي، هناك مؤشر دولي يقيس توفّر الغذاء وهو يشير إلى قدرات أي بلد على توفير الغذاء، وذات صلة بالمؤشرات التالية: كفاية المخزون والبنية التحتية والبحث الزراعي والاستقرار السياسي.

بلغ متوسط توفر الغذاء في العالم العربي 55.6 درجة، وهو قريب من المتوسط العالمي 57.0 درجة. لكن هناك عدّة فوارق بين البلدان العربية في قدراتها على توفير الغذاء، فبلد مثل اليمن يقع تحت المتوسط العالمي والعربي (42 درجة) وبعض البلدان العربية، من قبيل الأردن، مصر والجزائر والمغرب وتونس، لديها المتوسط العالمي، أمّا بلدان مجلس التعاون الخليجي فهي تقع فوق المتوسط العالمي في إتاحة الغذاء لمواطنيها.

معدّل قدرة الأفراد على شراء الغذاء في العالم العربي بلغ 323.78 دولارًا للفرد وهو أدنى من المعدّل العالمي

لا يكفي توفر الغذاء حتى يتحقّق الأمن الغذائي، فينبغي أن تكون لدينا القدرة على شرائه حتى يتحقّق ذلك. وهناك مؤشر موضوعي لقياس القدرة على الوصول للغذاء وهي تشير إلى قدرات الأفراد على شراء الغذاء ويمكن الرجوع إلى نصيب الفرد من الناتج المحلي الزراعي من الناتج الإجمالي حتى نعرف كم ينفق الفرد للحصول على غذائه، والمعدل العالمي لقدرة الأفراد على شراء الغذاء هو 520,75 دولارًا للفرد، وقد بلغ المعدل نفسه في العالم العربي 323.78 دولارًا للفرد وهو أدنى من المعدل العالمي.

ما أكثر الفوارق بين البلدان العربية الغنية (السعودية 551.66 دولارًا للفرد) التي تجاوزت المعدل العالمي، وبين بعض البلدان العربية الفقيرة التي تقع في أسفل السلّم (جيبوتي 41.45 دولارًا للفرد)، بما يفيد أنّ الفروق شاسعة داخل العالم العربي في القدرة على تحصيل الغذاء.

قد تكون لدينا قدرة عالية على شراء الغذاء، لكننا لا نستفيد من الغذاء بسبب ضعف جودته وسلامته، حيث يمكن مثلًا بسبب هذا المعطى، أن نشتري أغذية غير صحية. وهنا يمكن الرجوع إلى مؤشر الاستفادة من الغذاء وهو يقيس مستوى الاستفادة من الغذاء المتنوّع والصحي وبلغ المتوسط العالمي في مؤشر سلامة الغذاء 65.9 وبلغ المتوسط العربي في المؤشر نفسه 63.1 وهو قريب من المتوسط العالمي. وبلغت البلدان الخليجية مستويات عالية من الاستفادة من الغذاء الصحي حيث وصلت إلى 81.3، بينما البلدان العربية الأخرى غير الخليجية، تقع تحت المعدل العربي والدولي على حد سواء.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن