السؤال الذي يطرح نفسه الآن؛ هل صعود الصومال حاليًا للواجهة العربية نتيجة انتباه مصري عربي للأهمية الجيوسياسية للصومال بالنسبة للمصالح العربية؟.. أم أنه فقط بسبب الاختراق الإثيوبي لدويلة أرض الصومال ومحاولة الولوج إلى السواحل خصوصًا البحر الأحمر من منصة ميناء بربرة؟.
بدايةً، لا بد من الإقرار أنّ الصومال بحكم موقعه الجغرافي المطل على خليج عدن والمحيط الهندي هو في قلب التجاذبات الإقليمية والدولية حيث تم تصميم الاستراتيجيات الغربية على أن تكون دول القرن الأفريقي هي بشكل عام دول أفريقية الهوية دون الاعتراف بتنوّعها الثري المتضمن العروبة والإسلام، وكذلك موالية للمصالح الغربية والإسرائيلية، نخبها الحاكمة منتمية للدين المسيحي بغض النظر عن الحقائق الديمغرافية والأوزان الدينية داخل بلدان القرن الأفريقي.
هندسة دور لإثيوبيا كقائد لدول القرن الأفريقي لتنفيذ الخطط الاستراتيجية الغربية وضمان المصالح الإسرائيلية
في هذا السياق فإنّ القرن الأفريقي يضم دولتين كبيرتين هما الصومال وإثيوبيا، الأخيرة تملك علاقات لها طابع ديني وثقافي مع إسرائيل، حيث أنّ قبيلة الفلاشا هي القبيلة الثالثة عشر في العشائر اليهودية، وهو ما يحتفي به متحف التاريخ الطبيعي بواشنطن في جزء كبير منه، بينما الصومال هو بلد كل شعبه من المسلمين، ويملك وحدة عرقية وقومية على عكس إثيوبيا.
طبقًا لهذه المعطيات تم هندسة دور لإثيوبيا كقائد لدول القرن الأفريقي على حساب الصومال وذلك لتنفيذ الخطط الاستراتيجية الغربية، وفي القلب منها ضمان المصالح الإسرائيلية التي كانت تعاني تطويقًا من العرب بحكم الحقائق الجغرافية منذ إنشاء الدولة عام ١٩٤٨.
الخطط الإستراتيجية المساندة لإثيوبيا تم تأسيسها النظري على يد الامبرطورية البريطانية تحت عنوان شد الأطراف للمنطقة العربية وضمان الأمن الإسرائيلي، وهي الاستراتيجيات التي ورثتها عنها الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وهو ما يفسّر لنا طبيعة الاهتمام الأمريكي بالقرن الأفريقي منذ مطلع الألفية حيث تم وصفه بالقرن الذهبي على وقت إدارة الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، وتم تأسيس آلية اتفاقية "أجوا" للشراكة التجارية مع الولايات المتحدة الأمريكية وذلك لإسناد هذه الدول اقتصاديًا خصوصًا إِثيوبيا، حيث تعاني إرتيريا من إقصاء غربي وأمريكي ناتج عن حلقات من العداء مع إثيوبيا بسبب خلافات حدودية في منطقة بادمي والتي أنتجت حربًا لعامين بين البلدين بين ١٩٩٨-٢٠٠٠.
هذه المقدمة الطويلة نسبيًا كان لا بد منها لنرى مسببات الصراع على الصومال ومستهدفات إضعافه، والتي تتضمن محاولة حرمان العرب من طرف مساند لمصالحهم ومتاخم لحدودهم ويملكون معه مصالح مشتركة، ولكنهم كما يبدو لي لا يملكون الأدوات المناسبة حتى الآن لتعظيم مصالحهم في الصومال.
قد يكون التحوّل العربي الذي جرى مؤخرًا بمجهود مصري واضح مؤسّس على دور تاريخي في الصومال القاطرة التي تقود دورًا عربيًا شاملًا في الصومال وهو في تقديرنا لا بد وأن يتمتع بعدة عوامل حتى يكون له أثر إيجابي للمصالح العربية الصومالية المشتركة.
ضرورة تأسيس نمط تعاوني عربي لمساندة الصومال ضد التغوّل الإثيوبي
أول عوامل النجاح للدور العربي أن يكون ضمن استراتيجية عربية مشتركة يتم نقاشها في إطار الجامعة العربية، تأخذ بعين الاعتبار غياب التنافسية العربية خصوصًا الخليجية كتلك التي جرت في العقد الأول من الألفية في الصومال.
كما يقع في باب الضرورات محاولة تأسيس نمط تعاوني عربي على النمط الذي جرى مؤخرًا في أروقة الأمم المتحدة لمساندة الصومال ضد التغوّل الإثيوبي بالإعتداء على سيادته في اتفاقية أرض الصومال، حيث من المطلوب أن يؤسّس هذا النمط ليأخذ أبعادًا اقتصادية وثقافية وتعليمية.
وفيما يخص القاهرة، ففضلًا عن عمق العلاقات التاريخية في علاقتها المشتركة مع الصومال والتي تعود إلى الفترات الفرعونية، عليها أن يكون لها دور يتخطى فكرة توظيف الصومال ضد إثيوبيا رغم الدور الصراعي الذي تلعبه أديس أبابا في القرن الأفريقي وتأسيسها لعلاقات غير تعاونية مع القاهرة في إطار سد النهضة، حيث من المطلوب أن تكون الاستراتيجيات المصرية شاملة، وقادرة على مواجهة الرفض الغربي لدور مصري في القرن الأفريقي بدبلوماسية شجاعة قادرة على حماية المصالح المصرية والعربية في تلك المنطقة بعد فترة أسّس فيها الغرب لإسناد إثيوبيا خصمًا على عوامل استقرار وأمن دول أفريقيا والشرق الأوسط معًا.
(خاص "عروبة 22")