صحافة

بايدن والدولة الفلسطينية.. الإمكانية والتحديات

أحمد سيد أحمد

المشاركة
بايدن والدولة الفلسطينية.. الإمكانية والتحديات

أثار إعلان الرئيس الأمريكي بايدن، عن عزم بلاده الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة من جانب واحد، التساؤلات حول الرؤية الأمريكية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ومدى إمكانية تحقيق حل الدولتين على أرض الواقع.

الجانب الإيجابي لإعلان الرئيس بايدن هو الاقتناع الأمريكي والأوروبي بأن الحل الأمني الذي تتبعه إسرائيل لن يوفر الأمن والاستقرار لها، وهو ما عكسته عملية «طوفان الأقصى» التي قامت بها المقاومة الفلسطينية وكشفت الفشل الاستخباراتي والعسكري الإسرائيلي في التنبؤ بها أو منعها رغم سياسة العسكرة والقوة والقمع والتهويد وبناء المستوطنات والحصار وغيرها، التي تتبعها إسرائيل ضد الفلسطينيين منذ سنوات، وأنه لا مفر من الحل السياسي وهو حل الدولتين عبر إقامة دولة فلسطينية مستقلة تعيش إلى جوار إسرائيل، خاصة أن العديد من الدول الأوروبية مثل بريطانيا أعلنت أيضا احتمال اعترافها بالدولة الفلسطينية من جانب واحد، وهذا يؤكد صحة الرؤية والمقاربة المصرية منذ سنوات، التي ترى أن الحل الجذري للصراع العربي ـ الإسرائيلي ليس من خلال القوة والقمع والعدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين، وإنما من خلال السلام العادل والشامل وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وأن ما حدث في 7 أكتوبر الماضي وما بعدها هو عرض لمرض يتمثل في استمرار الاحتلال والعدوان.

وبالتالي أعادت عملية «طوفان الأقصى» والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة القضية الفلسطينية إلى قلب الأجندة العالمية والأمريكية بعد أن توارت لسنوات بسبب الحرب الأوكرانية وكورونا والأزمات العالمية الأخرى، وأظهرت حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة، خاصة بعد التكلفة البشرية الباهظة التي دفعوها من دمائهم بعد سقوط أكثر من 100 ألف ضحية ما بين شهيد ومفقود ومصاب وتدمير كامل لقطاع غزة. لكن يظل التساؤل حول مدى توافر الإرادة السياسية لأمريكا لتطبيق حل الدولتين بالفعل على أرض الواقع في ظل العديد من التحديات والإشكاليات.

أولًا: يظل حديث الرئيس بايدن في إطار العموم ولا يحدد جدولا زمنيا أو خطة محددة لتطبيق هذا الخيار، خاصة أن الرئيس بايدن عندما جاء إلى السلطة في عام 2021 أعلن دعمه لحل الدولتين لكنه بعد مرور ثلاث سنوات لم يتخذ خطوة واحدة باتجاه تطبيق هذا الحل، وجاءت أحداث غزة لتعيد الحديث مرة أخرى عن حل الدولتين في إطار الوعود فقط ومحاولة استيعاب الضغوط المتزايدة على الرئيس بايدن من الرأي العام الأمريكي ومن داخل حزبه بسبب دعمه المطلق لإسرائيل وارتكابها جرائم إبادة جماعية ضد الفلسطينيين، وبسبب أيضا اعتبارات الانتخابات الرئاسية في ظل تراجع شعبية الرئيس بايدن مقابل ترامب، حيث أعلن العرب والمسلمون والأقليات المختلفة في الولايات المتأرجحة مثل ميتشجان وجورجيا وبنسلفانيا ووسكنسون، عدم تصويتهم للرئيس بايدن وهو ما قد يؤثر سلبا على فرص فوزه في الانتخابات، كذلك لاستيعاب الضغوط الدولية والعربية المتزايدة عليه. وكذلك لاعتبارات تتعلق بمساعي أمريكا دمج إسرائيل في المنطقة.

ثانيًا: الإشكالية الكبرى أمام الدولة الفلسطينية هي في المفهوم الأمريكي لحل الدولتين ولطبيعة هذه الدولة المزمعة، حيث ما زالت الإدارات الأمريكية المتتابعة، سواء كانت ديمقراطية أو جمهورية، تتبنى المفهوم الإسرائيلي للسلام ولتصورها للدولة الفلسطينية، وهي دولة منزوعة السلاح، عبارة عن كانتونات معزولة في الضفة الغربية وغزة مع استبعاد القدس الشرقية باعتبارها جزءا من القدس العاصمة الأبدية لإسرائيل، وليس وفقا للرؤية العربية والفلسطينية القائمة على دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية والتي تقرها الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن خاصة القرارين 242 و 181. وقد أشار الرئيس بايدن إلى تصوره للدولة الفلسطينية منزوعة السلاح عندما شبهها بدولة الفاتيكان أو إمارة موناكو، وهذه إشكالية كبيرة لأن الفلسطينيين لن يقبلوا بالتخلي عن القدس الشرقية والتي تتضمن المسجد الأقصى، كما أن الاستيطان الإسرائيلي ابتلع أكثر من 30% من مساحة الضفة الغربية وقطع أوصالها.

ثالثًا: لا يمكن الحديث عن حل الدولتين، في ظل وجود هذه الحكومة اليمينية الدينية المتطرفة بزعامة نتنياهو والتي أعلنت بكل صراحة أنها ضد إقامة دولة فلسطينية مستقلة، بل تفاخر نتنياهو بأنه أجهض اتفاقات أوسلو، إضافة إلى مساعي تلك الحكومة لفصل قطاع غزة عن الضفة وإدارته أمنيا بعد الحرب على غزة، ورغم أن أمريكا لديها القدرة وأدواتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية، ولكن ليس لديها الإرادة الحقيقية في الضغط على الجانب الإسرائيلي لدفعه نحو القبول بدولة فلسطينية مستقلة وتقديم تنازلات حقيقية لتحقيق السلام العادل والدائم، وذلك لاعتبارات انتخابية أمريكية والخشية من إغضاب اللوبي اليهودي القوي المؤثر في المشهد السياسي الأمريكي وللمزايدة أيضا على الجمهوريين وترامب. إضافة إلى أن الدول الأوروبية، فرادى أو الاتحاد الأوروبي كتكتل، غير قادرة على ممارسة أي ضغوط حقيقية على إسرائيل ودفعها لتنفيذ حل الدولتين، ويظل دورها فقط محصورا في الجانب الإنساني والمساعدات للفلسطينيين.

وبالتالي الحديث الأمريكي عن حل الدولتين يظل في إطار الاستهلاك السياسي وليس تعبيرا، عن توجه حقيقي لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وحل هذا الصراع التاريخي من جذوره، ومنع أي مواجهات دموية في المستقبل، رغم أن ذلك في مصلحة أمريكا وأيضا في مصلحة حليفتها إسرائيل، كما أنه السبيل الوحيد لتحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط.

("الأهرام") المصرية

يتم التصفح الآن