وجهات نظر

"العودة إلى سوريا".. ومسار الضجيج العام!

تقترب الذكرى الثالثة عشرة لثورة السوريين ضد نظام الأسد، والتي تحمل في أحد جوانبها بدء تشريد السوريين من بيوتهم من مدنهم وقراهم ومن بلدهم، في حركة أخذت أسماء واقعية منها نزوح وهجرة ولجوء، وأخذت أسماء لا تخلو من مسحات أدبية بينها تغريبة وشتات، وهي في كل الحالات طالت معظم السوريين، إذ لم تقتصر على معارضي النظام والخارجين عليه، بل شملت مؤيديه وأنصاره، ولم تترك الرماديين، بل جعلتهم يغرقون في الرماد وسخام التشرّد الذي أصاب أغلب السوريين المحسوبين خارج حاضنة النظام، التي لا تشكل في أكبر حالاتها أكثر من عشرين بالمائة.

وسط واقع تشرّد السوريين، تتردد الدعوات وتتزايد بين وقت وآخر من أجل عودة السوريين إلى بلدهم، ورغم أنّ الأصوات الأعلى في الدعوات، ظهرت في بلدان الجوار خاصة في لبنان وتركيا وفيهما أكبر تجمّعين للسوريين في الخارج، فقد شملت الدعوات الأردن، ولو بأصوات أقل ارتفاعًا وحدة، وقد ارتفعت مؤخرًا بعض الأصوات في مصر، كما صدرت دعوات، بعضها صريح وآخر مبطن، في الدول الأوروبية لإعادة لاجئين سوريين فيها، بينها دول كانت فتحت أبوابها مرحّبة بقدوم السوريين إليها في موجة الهجرة الكبرى 2014-2016 مثل السويد، التي اعتقد لاجئون أنها ستكون جنّة موعودة.

لم تقتصر الدعوة إلى عودة السوريين على من سبق، بل صدرت مطالبات بصددها من دول وهيئات ومنظمات عبر العالم، إضافة إلى مطالبات شتات السوريين في تجمّعاتهم وجماعاتهم السياسية والمدنية بالعودة إلى بلدهم، وأقدّر أن المطالبين أكثرية، لكن بعضهم يحب الاحتفاظ بحق العودة، وبعض آخر قد لا يعود نتيجة ما آلت إليه حالهم في الملاذات الحالية من ظروف وشروط.

الرفض العلني أو الضمني لعودة السوريين موقف مشترك لدى سلطات الأمر الواقع والنظام والروس والإيرانيين

ولم تكن عودة السوريين خارج اهتمام الأطراف الفاعلة في الداخل السوري، حيث سلطات الأمر الواقع في شمال غرب سوريا، لا تمانع في عودة السوريين لأنه يساهم في تثقيل وزنها السياسي في أي مفاوضات، ولو أنها فرضت عليهم رسوم عودة مؤخرًا، أما في مناطق الإدارة الذاتية، فالرفض غير معلن، والأسباب سياسية-أمنية، حيث لا ترغب سلطة الأمر الواقع بسماع صوت آخر، ولا رؤية صاحب الصوت، بما في ذلك الكرد المهجّرون من مناطقها، بل إنّ بين أسباب الرفض ما يتصل بالاستيلاء على ممتلكاتهم من العقارات والأراضي، استنادًا إلى "قانون إدارة أملاك الغائبين" الذي أصدرته الإدارة قبل أعوام.

وقريبًا من موقف الإدارة الذاتية، يتمترس نظام الأسد الذي لا يتحدث عن عودة السوريين، إلا إذا كان الحديث يخدم واحدًا من مساعيه في تسويق نفسه وتحسين علاقاته في المحيط الإقليمي والدولي، وكان فاتحة لطلب المساعدات من أجل إعادة إعمار سوريا، وهو في الواقع لا يمنع عودة السوريين فقط بكل الأساليب، إنما يستمر في سياسة الطرد العملي لمن تبقى من سكان البلاد عبر سياسات تضييق سياسي وأمني واقتصادي ومعاشي، جعلت الوضع على حافة انهيار شامل، وأسوأ من أي وضع في المناطق السورية الأخرى.

ويمكن القول إنّ حلفاء نظام الأسد متقاربون مع موقفه الرافض، وإن اختلفوا في بعض تكتيكاتهم، وفيها معارضة إيرانية عميقة، يرافقها صمت إيراني عن الموضوع، وكأنه يحدث في عالم لا يتصل بهم، والطرف الروسي يؤيد عودة السوريين بالتصريحات في خلال جولات المسؤولين الروس والموفدين إلى بلدان مشغولة بالموضوع مثل تركيا ولبنان والأردن، ودول الخليج العربي التي يمكن أن تساهم في إعادة الإعمار، لكن موسكو لا تقدّم ولا تساعد في إجراء عملي من أجل عودة السوريين إلى بلدهم.

ولعله لا يحتاج إلى تأكيد، أنّ عودة السوريين إلى بلدهم، إنما تعني رجوعهم إلى مدنهم وقراهم وبيوتهم، وهذا ما يجعل الرفض العلني أو الضمني موقفًا مشتركًا لدى سلطات الأمر الواقع وفي موقف حليفَيّ النظام، الروس والايرانيين، لأنّ العودة بالنسبة للنظام والإيرانيين ستؤثر على سياسات التغيير الديموغرافي التي يتم تطبيقها في بعض المناطق، ومنها سوار دمشق في الغوطتين الغربية والشرقية وتحطيم بنيته الديموغرافية التي أثبتت مقاومتها العنيفة له طوال سنوات الصراع الأولى، وينطبق الحال ذاته على القسم الأكبر من ريف حمص، ومثل ذلك سياسة الإيرانيين التي تبدو واضحة نسبيًا في غوطتَي دمشق، ومنها مدينة السيدة زينب في الغوطة الشرقية، التي تحوّلت إلى ما يُشبه الضاحية الجنوبية في بيروت، ومدينة داريا في الغوطة الغربية، التي يسعى الإيرانيون إلى تكريسها مركزًا ومزارًا دينيًا، يحيط بمقام "السيدة سكينة" وهو مشروع بدأت نواته قبل الثورة، وتسارعت خطواته في العامين الأخيرين.

وأضاف "حزب الله" اللبناني إلى هاجس التغييرات الديموغرافية في مناطق سيطرته هواجس سياسية وأمنية في تحديد ضوابط تعامله مع الساعين للعودة إلى مدنهم وقراهم التي يسيطر عليها في خط الحدود السورية – اللبنانية، ومنها مدينة القصير التي طرد سكانها، واستولى على أراضيها، وحوّلها إلى قاعدة لقواته، ويتشدد الحزب في السماح لأي من سكانها، بمن فيهم المقيمون في مناطق سيطرة النظام، بالعودة إلى المدينة، وينطبق الأمر على واقع حال مدينتي يبرود ومعلولا في القلمون الغربي ومنطقة وادي بردى غرب دمشق، وفيها مدن مثل الزبداني ومضايا، ويطلب من الراغبين في العودة شروطًا يبلغ بعضها حد الاستحالة، وعندما تحصل يطرح على أصحابها الانضمام إلى ميليشياته التي تُعسكر في المدينة.

كل طرف يرى عودة السوريين إلى بلدهم من زاويته وبما يتوافق مع مصالحه

إنّ المسار التنفيذي في عودة السوريين إلى بلدهم وإلى بيوتهم، إذا تجاوز الموانع السياسية والأمنية، التي تضعها القوى المسيطرة في الواقع، فإنه لا بد وأن يواجه مشاكل إجرائية من الهياكل التنفيذية من مليشيات وحواجز مقامة على الطرق ومداخل المدن والقرى التي يذهب إليها العائدون مع موافقاتهم الأمنية حتى لو كانوا من المقيمين في المنطقة ذاتها، وتتضمن تلك الإجراءات منع العودة والاستيلاء على أموال وممتلكات البعض، والتنمّر والتحرّش بالبعض، وقد يتعرّض بعضهم لاعتقال يمكن أن يأخذهم إلى موت تحت التعذيب في الفروع الأمنية على نحو ما تكرر الحال على خط عودة بعض السوريين من لبنان.

عودة السوريين إلى بلدهم، وعودتهم إلى مدنهم وقراهم وبيوتهم، مطروحة على كل المستويات في الخارج والداخل من السوريين على اختلافهم، ومن الدول والمنظمات في مختلف مواقفها، غير أنّ كل طرف يراها من زاويته، وبما يتوافق مع مصالحه، التي لا تتفق مع المضمون الأساسي لفكرة العودة باعتبارها حقًا أساسيًا من حقوق الإنسان، لا يجوز تجاهله ولا وضع اشتراطات عليه على نحو ما يظهر في الكلام عنه من ضجيج!.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن