إنقاذ السودان يبدأ من القاهرة

المؤتمر الذي دعا له الرئيس عبد الفتاح السيسي لإنقاذ السودان من ظروفه الصعبة التي يمر بها كان مُهمًا. توصل لخطة عملٍ لإنقاذ البلد الشقيق مما يُعانيه. وهكذا توصلت الأزمة السودانية لعملية هدفها الخروج من المحنة، والتقى قادة الدول المجاورة فى لقاء دعت إليه ورعته مصر. بل وطرح المؤتمر تصورًا عمليًا للخروج من المأزق الراهن.

وكانت هُناك رؤى تستند إلى الواقع لإنهاء الأزمة. فقد تمت مطالبة الأطراف المُتحاربة بوقف التصعيد وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية لأرض الأزمة وإقامة ممرات آمنة، وإطلاق حوار بمشاركة كل القوى السياسية والمدنية، وتشكيل آلية اتصال منبثقة عن المؤتمر لوضع خطة عمل تنفيذية للتوصل إلى حل شامل للأزمة، وليس مجرد وقف الانهيار. الرئيس السيسي أكَّد أن مشاهد الدمار والقتل تُدمى قلوب المصريين.

وقال رئيس جنوب السودان إن تدفق اللاجئين السودانيين شكَّل حالة من الضغط على موارد دول الجوار. وأكد رئيس إريتريا إن القمة تُسهم في تأمين المناخ لحل الأزمات. ورئيس مفوضية الإتحاد الإفريقي أكَّد أن قمة القاهرة وضعت «خريطة طريق» لوقف إطلاق النار تحظى باهتمام وتأييد دوليين. وهكذا وضعت مصر دول الجوار على الحل السليم لوقف الاقتتال وحفظ الأرض وسلامة الشعب. وانطلقت عملية بناء السودان الجديد من قلب مصر التي تُمثل نقطة البدء وتُشكِّل البيت الكبير لحل مشكلات السودان التي وصلت إلى طريق مسدود.

قال الرئيس السيسي إن مصر ستبذُل ما في وُسْعَهَا بالتعاون مع الأطراف لوقف نزيف الدم السوداني. وطالب بإطلاق حوارٍ للأطراف السودانية بمشاركة القوى السياسية والمدنية ومُمثلي المرأة والشباب للوصول إلى أمل جديد يُخرِج الوضع السودانى مما وصل إليه. كان ذلك فى الجلسة الافتتاحية لفاعليات قمة دول جوار السودان التي انعقدت بقصر الاتحادية ودعت الأطراف المتحاربة لوقف التصعيد والبدء في مفاوضات جادة هدفها الأساسى التوصل لوقف فورى ومستدام لإطلاق النار. وتسهيل الأطراف السودانية مرور المساعدات الإنسانية وإقامة ممرات آمنة لتوصيل تلك المساعدات للمناطق الأكثر احتياجاً داخل السودان، ووضع آليات تكفُل توفير الحماية اللازمة لقوافل المساعدات الإنسانية. وتمكين موظفي المنظمات الدولية من أداء عملهم.

وأكد الرئيس السيسي أن التصور المصرى لخروج السودان من أزمته الحالية وذلك بمشاركة ومساعدة كل الأطراف السياسية والمدنية وممثلي المرأة والشباب بهدف بدء عملية سياسية شاملة تُلبي طموحات وتطلعات الشعب السودانى فى الأمن والرخاء والاستمرار والديمقراطية. وأنه لا بد من تشكيل آلية اتصال منبثقة عن هذه القمة لوضع خطة عمل تنفيذية للتوصل إلى حلٍ شامل للأزمة السودانية. على أن تَطَّلع الآلية بالتواصل المباشر مع أطراف الأزمة والتنسيق مع الآليات والأُطر القائمة. أيضاً فإن دول جوار السودان تُعد الأشد تأثُرا بالأزمة. والأكثر إحساسًا بما يتم فى السودان هنا والآن. ولهذا كانت مصر من أكثر الدول الشقيقة إحساساً بما جرى. ولا شك فى أن تدفُق المهاجرين السودانيين على معابرها كان تعبيراً عن أن مصر هس الملاذ الآمن لكل سودانى هجر بلده وانطلق منها إلى مكان آمن. ومن يمر على أحياء القاهرة سيُدرك حجم المُعاناة التي يُعانيها السودانيون فى بلادهم.

مصر لم تكُن الدولة الوحيدة التي تعرضت لهجمة غير عادية من السودانيين الهاربين من بلدهم بحثا عن مكانٍ آمن. ومن المؤكد أن هُناك أعدادا مهولة من أبناء السودان الذين لم يستطيعوا الهرب من وضع الحرب السودانية بين الطرفين المتحاربين. رؤساء دول الجوار السودانى الذين جاءوا إلى القاهرة بدعوةٍ كريمةٍ منها طالبوا بوقف مستدام لإطلاق النار. لأن هذه الحرب لها تداعيات خطيرة على الجميع.

ورئيس إثيوبيا آبى أحمد قال إن إفريقيا كلها ستُعانى إذا استمر هذا النزاع. طبعاً وجود آبى أحمد فى القاهرة كان مناسبة مهمة لتناول تداعيات سد النهضة على السودان ومصر. ولكن هذا أمر يتطلب كتابة أخرى فى سياق مختلف، لأن أزمة سد النهضة سابقة على الأحداث السودانية ولاحقة لها. وهو ما سأحاول القيام به مستقبلًا. ولكي نُشير لمدى تدهور الأوضاع فى السودان الآن، أتوقف أمام ما أعلنه مندوب الأمم المتحدة من العثور على 87 جثة في مقبرة جماعية بولاية غرب دارفور. وأوضح أن بعض الأشخاص لقوا حتفهم متأثرين بجروحٍ لن تتم معالجتها خلال موجة عنفٍ شنَّتها قوات الدعم السريع وجماعات متحالفة معها في الأيام التي أعقبت مقتل والي غرب دارفور خميسى أبكر.

السودان دولةٌ شقيقةٌ لمصر. تُلازمها من الجنوب. ومنذ سنوات كنا نسمع شعارات مرفوعة خاصة في أربعينيات القرن الماضى تتحدث عن وحدة حتمية بين مصر والسودان. كانت مصر يقال عنها الإقليم الشمالى، والسودان تُسمى بالإقليم الجنوبى. لكن كل هذا الكلام مضى وانقضى وأصبح يسكن صفحات التاريخ. ورغم تغيُر الأحوال وتبدُل المصائر فإن السودان دولة شقيقة لا بد أن يهمنا ما يجري فيها. وأن نعتبره من الأمور الأساسية بالنسبة لنا. وهو ما عبَّر عنه أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية الذي أكّد التزام الجامعة بتعزيز الجهود العربية والإفريقية لحقن دماء الأشقاء السودانيين. إنني أؤكد أن الأشقاء من أدباء السودان الذين اضطرتهم ظروفهم فى سياقات تاريخية مختلفة ما زالت مستمرة حتى الآن ـ الذين جاءوا إلى مصر كانوا يدركون أنهم يعيشون فى بلد شقيق يهمه مصيرهم كما لو كان هو مآل الحياة بالنسبة لهم في بلادهم. ومن يُتابع السودانيين في مصر لا بد أن يعرف أنهم فى بلدهم الثانى.

(الأهرام)

يتم التصفح الآن