قضايا العرب

"سينما المقاومة".. الذاكرة تواجه النسيان!

المغرب - حسن الأشرف

المشاركة

يبصم سكان قطاع غزّة بفلسطين منذ عدة أشهر على مقاومة باسلة يشهد لها القاصي والداني، أمام إبادة جماعية "يتفنن" في تنفيذها الجيش الإسرائيلي أمام أنظار العالم.

هذا ما يجري في الواقع، وهو ما يمكن استثماره ـ وِفق نقاد ـ في الفن السابع، حيث يمكن لهذه البطولة الفلسطينية أن تكون قصصًا صالحة لسيناريوهات أفلام ما يمكن تسميته بـ"سينما المقاومة" التي تتطرّق إلى قضايا التحرّر والانعتاق من الاحتلال والاستبداد.

ويشدد نقاد متخصّصون على ضرورة تخصيص موازنة ضخمة لـ"سينما المقاومة" من أجل إنجاح هذا النوع من الأفلام بهدف صون ذاكرة الشعوب العربية، كما قال المفكر الراحل إدوارد سعيد "المقاومة شكل من أشكال الذاكرة في مقابل النسيان"، إلّا أنّها سينما تحتاج أيضًا إلى غير قليل من الإبداع والمهنية لدى المخرجين.

المقاومة.. بالصورة

ويقول في هذا السياق الناقد السينمائي مصطفى الطالب، في حديث لمنصّة "عروبة 22"، إنّ "سينما المقاومة تُعدّ أحد أهم وأخطر التعابير السينمائية مقارنًة مع باقي الأنواع الفيلمية الأخرى، باعتبار أنّ لها ارتباطًا وثيقًا بذاكرة وتاريخ الشعوب، خاصة تلك التي عانت من ويلات الاحتلال، مثل الشعوب العربية والأفريقية إضافة إلى شعوب أمريكا اللاتينية".

وأوضح الطالب أنّ "هذا الدور تقوم به الصورة أو السينما اليوم من أجل الحفاظ على ذاكرة الشعوب وكرامتها وتاريخها ومجد مقاوميها"، مشددًا على أنّ "السينما الفلسطينية تظل هي الرائدة في العالم العربي لكون الاحتلال لا زال قائمًا، وبالتالي المقاومة تفرض نفسها سواء بالسلاح أو بالكلمة أو بالصورة الموثّقة للأحداث"، مضيفًا: "في الوطن العربي سينما المقاومة حاضرة بدون شك بحكم التاريخ و"الشرعية السياسية" التي تسعى أن تكون لها مصداقية أمام شعوبها، وقد استطاع بالفعل عدة مخرجين أن يبصموا السينما بأفلامهم الخالدة مثل الفيلم الجزائري "ريح الأوراس" لمخرجه لخضر حامينا (1966)، والفيلم التونسي "الفجر" لعمار الخليفي (1966)، والفيلم المصري "جفت الامطار" لسيد عيسى (1966)، وكذلك فيلم "الأرض" ليوسف شاهين، والفيلم المغربي "بامو" لإدريس المريني (1983) وقبله "السراب" لأحمد البوعناني (1980)".

واعتبر الناقد السينمائي أنّ "حضور هذه الأفلام باهت بحسب المناسبات، حيث ظهرت أفلام المقاومة سواء في المغرب العربي أو مصر وغيرها بشكل متفرق زمنيًا، فمثلًا في المغرب ما بين فيلم "بامو" لإدريس المريني (1983) وفيلم "أرض التحدي" لعبد الله المصباحي (1989)، مرّت ست سنوات، ثم فيلم "المقاوم المجهول" للعربي بناني سنة 1995، بعده فيلم "عطش" لسعد الشرايبي سنة 2000، ثم بعده فيلم "عشاق موكادور" لسهيل بن بركة 2002، وبعد ذلك مرّت سنوات ليظهر فيلم مثل "فداء" لإدريس شويكة 2017، ثم فيلم "55" لعبد الحي العراقي (2024)".

أسباب النقص

وإذ لفت إلى أنّه "يمكن عد "أفلام المقاومة" على الأصابع إذا ما قورنت مع باقي أنواع الأفلام الأخرى الاجتماعية أو الكوميدية، كما أنّ هناك تفاوتًا فنيًا وجماليًا فيما بين هذه الأفلام، لأنّه أحيانًا تأتي هذه الأفلام دون مستوى تطلعات الجمهور كتابًة وإخراجًا"، تساءل الطالب: "لماذا إذن هذا النقص في سينما المقاومة؟ سيما أنّ حقبة الاستعمار لم توثّق سينمائيًا بالشكل الذي ينبغي أن تكون عليه"، مسجّلًا أنّ "هناك شبه غياب للقضية الفلسطينية في السينما العربية باستثناء بعض الأفلام السورية والمصرية بالخصوص"، وذهب إلى أنّ "ورشًا سينمائية كبيرة ضمن "سينما المقاومة" يجب الاشتغال عليها كما اشتغلت السينما الغربية بشكل فني واحترافي متميّز لهذا الموضوع سخرّت له ميزانيات ضخمة لإنجاحه وأيضًا لإعادة كتابة التاريخ من منظورهم، حتى نحافظ على ذاكرتنا التي هي جزء من هويتنا وتاريخنا خاصّة للأجيال الحاضرة والقادمة".

وخلُصَ المتحدث إلى الإعراب عن اعتقاده بأنّ "ما يجري اليوم في قطاع غزّة من إبادة جماعية ومقاومة باسلة سيعيد لسينما المقاومة مكانتها وأدوارها الطلائعية في الوعي بالذات وبقضايا التحرّر أمام "التفاهة" التي استشرت في الآونة الأخيرة" على حد قوله.

جمهور أفلام المقاومة

ولأنّ لكل سينما جمهورها الخاص، فإنّ "أفلام المقاومة" يشاهدها جمهور معيّن بخلفيات اجتماعية وإيديولوجية معينة، إلّا أنّ السؤال الذي يُطرح في السياق هو: هل تؤثر سينما المقاومة في الشعوب حقًا؟، وهل هذه الأخيرة تتأثّر برسائل أفلام المقاومة؟

يُجيب على هذه الأسئلة الناقد أحمد سيجلماسي، في حديث لمنصّة "عروبة 22"، بالقول: "أفلام المقاومة" لها جمهورها الخاص بالطبع لكن شريطة أن تكون مصنوعة بمهنية وتَمَكن، وأن يكون وراءها منتجون حقيقيون، وخير مثال على ذلك فيلم "عمر المختار" أو "أسد الصحراء" للمخرج والمنتج الراحل مصطفى العقاد، مشيرًا إلى أنّ "هذا الفيلم حقّق نجاحًا كبيرًا داخل الوطن العربي وخارجه، نظرًا لصدقه وعناية مخرجه بالتفاصيل الدقيقة وتوفقه في اختيار ممثلين مناسبين ومعروفين عالميًا، وعلى رأسهم أنتوني كوين في دور المجاهد الليبي عمر المختار، الذي قاوم المستعمر الإيطالي بإيمان وبسالة وواقعية، واستطاع بأدائه التلقائي المبهر أن يؤثر في المتلقي العربي ويجعله متعاطفًا معه ومع القضية التي ناضل واستشهد من أجلها".

شرط الإبداع

وشدّد الناقد السينمائي ذاته على أنّ "هناك أفلامًا كثيرة محسوبة على المقاومة في الوطن العربي، إلا أنّ غياب الإبداعية الفنية لدى مخرجيها غالبا ما يُسيء إلى القضايا النبيلة التي تتناولها، إذ لا يُعقل، مثلًا، أن نصنع فيلمًا من هذا القبيل ـ خصوصًا إذا كانت أحداثه تجري في زمن مضى ـ دون توفير ما يلزم لإنتاجه من إمكانيات مالية وتقنية وبشرية وغيرها". واستطرد مضيفًا: "في غياب ما يكفي من هذه الإمكانيات لن نصنع أفلامًا بالمواصفات المتعارف عليها عالميًا، ولن ننجح في إقناع وإمتاع المتلقي المحلي والكوني بها"، مستدركًا بأنّ "هذا لا يعني أنّ توفير هذه الإمكانيات وحده كافٍ للحصول على أفلام مشرّفة، بل لا بد من وجود سينمائيين مبدعين قادرين بالإمكانيات المتوفرة لديهم أن ينجزوا أفلامًا مناهضة للظلم والاستبداد بأشكالهما المتنوعة، لكن في قالب فني تتميّز عناصر التعبير فيه بالتناغم والجمال والعمق الإنساني".

وخلُص إلى أنّ "الفيلموغرافيا السينمائية العربية زاخرة بأفلام المقاومة، لكن مستويات هذه الأفلام تتراوح بين المقبول والجيّد والرديء مع طغيان هذا النوع الأخير"، ليختم بالقول: "ليس من السهل إنتاج فيلم مقنع فنيًا وفكريًا وناجح تجاريًا، فالذين نجحوا في حل معادلة النجاح الفني والتجاري قليلون، وبالتالي هذا هو رهان المستقبل بالنسبة للسينمائيين العرب الشباب الواعدين".

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن