بصمات

سيناريوهات "اليوم التالي" في غزّة وكييف.. "عمارة تحترق"

في خضم الأزمات المتعاقبة في أوكرانيا وغزّة والشرق الأوسط، تتنامى الفوضى الدولية مع ظهور قوى جديدة في العالم بمظهر المارد من تحت ركام الحرب الباردة، على وقع أوضاع العالم المتغيّرة سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا.

سيناريوهات

النظام العالمي الجديد في خضم أكثر من مشكلة مركزية، وبرؤية يغلب عليها الطابع التشاؤمي تطال الذين شاركوا في صوغ مفهوم الدولة الحديثة. كأن العالم اتفقوا على عدم الإتفاق، بعد أن أصابهم الإرهاق، ويعيشون على وقع صدمات الحقائق الصارخة في اللحظة الراهنة.

النظام العالمي عرضة للهجوم من كل الأطراف. أوروبا، التي مزقتها حربان عالميتان، تواجه حربًا روسية كارثيّة على أراضيها. الولايات المتحدة الأميركية، تحاول الحؤول دون إنفلات الجغرافيا السياسية من قبضتها، وتلعب دور المعاند لبروز نظام تعددّي الاقطاب، وترفض فكرة شرق أوسط خارج قبضتها.

نتنياهو وبن غفير وسموتريش يرتكبون أعمال عنف متطرفة ومنظمة وممنهجة بصورة "روبوت غير أخلاقي"

تجري الحرب الاسرائيلية على الفلسطينيين وسط هذه الفوضى، وعلى نحو من الغموض (من منطق أنّ إسرائيل لا يمكن أن تُهزم)، ومن خلال دعوة مبهمة لاقامة توازن بين القوة والمشروعية على المستوى الدولي، حيث يدرَك سلفًا صعوبة هذه المعارك في مجتمعات تناضل من أجل حريتها، وضد المؤثرات الفوضوية، التي تجعل من الفلسطينيين يولدون ويموتون وهم يحملون القهر، والانتماء الطويل الأمد ببطولاتهم.

نظام ليبرالي يعجز أن يرتقي صعدًا لتحسين حياة الناس، ولا يدعي السعادة والمساواة بكل تأكيد، إثباتًا لحرية الإرادة، ولعدم قدرته على إيقاف حرب تصيب ضمير الإنسانية.

ما يجري في غزّة وكييف، مدخل لفهم السلوك السياسي المغلق، ومحاولة إيجاد معنى لهذا الجنون، الذي لا يرتب عالمًا لا تحدث فيه صراعات حادة إلا نادرًا، أو اطلاقًا، إذا أسعفه الحظ.

النزوعية نحو الحرب، هي مقياس للإتجاهات الفاشية بطرائق معينة.

قد يكون علم النفس السياسي، وسيلة لفهم ظاهرة إسرائيل واعتياد الشر من مرتكبي جرائم الإبادة على أرض غزّة، وعلى أُسُس عنصرية، وعما إذا كان القادة الإسرائيليون، الذين يديرون الحرب أسوياء نفسيًا/سيكولوجيًا في حالات القتل الجماعي والتدمير. وخصوصًا ما يتعلق بسلوك بنيامين نتنياهو وإيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريش وغيرهم، ووسمهم بسمات إرهابية ونرجسية. هم يرتكبون أعمال عنف متطرفة ومنظمة وممنهجة. وعلى العالم قبول الحقائق المتعلقة بصور هؤلاء، تظهرهم فاسدين، أنانيين، خارج أي إطار عاطفي أو "روبوت غير أخلاقي". يصعب أن نجد حالة قتل جماعي في التاريخ، أو في الوقت الحاضر، لا يكون فيها هذا الجانب من الكراهية العنصرية، حاضرًا لدى أعضاء الجماعة، وتسببهم بأزمات سياسية، وهم يتخذون قرارات إجرامية.

العالم مجنون، حين لا يرى أشياء ما في صرخات شعب فلسطيني وهو يسقط مرارًا على الأرض، يقف على أنقاض الحرائق، والقنابل المتفجرة تدفعه إلى الفضاء، ولا يستلقي على فراش. عالم لا يشعر بأي خطأ، ومزيج من العوامل تمنعه من أن يصرّح بما يفكر فيه في حقيقة الأمر، وهو يشاهد الأحداث المرعبة، ولا يفعل شيئًا حيال ذلك.

"البناية المحترقة" لا تترك سوى حيّز ضئيل من الإسراع باتجاه المخرج من حصار النار

سيناريوهات "اليوم التالي" في غزّة وأوكرانيا ومناطق النزاعات المختلفة، مثل "البناية المحترقة"، بمعنى أنها لا تترك سوى حيّز ضئيل من الإسراع باتجاه المخرج من حصار النار، إلى مجال السياسة الواقعية. وكثير من الخلافات العميقة فيها، حول إذا كانت "الغرفة تحترق أم لا"، كما في الرواية الدرامية التي صوّرها المخرج ستيفن سبيلببرغ في فيلمه "قائمة شيندلر"، لرجل يخاطر بإطلاق "صفارة الإنذار".

كتب هارولد لاسويل، أحد عظماء علم النفس السياسي، "إنّ العلوم السياسية من دون سيّر ذاتية هي نوع من التحنيط"، مثل فيل موضوع في متحف، مع الحاجة إلى النظر داخل المؤسسات السياسية، وإلى ما في داخلها لفهم السلوك السياسي، وحقيقة أنّ صانعي القرار يختلفون في أخطر الظروف في رؤيتهم للاحداث، وفي سيناريوهات كثيرة - عندما لا يجرؤون على التصرّف، كما في حالة "عمارة تحترق".

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن