تقريب العربية.. لا تغريبها

من أسباب نفور الجيل الجديد من اللغة العربية المقعرة والمتخشبة وفق منهج اللغة العربية، ومنهج التربية الإسلامية الجامد منذ نحو مئة عام، أنها لم تتغير طريقة تدريسها، ولم تعصرن وسائل التعليم بها، ولم تغدُ لغة الرقمنة والحاسوب والمعلومات المخزنة في طرق البحث في الشبكات العنكبوتية، هي لغة معزولة بفعل أهلها وعشاقها، فتفر منها الأجيال الجديدة والمتعاقبة فر الحُمر المستنفرة، فرّت من قسورة، مع إغراءات اللغة الإنجليزية، وحضورها اليومي بقوة في كل مكان من برامج وأفلام الأطفال إلى الهاتف النقّال إلى البيت إلى المدرسة إلى الأسواق إلى وسائط التواصل الاجتماعي، إلى سهولة ويسر الطرق التعليمية المحببة إلى نفوسهم، وبالتالي نحن من ندفع أبناءنا لهجر لغتهم الأم بما تصنع أيدي الناس غير الخبراء، وغير المتنورين، والذين يعشقون القديم وما ألفوا، أصحاب الحفظ والبصم والنص الجامد، وما حفظوا ونقلوا.

هل يعقل أن يطلب من تلاميذ الصفين الأول والثاني من المرحلة الابتدائية أن يعرفوا الساكن والمتحرك، ويشطروا الجملة، ويقطّعوا حروفها الساكنة، ومدّ الواو، وحروف السكون والشَدّ؟! يعني قصورهم يعملونهم علم العروض! هل يعقل ما يُدرس من قواعد اللغة العربية الثقيلة على الكبار في الصفوف الابتدائية الأولى؟! وما الفائدة التي ترجى من زجهم في علم القواعد والنحو أو علوم البيان في الصفوف الإعدادية، والمطلوب منهم أن يفهموها في وقتهم الجديد كما فهمها السابقون، ويعرفوها، ويمتحنوا فيها، وهم في الأساس ضعاف لغوياً، وقليلو الدراية باللغة كحوار يومي، ومفردات التخاطب؟! هل يعقل أن نستمر بطريقة التحفيظ القديمة، وكأن لا وسيلة تعليمية حديثة للغة الضاد وجمال حروفها، غير إجبارهم على حفظ لامية العرب أو ألفية ابن مالك؟!

الطلبة الجدد اليوم، خاصة في الصفوف الأولى، ربما يحبون مُدرسة اللغة الإنجليزية أكثر من مُدرسة اللغة العربية، الأولى فرحة، مرحة، وأقرب لهم، وقد تغني لهم، وتطلب منهم إحضار أكلات من بلدانهم لتعلمهم الفرق بين الثقافات وأسماء الأكلات، وقد تعرّج إلى جغرافيا البلدان، وربما تحضر معهم فيلماً بالإنجليزية يناسب أعمارهم، وعشقهم للمغامرات والخيال، أما مُدرسة اللغة العربية، فهي أحياناً قد تشبه المديرة في صرامتها، جامدة مثل منهج لغتها، عصيّة على التجاوب مع أعمارهم وزمنهم الجديد، ويسألونها أسئلة بالإنجليزية عن مستجدات في الحياة، فلا تعرف أن تجيبهم أو تقربها للغة العربية التي يمكن أن يفهموها، المهم درس القواعد والإملاء والإنشاء، والفرق بين الهمزات وحروف العلة، والأمر ذاته ينطبق كذلك على مُدرسة التربية الفنية، كلها فرح وألوان وورود، وتعرف كيف تدخل لقلوب التلاميذ الصغار من خلال حبهم وتعبيرهم الأساسي بالرسوم ومحاولة المحاكاة والتقليد لما يرونه.

اتقوا الله في تعليم اللغة العربية، والتربية الإسلامية لأنهما مدخل للهوية والانتماء، فلا تغربوهما عن أولادنا، بل علينا أن نقربهما إليهم بالتجديد والولوج في العصرنة وجلب الحديث في الوسائل التعليمية، والابتكار من أجل زرع حبهما في القلب من الصغر.

(الاتحاد)

يتم التصفح الآن