وكان الهجوم على المنشآت الصحية والطبية، بما فيها المستشفيات مخططًا، مقصودًا ومنهجيًا، وحاول تحقيق خمسة أهداف:
1) تحطيم قدرة المنشآت الطبية والصحية على تقديم الخدمات للسكان المدنيين.
2) تدمير منهجي للمنشآت الصحية نفسها، بما في ذلك المستشفيات، مراكز الصحة الأولية، مراكز التطعيم.
3) خرق القانون الدولي الذي ينص على احترام حيادية وسلامة العاملين في القطاع الصحي، بالاعتداء المقصود والمباشر على الأطباء والمسعفين ومختلف العاملين في القطاع الصحي.
4) تدمير قدرة الفلسطينيين على الصمود والبقاء في قطاع غزّة.
5) تدمير القدرة على الحياة في قطاع غزّة بهدف ترحيل سكانه بالقوة، ولاحقًا طوعيًا.
وشملت الاعتداءات الإسرائيلية أولاً... تدميرًا كاملًا أو جزئيًا لـ30 مستشفى من أصل 36 مستشفى عاملًا في قطاع غزّة، وتدمير قدرتها على تقديم الخدمات الحيوية والطبية.
كما شملت تدمير أكثر من 98 مركزًا صحيًا، ومعظمها سوي بالأرض، وتدمير مكونات المنظومة الصحية من مخازن طبية، أو صيدليات، ومصادر طاقة، بالاضافة إلى ما لا يقل عن 150 سيارة إسعاف.
ومثّل الاعتداء المباشر على العاملين في القطاع الصحي ثانيًا... نموذجًا آخر لجرائم الحرب الإسرائيلية، حيث استشهد حتى كتابة هذا المقال 349 طبيبًا وممرضًا وعاملًا صحيًا وأصيب بالجراح أكثر من 300 آخرين.
وأدى القصف المباشر على المستشفيات إلى استشهاد 660 مريضًا وزائرًا، وإلى جرح 843 آخرين.
مخاوف على حياة مدير مستشفى الشفاء وتقارير عن تعرّضه لتكسير أطرافه والإذلال بتعريته والتنكيل الوحشي به
وكان اعتقال الأطباء ومدراء المستشفيات والعاملين الصحيين واحدًا من أخطر الجرائم، حيث تم اختطاف ما لا يقل عن 90 منهم، زج بهم في معسكرات الاعتقال، وتعرضوا للتعذيب الوحشي بهدف إجبارهم على الادلاء باعترافات لا أساس لها لتبرير الاعتداءات الإسرائيلية على المستشفيات، وشمل التعذيب الضرب وتكسير العظام، والتعذيب بالصعقات الكهربائية والخنق في الماء، مما أدى إلى استشهاد عدد منهم.
وما زالت حالة مدير مستشفى الشفاء، وهو أكبر مستشفى في قطاع غزّة والضفة الغربية، تثير مخاوف عديدة على حياته لأنه رفض الاعتراف بما لم يقم به، وتشير بعض التقارير إلى أنه تعرض لتكسير أطرافه وإلى الاذلال بتعريته والتنكيل الوحشي به.
أما الشكل الثالث للاعتداء على الصحة فكان التدمير المنهجي للبنية التحتية بما في ذلك تدمير شبكات الكهرباء والمياه والمجاري مما سبب تدميرًا بيئيًا لا سابق له، كانت نتيجته المباشرة انتشار رهيب للأمراض والأوبئة، حيث سجلت ما لا يقل عن مليون إصابة بالأمراض، ومنها أمراض الجهاز التنفسي والجهاز الهضمي. وأدى غياب المياه النظيفة والمرافق الصحية إلى أكثر من 120 ألف إصابة بالأمراض الجلدية، إضافة إلى انتشار أوبئة خطيرة كالتهاب الكبد الوبائي الذي أصاب حتى الآن عشرة آلاف شخص.
يتعرّض 10 آلاف مريض سرطان للموت الحتمي المبكر وتتعرّض حياة أكثر من 50 ألف حامل و64 ألف مرضعة وأطفالهن للخطر
أما الشكل الرابع للتدمير المنهجي للصحة، فكان منع وصول الغذاء والعلاج والمياه لسكان قطاع غزّة المحاصرين من قبل الجيش الإسرائيلي، وحتى اللحظة أدى المنع الكامل لأي مساعدات إنسانية إلى إصابة ما لا يقل عن 700 ألف شخص بالمجاعة نصفهم، أي 350 ألفًا، من الأطفال. هذا إضافة إلى اصابة جميع سكان وأطفال قطاع غزّة فعليًا بسوء التغذية، وهذا ما أشارت له تقارير منظمة الغذاء العالمية.
ويتعرض 10 آلاف مريض سرطان للموت الحتمي والمبكر لعدم توفر أي علاج لأمراضهم في قطاع غزّة، ويمثّل منع كثيرين ممن اعتادوا تلقي العلاج في القدس والضفة الغربية من الانتقال والسفر حكمًا بالاعدام عليهم.
وتتعرض النساء بشكل خاص إلى آثار كارثية وظروف مهينة لانعدام المرافق والمستلزمات الصحية، وتتعرض حياة أكثر من 50 ألف امرأة حامل للخطر لاضطرارهن إلى الإنجاب في ظروف غير صحية ودون رعاية طبية كاملة.
وبالقدر نفسه تتعرض صحة 64 ألف إمرأة مرضعة وأطفالهن للخطر بسبب نقص الغذاء والحليب والفيتامينات اللازمة.
وتؤكد إعتداءات جيش الاحتلال على مستشفيات الضفة الغربية منهجية خرق القوانين الدولية من قبل إسرائيل، حيث لم يتورع جيش الاحتلال عن اقتحام مستشفيات الضفة الغربية والقدس وخاصة مستشفى المقاصد الخيرية ومستشفيات طولكرم وجنين. ولم تتورع القوات الخاصة الإسرائيلية عن التنكر بلباس الأطباء والمسعفين وحتى التنكر كمرضى معاقين لاقتحام مستشفى ابن سينا في جنين، واغتيال جريح مصاب بالإعاقة على فراش علاجه وهو نائم بالاضافة إلى اثنين من مرافقيه.
لا تتحمّل إسرائيل وحدها وزر كل هذه الجرائم بل يشاركها المسؤولية حكّام الدول الغربية الصامتون على جرائمها
ويؤكد ذلك أنّ إسرائيل لا تقيم وزنًا لأي قانون أو أعراف دولية، ولا تتورع عن الخرق المنهجي لكل ما ينص عليه القانون الإنساني الدولي، ثم تهاجم منظمة الصحة الدولية لأنها تنتقد الممارسات الإسرائيلية.
لا تتحمّل إسرائيل وحدها وزر كل هذه الجرائم، بل يشاركها المسؤولية حكّام الدول الغربية الصامتون على جرائمها والمتسترون عليها والمدافعون عنها وفي مقدمتهم حكّام الولايات المتحدة وبريطانيا، والذين تلقي مواقفهم ظلالًا قاتمة على ادعاءاتهم المنافقة بالتمسك بحقوق الإنسان والديمقراطية والقانون الدولي، وتظهر بجلاء إزدواجية المعايير عند المقارنة بين مواقفهم في أوكرانيا مثلًا وتلك إزاء فلسطين.
لن يكون ممكنًا وقف هذه المجزرة إلا بوقف شامل ودائم لإطلاق النار، وإجبار إسرائيل على فتح الممرات للمساعدات الإنسانية الكاملة فورًا ودون قيود، والمباشرة فورًا بترميم بنية القطاع والخدمات الصحية، وتجهيزها بالأدوات والأجهزة، والأدوية، والأبنية المؤقتة والدائمة.
ولن يتحقق كل ذلك، إلا بفرض عقوبات جدية على حكومة الإحتلال لإجبارها على وقف عدوانها والرضوخ للقانون والقواعد الإنسانية الدولية.
(خاص "عروبة 22")