وبالرغم من جهود الأمم المتحدة في التحذير من مخاطر مجاعة عالمية قادمة، فإنّ الصراعات الجيوسياسية العالمية، لا تتوقف بل تزيد من تعقيد الوضع، ومن ذلك الحرب الروسية الأوكرانية التي ساهمت بشكل كبير في ارتفاع أسعار المواد الغذائية وحرمان عدة دول من الأمن الغذائي.
لم تفلح الأمم المتحدة في القضاء على الفقر، الذي يُعتبر هدفًا من أهداف التنمية المستدامة، بحيث أكدت منظمة الأغذية والزراعة على معاناة ما بين 691 و783 مليون شخص من الجوع سنة 2022، كما بلغت نسبة سكان العالم الذين يعانون من الجوع حوالى 2.9% مقارنة بـ7.9% في سنة 2019، وعانى حوالى 4.2 مليار فرد من انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد في سنة 2022.
برنامج الأغذية العالمي يعتبر الصراعات بمثابة المحرّك الأكبر للجوع
تعتبر أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى من أكثر المناطق تضرّرًا من الجوع في سنة 2022 بنسبة 22.5%، حيث وصلت نسبة المتضررين من الجوع في آسيا الوسطى وجنوب آسيا، حوالى 15.2%، و9.2% في غرب آسيا وشمال أفريقيا 7%، وفي أوقيانوسيا 6.5% وفي أميركا الجنوبية ومنطقة الكاريبي، وأقل من 2.5% في شرق آسيا وأمريكا الشمالية وأوروبا.
وفي الاجتماع السنوي لمجموعة البنك الأفريقي للتنمية، والذي انعقد من 22 إلى 26 مايو 2023، في شرم الشيخ بمصر، نوقشت مسألة كيفية تسريع تنفيذ قرارات قمّة حول السيادة الغذائية والصمود في أفريقيا، أي قمّة دكار الثانية، وهي قمّة تعهد فيها شركاء التنمية بتوفير 30 مليار دولار على مدى خمس سنوات من أجل دعم تنفيذ المواثيق الزراعية الوطنية. وقد قرّر البنك الأفريقي للتنمية، تخصيص 10 مليارات دولار لكي تتمكن أفريقيا من القضاء على الفقر وتصبح أحد مورّدي الغذاء في العالم.
ومن المفارقات، أنّ أفريقيا تملك 65% من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم، لكنها تستورد حوالى 75 مليار دولار من المواد الغذائية في السنة، وتكمن أسباب هذا التعثر في أفريقيا، في الحروب والنزاعات الأهلية ونهب الشركات الكبرى لمواردها، وإعاقة التنمية فيها؛ وجعل القارة السمراء في حاجة إلى المساعدات الغذائية!
يعتبر برنامج الأغذية العالمي، الصراعات بمثابة المحرّك الأكبر للجوع، حيث يعيش 70% من جياع العالم في مناطق مبتلاه بالحروب والعنف.
وتُمثّل الأحداث في أوكرانيا دليلًا آخر على الكيفية التي يغذي بها الصراع الجوع، حيث يُجبرُ الناس على ترك منازلهم، ويمحو مصادر دخلهم ويدمّر اقتصادات البلدان. كما تُعدّ التغيّرات المناخية من الأسباب المباشرة، في اتساع نطاق الجوع، وتدمير المحاصيل الزراعية وتقليص الأراضي الصالحة للزراعة، ويساهم كذلك، في ارتفاع أسعار الأسمدة العالمية وارتفاع أسعار المواد الغذائية.
لقد ركّز مؤشر الجوع العالمي (GHI) على عامل التغيّر المناخي في تقرير سنة 2019، وعلى علاقة الهجرة القسرية بالجوع في تقرير سنة 2018، وعلى أوجه عدم المساواة والجوع في تقرير2017. وأشار تقرير مؤشّر الجوع العالمي لسنة 2023 إلى فشل العالم في القضاء على الفقر بسب تراكم الأزمات الاقتصادية وانتشار الوباء والنزاعات والتغيّر المناخي، وهي عوامل ساهمت في توسيع نطاق اللامساواة الاجتماعية والاقتصادية وبالتالي عدم تمكن عدة دول من الحد من تفاقم الجوع فيها.
ويؤكّد هذا المؤشر كذلك وهو صادر عن المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، على كون شريحة الشباب هي الأكثر تضرّرًا من هذا الوضع المتردي.
الحكومة الإسرائيلية تستخدم تجويع المدنيين أسلوبًا للحرب في قطاع غزّة
وممّا لا شك فيه أنّ الوضع في غزّة كارثي حيث أدت أزمة الجوع المتفاقمة إلى تصاعد الانتقادات من دول العالم لإسرائيل، بما في ذلك نائبة الرئيس الأميركي كاملا هاريس، التي تُعتبر بلادها أقوى حليف لإسرائيل وصرّحت مؤخرًا أنّ "الناس في غزّة يتضورون جوعًا"، داعيةً إسرائيل إلى "بذل المزيد من الجهود لزيادة تدفق المساعدات بشكل كبير".
لقد حذّر مجموعة من خبراء جامعة كاليفورنيا، من الانعكاسات الخطيرة لأزمة الغذاء التي يعاني منها الأطفال في فلسطين. وتنبّه الأمم المتحدة إلى خطورة الوضع حيث بيّنت بعض الإحصائيات الصادرة عن مؤسّسة "مجموعة التغذية العالمية"، أنّ 90% من الرضع والنساء المرضعات والحوامل يعانون من فقر غذائي حاد، و70% من الأطفال دون سن الخامسة يعانون من الإسهال بسبب سوء التغذية، و2.2 مليون هُم في مراحل انعدام الأمن الغذائي. وصرحت منظّمة "هيومن رايس ووتش" بأنّ الحكومة الإسرائيلية تستخدم تجويع المدنيين أسلوبًا للحرب في قطاع غزّة المحتل، ما يُشكّل "جريمة حرب"، مع أنّ ذلك محظور بموجب المادة 54 من البرتوكول الإضافي الأول لاتفاقية جنيف والمادة 14 من "البرتوكول الإضافي الثاني".
(خاص "عروبة 22")