بصمات

فلسطين.. تاريخُ جرح

الأرضية لم تتغيّر في النطاق الحقيقي لمشكلة اليوم في الحرب الإسرائيلية على غزّة. المشكلة عالمية غير قابلة للتجزئة ومن الضروري التأكيد على أنّ الصراع الحالي لم يبدأ بالهجوم الذي شنّته حركة "حماس" على غلاف غزّة في السابع من أكتوبر/تشرين الاول. كما أنّ الأمر لا يقتصر على غزّة لوحدها. القضية بدأت في العام 1948، وطُرد فيها ما يقرب من 750 ألفًا من الفلسطينين من منازلهم وأرضهم، مرورًا بحرب العام 1967، واحتلال إسرائيل للضفة وغزّة والقدس الشرقية، والتسبّب بهجرة 300 ألف لاجئ فلسطيني.

فلسطين.. تاريخُ جرح

مرّت العديد من الجهود لإنهاء احتلال إسرائيل، من نوع القرار 242 العام 1967، لجهة " عدم جواز الإستيلاء على الأرض بالحرب. لكن هذا القرار لم يتطوّر إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة. وبعد عقدين من السنين نجح مؤتمر مدريد 1991 مع الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب بعد حرب الخليج الأولى في جلب الفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات، وتركت اللعبة غير واضحة مع تفسير القرار 242 بطريقة مختلفة من قبل المجتمع الدولي لجهة الإنسحاب من بعض الأراضي وما سميّ بالحدود الآمنة (بتصوّر إسرائيل عودة غزّة إلى مصر والضفة الى الأردن).

في غضون ذلك تمّ الاتفاق حول إقامة دولة فلسطينية، وانتهت بمقتل رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين على يد إيتامار بن غفير نفسه. وكان التمهيد لمجيء بنيامين نتنياهو إلى السلطة. ثمّ حدثت إتفاقيات أوسلو 1993، الأشهر حول جهود السلام وإنشاء سلطة فلسطينية مؤقتة في غزّة وأجزاء من الضفة. إتفاقيات أوسلو لم تجمّد الإستيطان، ولم يتفق الطرفان على نموذج حول "الدولتين" حتى مع محاولات بيل كلينتون العام 2000 لوضع إطار ضامن، يقوم على إقامة دولة فلسطينية جانب دولة إسرائيل مع ترتيبات خاصة للاجئيين ومدينة القدس. فاندلعت الانتفاضة الثانية. وأتت مبادرة السلام العربية عام 2000، وخريطة الشرق الأوسط 2002-2003، ومؤتمر أنابوليس عام 2007، ودبلوماسية جون كيري 2013 (آخر الجهود الرسمية للتفاوض السلمي). لقد فشلت المبادرات جميعها، ما شكّل مأساة بالنسبة للفلسطينين.

صار الجميع مشتبهًا به في الجريمة بحق الفلسطينيين

تاريخُ جرح مع إخفاقات الشرعيّة الدولية في احترام كرامة الإنسان. ديموغرافيا متفجرة ونزاع السيطرة على الأرض (نحو مليون مستوطن وأكثر في الضفة الغربية).

وجاء أخيرًا إستبدال جهود السلام باتفاقيات ابراهام بين الدول العربية وإسرائيل التي لا تستند إلى صيغة "الأرض مقابل السلام".

افترضت الولايات المتحدة الأميركية أنّ السلام بين إسرائيل والفلسطينيين يمكن أن ينتظر أوقاتًا أفضل، واستخدمت إسرائيل الاتفاقيات لتقول إنه "ليس من الضروري التوصل إلى تسوية مع الفلسطييين مع الاتفاقيات المنفصلة مع الدول العربية". ما زالت دوائر الأبحاث الأميركية مطمئنة لاستكانة النظام العربي الرسمي، والتركيز على دفعه إلى الدخول في إتفاقيات تطبيع تنهي بها إدارة بايدن فترة الرئاسة الأولى، وتنجز خرقًا في المنطقة، يسمح لها بالفوز في الإنتخابات المقبلة.

تريد إسرائيل أن تخلق الصحاري في كل مكان. ولا يخفي الإسرائيليون سعيهم لتوسيع نطاق الحرب في غير مكان. أرضية الصراع لم تتغيّر. وإسرائيل لم تفقد دعمها الأميركي بالمعنى الواسع. والغرب لا يفعل شيئًا لتعزيز قيم تتعلق بالحرية والتعددية والديمقراطية وتعزيز السلام والإستقرار في غياب موقف واضح بشأن الحقوق بدولة فلسطينية.

العالم تحت المراقبة والنوايا مرئية. كيف يمكن التوفيق بين الديمقراطية والدولة اليهودية والتوسّع الإقليمي ومنع إسرائيل الفلسطينيين من إقامة دولة فلسطينية خاصة بهم، والذي كان هدف سياسة معلنة لإدارة كلينتون وبوش وأوباما وبايدن، قابلها إصرار إسرائيل على سلطة فلسطينية منزوعة السلاح مع إحتفاظها بالسيطرة على الأراضي الفلسطينية.

النظام العالمي يتعرّض للهجوم فيما مستقبل الدول العربية يبدو غامضًا وملتبسًا

صار الجميع مشتبهًا به في الجريمة بحق الفلسطينيين، ومطالَبًا بالعمل على وقف الحرب وسلوكيات إسرائيل، التي ستؤدي بالعالم إلى منفاه القسري/التاريخي.

حياة الناس في غزّة وغيرها في خطر. الخشيّة أن تمتد الحرب وتنضم إلى قائمة الحروب المنسيّة. ما يزيد في المنحى التشاؤمي الإنقسام العميق وفرض موازين قوى جديدة في العلاقات الدولية. فالنظام العالمي، هو الذي يتعرّض للهجوم. كأن العالم اتفقوا على عدم الإتفاق. أصابهم الإرهاق. فيما مستقبل الدول العربية يبدو غامضًا وملتبسًا.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن