وجهات نظر

هل من دور للمعارضة في النُظُم السياسية العربية؟

لفت نظري مقولة الدكتور خضير المرشدي أحد قيادات حزب البعث العراقي في معرض حديثه عن كيف ولماذا سقط العراق في براثن الاحتلال الأمريكي؟ إنه إذا كان هناك معارضة سياسية عراقية لنظام صدام حسين لما كان العراق قد سقط سقوطًا حرًا إلى حد الانهيار الذي يحاول الجميع حتى الآن ترميمه، وفي الأغلب ما زال النجاح محدودًا حيث فقد العراق مقدراته وفقد العرب أحد أهم أعمدة نظامهم الإقليمي.

هل من دور للمعارضة في النُظُم السياسية العربية؟

المقولة كانت في برنامج "الذاكرة السياسية" على قناة "العربية"، وهي مقولة مركزية في تقديري وجديرة بالنقاش، إذ إنّ المعارضة في دولة الاستقلال الوطني العربية أي بعد التحرّر من الاستعمار بنمطه القديم المباشر يتم التعامل معها غالبًا في أطر سلبية من جانب الحكومات، وأحيانًا من جانب الجمهور العام نتيجة السياسيات الإعلامية الموالية للحكومات.

لا يوجد بدائل حاليًا لأي نظام سياسي عربي في حالة تعرّضه لمخاطر خارجية

الصورة التي يتم فيها تقديم المعارضات السياسية العربية محصورة في عدة أنماط، فهي إما عميلة للخارج أو لا تعرف الواقع في الداخل، أو هي فاقدة أدوات التأثير على الجماهير ولا تملك كوادر جديرة بإدارة البلاد ضد التحديات الداخلية والخارجية؛ أي هي في المجمل بلا دور إيجابي على الإطلاق في النُظُم السياسية العربية.

في هذا السياق لا يوجد بدائل حاليًا لأي نظام سياسي عربي في حالة تعرّضه لمخاطر خارجية كتلك التي تعرّض لها حزب البعث العراقي، حيث يقبض على السلطة نخب محددة لفترة زمنية طويلة بنطاق محدود من عناصر الموالاة السياسية والإيدولوجية، فقبض "البعث" على مؤسسات الدولة جميعها والأهم على الجيش العراقي.

هذا النموذج ينطبق أيضًا على السودان الذي قبض على السلطة فيه الجبهة القومية الإسلامية "إخوان السودان" لثلاثين عامًا، واستطاعت اختراق الجيش القومي وضمان ولاء قطاع مؤثر فيه، أما الحالة في مصر فقد غلب عليها منذ عام ١٩٥٢ "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"، وأنه "لا حرية لأعداء الشعب" الذين لم يتم تعريفهم على وجه الدقة، فلم تكن هناك تنظيمات سياسية غير تلك التابعة للدولة.

ورغم أنّ الرئيس الراحل أنور السادات مارس ما يمكن توصيفه بـ"الانفتاح السياسي" وسمح بمنابر سياسية وأحزاب لكن هذه التنظيمات كانت وما زالت ذات علاقة وثيقة بالدولة.

في ضوء تلك المجريات؛ ربما يكون علينا تأمل ماذا أنتجت هذه الأوضاع؟ أي غياب المعارضة كبديل سياسي في بلادنا العربية.

في الحالة العراقية تطلّب إنهاء نظام صدام حسين وحزب البعث تفكيك المحتل دون مقاومة داخلية للجيش العراقي الذي تم أدلجته لصالح "البعث"، وهو الأمر الذي أسفر عن انهيار مقدرات الدولة وباتت العراق منطقة فراغ تتمدد فيها قوى دولية وإقليمية. وبالتوازي فقد العرب أحد أهم دوله في مواجهة التحديات الخارجية وأهمها المخططات الإسرائيلية التي تستهدف الحقوق العربية والإسلامية خصوصًا في القدس، ما قاد أخيرًا إلى ما تمارسه دولة الاحتلال من إبادة جماعية ضد أهالينا في غزّة بلا قدرة عربية على الردع السريع والفعال حتى بآليات سياسية فقط تكون مؤثرة بشكل فوري على الإدارات الغربية التي مارست أعلى درجات الإسناد للسلوك الإسرائيلي.

وفي الحالة السودانية؛ نحن أمام دولة يتم تفكيكها فعليًا، حيث لم يسمح النظام الشمولي السوداني إبان حكم البشير ببدائل سياسية لنظامه، وتم اختراق الجيش أيضًا كالحالة العراقية أيدلوجيًا، ولكن هذه المرة بإيدلوجية الإسلام السياسي، فبات الجيش في مراحل لاحقة خصوصًا بعد ثورة ٢٠١٨ معاديًا لقطاعات واسعة من الشعب باعتباره ممثلًا ولو جزئيًا للإخوان المسلمين، وتبلورت معارضة نظام الحكم السوداني في فصائل مسلحة، وبات المكوّن العسكري السوداني منقسمًا بين كيان مؤسسي رسمي منوط به الدفاع عن مقدرات الدولة وبين فصائل مسلحة وميليشيات يملك كل منها أجندة مغايرة للآخر حيث ما زالت التفاعلات مستمرة في حرب يتم وصفها بالأهلية، وذلك بلا أفق ولا قدرة لوضع نقطة نهاية لها خصوصًا وأنّ المعارضة السياسية السودانية تم تطويقها من نظام الحكم على مدى ثلاثين عامًا فباتت فاقدة الأدوات والبوصلة في فترة الانتقال اللاحقة على الثورة، ولم تستطع أن تكون بديلًا سياسيًا للنظام المنهار بفعل شعبي كاسح، وتؤمن انتقال آمن يصون المقدرات الذاتية للدولة السودانية.

الخسائر العربية المترتبة على الأوضاع السودانية الحالية هي فقدان الوزن السوداني في التفاعلات العربية الأفريقية في قضايا مفصلية كالأمن المائي العربي، وأمن البحر الأحمر الذي هو محوري للمصالح التجارية العالمية والمصالح الاقتصادية العالمية، فضلًا عن فقدان السودان لفرصة لتحقيق الأمن الغذائي المصري.

المعارضة السياسية الداخلية لنُظُم الحكم العربية ترياق مطلوب في مواجهة التحديات التي لا تنتهي

في الحالة المصرية تسبّب غياب البديل السياسي المدني صاحب المصداقية لنظام حكم الرئيس الراحل حسني مبارك في خلخلة مفاصل الدولة لسنوات لم تقل عن خمس منذ عام 2011، حيث تم ممارسة سياسيات الاحتواء للأحزاب المصرية، وهندسة تمثيلها السياسي بشكل أو بآخر، وهو الأمر الذي ضخم من الوزن النسبي لجماعة "الإخوان المسلمين" نتيجة الموقف العقابي الذي اتخذه الشعب المصري ضد نظام مبارك وعرّض مصر لضعف مقدراتها الشاملة على نحو مؤقت، ولكن استعادة هذه القدرات حاليًا لا يعني أنّ النظام السياسي الراهن في مقدوره منفردًا أن يتعامل مع التحديات التي تواجه الدولة، ذلك أنه على الرغم من سياسيات الدعم الدولي التي برزت مؤخرًا لمصر على الصعيد الدولي، فإنّ التحديات الداخلية المتمثّلة في الأوضاع الاقتصادية تجعل المخاطر ماِثلة أمام النظام السياسي والمعالجات مطلوبة في سياق السماح لمعارضة سياسية يمكن أن تكون بديلًا سياسيًا آمنًا لاستمرار الدولة بكافة مقدّراتها دون خلل أو إخلال.

الشاهد؛ طبقًا للنماذج التي استعرضناها، تبدو المعارضة السياسية الداخلية لنُظُم الحكم العربية ترياقًا مطلوبًا في مواجهة التحديات التي لا تنتهي في منطقتنا العربية.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن