معلوم أنّ ظاهرة المؤثّرين تندرج ضمن نتائج أو تبعات الثورة الرقمية التي بدأت مع إطلاق شبكة الإنترنت قبل المرور عبر محطة مواقع التواصل الاجتماعي، مع موقع "فيسبوك" مثلًا ابتداءً من سنة 2004 أو موقع "تويتر" ابتداءً من سنة 2005 ضمن لائحة أخرى من التطبيقات، إلى غاية الفورة الراهنة والقادمة التي تحمل عنوان الذكاء الاصطناعي.
المقصود بالمؤثرين نوعية من الحسابات على موقع "يوتيوب" أو في بعض التطبيقات الرقمية، من الذين كانوا في فترة سابقة، منذ خمس عقد تقريبًا، يرتبط أداء أغلبهم في تسويق السلع والخدمات، وتكمن أهم نقط قوة هذه الفئة في عدد المتابعين أو المشتركين في حسابات هذه الفئة، وكلما ارتفع عدد هؤلاء كلما كانت مكانة المؤثر(ة) وازنة.
الفئة التي تهمّنا هي فئة من المؤثّرين المنخرطين في تقديم برامج توعوية أو تنويرية
واضح أننا لا نقصد بالمرة الفئة المحسوبة على أهل الرياضة والفن، بقدر ما نقصد فئة من الشباب العربي، من الإناث والذكور، دخلت عالم الشهرة من خلال ارتفاع أسهم المتابعين على عدة تطبيقات رقمية، ولا نقصد أيضًا فئة أخرى من المؤثرين، همّها تصفية الحسابات السياسية مع دول أو أنظمة المنطقة، لعلّ أهمّها خلال السنوات الماضية، مجموعة من الأسماء التي تنهل من خطاب تزييف الوعي باسم الدين، أي فئة من الإسلاميين.
الفئة التي تهمّنا أكثر في معرض الجواب على السؤال أعلاه، هي فئة من المؤثّرين المنخرطين في تقديم برامج توعوية أو تنويرية، من قبيل برامج تبسيط العلوم والمعارف، على غرار ما يقوم به الباحث الفرنسي من أصل مغاربي، إدريس أبركان في الساحة الأوروبية، لكن الذي يهمّنا هنا ما يصدر عن مؤثري المنطقة العربية من طينة ما يصدر عن ظاهرة "الدحيح" في مصر مثلًا، والتي كانت بدايةً مجرد حالة فردية قبل أن تصبح ظاهرة رقمية مُجسّدة في برنامج تقف وراءه مؤسسة قائمة بذاتها. ومن تصفح مضامين ملف مجلة "الأخبار" المغربية، عدد تموز/ يوليو 2023، والمخصّص لموضوع المؤثرين في الساحة المغربية، يعاين أرقامًا فلكية تحصدها أسماء عديدة، إلى درجة أنّ المداخيل المالية لبعضها تتجاوز أجور رئيس الحكومة أو باقي الوزراء.
الشاهد هنا أنه بمقتضى الشهرة التي تحظى بها هذه الأسماء في أغلب دول المنطقة، لنا أن نستحضر أهمية وتبعات انخراط بعض هذه النماذج في خدمة الأفق القومي، لولا أنّ هذه الخدمة تتطلّب استحضار مجموعة من المحدّدات، أهمّها وعي صنّاع القرار في المنطقة، من المدافعين عن هذا الأفق، بأهمية هذا الخيار أو المنفذ من باب خدمة الهمّ القومي.
على دوائر صناعة القرار في المنطقة أن تعي دور المؤثرين
نقول هذا ونحن نأخذ بعين الاعتبار أهمية المراجعات التي نعاينها في المنطقة بخصوص تسوية الخلافات بين هذه الدولة وتلك، وباستثناء الخلاف السياسي القائم في الساحة المغربية، وخاصة بين المغرب والجزائر، فإن أغلب الخلافات البينية في المنطقة انتهت إلى زوال، من قبيل عودة العلاقات الدبلوماسية بين دول الخليج العربي، أو عودة المياه إلى مجاريها بين دول الخليج العربي أيضًا مع دول المشرق العربي ضمن أمثلة أخرى.
نزعم أنّ وعي دوائر صناعة القرار في المنطقة بدور المؤثرين بخصوص خدمة الأفق القومي يُعتبر محطة مفصلية في الإضافة النوعية التي يمكن أن تقدمها فئة المؤثرين وذلك لعدة اعتبارات، أقلّها إن هذا الوعي تظهر تداعياته بشكل جلي على أرض الواقع، وخاصة في الواقع الرقمي لأنه يُعتبر واقعًا موازيًا للواقع الماضي، من قبيل حضور المنابر الإعلامية الرقمية المواكبة للمنابر الإعلامية الورقية؛ ولأنّ فئة الشباب والمراهقين الحاضرة بكثرة كمًا ونوعًا في الوسائط الرقمية، تبقى في مقدمة متتبعي المؤثرين، وهي الفئة التي يجب أن تكون في مقدمة المستهدفين من تفعيل الوعي سالف الذكر.
(خاص "عروبة 22")