خلال الأسبوع الماضي فقط، ذكرت مجلة "بوليتيكو" الأمريكية أنّ وزارة الدفاع عقدت مناقشات تمهيدية مع إسرائيل وعدة دول عربية لم يتم تسميتها من أجل تشكيل قوة حفظ سلام في غزّة، وأنها تنظر في عدة بدائل بما في ذلك تمويل قوة متعددة الجنسيات أو فريق حفظ سلام فلسطيني بالمشاركة مع مساهمات مالية من دول عربية أخرى.
أما موقع "أكسيوس" الأمريكي فأشار في تقرير منفصل إلى أنّ وزير دفاع العدو الصهيوني يواف جالانت اقترح خلال زيارته الأخيرة لواشنطن إنشاء قوة متعددة الجنسيات تتضمن قوات من ثلاث دول عربية من أجل تحسين الأوضاع الأمنية في غزّة ولمصاحبة قوافل المساعدات.
العودة لأوضاع ما قبل العام 1967 هو قتل عملي لأمل إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة
ونقل الموقع عن مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى قوله إنّ مسؤولين إسرائيليين من وزارة الدفاع والأجهزة الأمنية ناقشوا هذه الخطة بالفعل في زيارات غير معلنة قاموا بها لمصر والدول العربية المعنية.
وطلب جالانت الدعم الأمريكي السياسي والمالي للمقترح الخاص بتشكيل القوة العربية لإدارة غزّة خلال اللقاءات التي عقدها في واشنطن مؤخرًا مع نظيره الأمريكي لويد أوستين ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان ووزير الخارجية أنتوني بلينكن.
ويتضمن المقترح أن تبقى تلك القوة العربية في غزّة لفترة انتقالية محدودة وأن تكون مسؤولة عن تأمين الميناء الذي أعلنت الولايات المتحدة أنها ستقوم ببنائه هناك ولمرافقة قوافل المساعدات لكي تصل للناس ولكي لا يتم سرقتها أو استيلاء "حماس" عليها.
وقال مسؤول أمريكي رفيع المستوى لـ"أكسيوس" إنّ بلينكن ناقش المبادرة مع وزراء خارجية عدة دول عربية التقى بهم في القاهرة في جولته الأخيرة. وأضاف أنّ مصر هي الدولة الرئيسية التي تنظر في الأمر، ولكنها تتمسك أن يأتي ذلك بناءً على دعوة من السلطة الفلسطينية لإرسال قوات عربية إلى غزّة وفي سياق التفاوض نحو "حلّ الدولتين".
ومن القدس المحتلة، تبنى عضو مجلس الشيوخ المخضرم والمتطرّف في صهيونته عن الحزب الجمهوري ليندسي غراهام، مقترح تولي الدول العربية مسؤولية إدارة قطاع غزة نفسه بدلًا من السلطة الفلسطيينة التي وصفها بـ"الفاسدة" و"الكهلة" - في إشارة غالبًا إلى الرئيس محمود عباس - وقال إنها لا يمكن أن تكون شريكًا شرعيًا للكيان الصهيوني.
غراهام الذي صرّح أنه لم يشهد في حياته جيشًا أكثر إنسانية من جيش الاحتلال من ناحية الاهتمام بعدم سقوط الضحايا المدنيين الفلسطينيين وتوفير المساعدات الإنسانية، أضاف أنّ "أفضل خطة لليوم التالي لحماس هو أن تقوم الدول العربية بتولي المسؤولية عن الملف الفلسطيني بطريقة تسمح بنزع سلاح الضفة الغربية وغزّة والتوصل لخطة لنزع الردايكالية من الشعوب".
مقترح الإدارة المصرية لقطاع غزّة لا يأتي من فراغ، مع الوضع في الاعتبار السياق التاريخي وقيام مصر بتولي شؤون إدارته بالفعل في الفترة ما بين الإعلان عن إنشاء الكيان الصهيوني عام 1948 وحتى احتلال القطاع بالكامل عام 1967 مع القدس الشرقية والضفة الغربية والجولان السوري.
لكن المقترحات الأمريكية والإسرائيلية المتداولة الآن فيها سمّ قاتل مع الوضع في الاعتبار الحقائق القائمة على الأرض، وعلى رأسها أنه لا يوجد أي طرف إسرائيلي في الوقت الحالي سيوافق على إطلاق مفاوضات حقيقية للتوصل لإقامة دولة فلسطينية، حتى لو تخلّص العالم وإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن كما يتمنون من نتنياهو ووزرائه العنصريين الدواعش أمثال بن غفير وسموتريتش. فالعودة لأوضاع ما قبل العام 1967، (إدارة مصرية لقطاع غزّة وأردنية للضفة الغربية المحتلة)، هو قتل عملي لأمل إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وتحقيق لمطلب صهيوني قديم.
وبينما يتابع العالم عن كثب الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي ستجري في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، مع احتمالات متساوية ألا ينجح بايدن في الفوز بفترة رئاسية ثانية أمام خصمه اللدود دونالد ترامب، فمن السذاجة تصوّر أنّ الدول العربية، بما في ذلك مصر، ستقبل في المرحلة الحالية بأي خطط بعيدة المدى بشأن إدارة قطاع غزّة وتشكيل قوة عربية مشتركة لحفظ السلام.
وقد سبق للولايات المتحدة، سواء في ظل إدارات باراك أوباما أو ترامب أو بايدن، السعي لإعطاء انطباع أنّ هناك تحالفًا متسقًا بشكل ما يجمعها مع حلفائها الإقليميين، والذين كان يتم الإشارة لهم في وقت بالمصطلح الإنجليزي (GCC+2)، أي دول الخليج العربي الستة زائد مصر والأردن، في مواجهة إيران ومن أجل تحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط.
ترتيبات ما بعد الحرب سيحكمها صمود المقاومة وتطورات الداخل الإسرائيلي ونتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية
لكن هذا التحالف لم يحقق عمليًا أي شيء حتى فيما يتعلق بهدفه الخاص بمواجهة إيران، خاصة في ظل المواقف المتباينة بين دول الخليج نفسها من ناحية، أو الحسابات المستقلة الخاصة بمصر والأردن من ناحية أخرى.
وبينما قد تساير النظم العربية واشنطن في مناقشة ما ترغب فيه من خطط ومقترحات، فإنّ أقصى ما قد تطمح له إدارة بايدن والبنتاغون في المرحلة الحالية هو فقط وقف الحرب، أما ترتيبات ما بعد الحرب، فسيحكمها صمود المقاومة الفلسطينية على الأرض وتمسك الشعب الفلسطيني بحقه في إقامة دولته، وتطورات الداخل الإسرائيلي، ونتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة.
وحتى ذلك الحين فلن نرى غالبًا قوة عربية تقبل التورط في غسيل جرائم الاحتلال الصهيوني ووأد حلم الدولة الفلسطينية، أو هكذا نتمنى.
(خاص "عروبة 22")