على مدار ما يُقارب العامين، لعبت اسرائيل دور "الضحية" وأدانت كل منتقد لسياساتها مُذكرة بأحداث 7 أكتوبر، الا انها ورغم كل الماكينة الاعلامية ومحاولات التعمية والتزييف والتلفيق فشلت في تسويق ما تقوم به على أنه ردة فعل على فعل، خاصة ان ما يجري في قطاع غزة لم يبدأ بعد عملية "طوفان الاقصى"، بل إن التاريخ شاهدٌ على الحروب الاسرائيلية في القطاع والمشاريع الاستيطانية المتواصلة في الضفة الغربية المحتلة دون ان تتلقى اسرائيل اي عقاب على أفعالها وجرائمها. ولكن ما يجري اليوم على ارض الواقع تخطى القدرة على الإنكار او الاكتفاء بالتصريحات والادانات مما دفع الأمم المتحدة للإعلان رسميًا عن تفشي المجاعة على نطاق واسع في قطاع غزة بعد 22 شهرًا من الحرب، وهي المرة الأولى التي تعلن فيها المجاعة بمنطقة الشرق الأوسط.
فالمجاعة المُتعمدة التي تقوم بها تل أبيب ادت الى ردود فعل مدينة ومستنكرة، ففي حين وصفها وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي بأنها "فضيحة أخلاقية" و"كارثة من صنع الإنسان"، أكد وزير الخارجية الأيرلندي سيمون هاريس "أنه لا يمكن تجاهل المشاهد المؤلمة والمدمرة في غزة"، واصفًا الأمر بـ"المقزز والحقير". أما حركة "حماس"، فرأت أن هذا الاعلان "يشكل وصمة عار على الاحتلال وداعميه"، و"شهادة دولية دامغة على الجريمة التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني بحق أكثر من مليوني إنسان محاصر"، داعية الى التحرك الفوري لوقف الحرب ورفع الحصار وادخال المساعدات الانسانية. وكانت العديد من المنظمات الاغاثية اكدت قدرتها على "اغراق" القطاع بالغذاء والدواء المتوقف عند معبر رفح الحدودي والمتواجد بالشاحنات التي تعيق اسرائيل ادخالها او تفرض عليها شروط صعبة بهدف الاستمرار بسياسة التجويع وحرمان الغزيين من العلاج والطبابة أيضًا.
هذا الوضع الانساني المأساوي والانتقادات الدولية التي بدأت تتعالى اكثر بوجه تل أبيب ادى الى في هولندا بعدما قدم جميع أعضاء الحكومة الهولندية من حزب "العقد الاجتماعي الجديد" استقالتهم من حكومة تصريف الأعمال، بعد يوم واحد فقط من استقالة وزير الخارجية كاسبار فيلدكامب وذلك على خلفية الفشل في فرض عقوبات إضافية ضد الاحتلال الإسرائيلي بسبب الحرب المستمرة في غزة والمشاريع الاستيطانية في الضفة المحتلة. ويعكس هذا الموقف تصاعد الرفض العالمي لسياسات اسرائيل خاصة ان معظم عواصم الدول الاوروبية تشهد حركات احتجاجية وتظاهرات منددة بشكل شبه يومي. ورغم ان العديد من التقارير حذرت من "العزلة" المتزايدة التي تقبع تحتها تل أبيب، الا ان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يبدو مصرًا على استكمال الحرب وتحقيق مخطط تهجير الفلسطينيين وتأخير التوصل الى اتفاق لوقف النار، لاسيما انه عرقل العديد من الهدن سابقًا "لغايات في نفسه".
ومن المعروف ان اسرائيل انكرت وجود مجاعة وعدّ نتنياهو اعلان الامم المتحدة بأنه "كذب صريح"، في محاولة جديدة للتهرب وتحميل مسؤولية ذلك الى حركة "حماس" التي تتهمها بسرقة المساعدات. في وقت تستمر به العملية العسكرية لاحتلال مدينة غزة حيث تعمد قوات الاحتلال منذ ايام الى نسف كل المباني السكنية في حيي الزيتون والصبرة وسط حركة نزوح جديدة. وقال مصدر عسكري لصحيفة "معاريف" الإسرائيلية إن "الانطباع السائد هو أن رئيس الوزراء مُصرّ على العملية حتى النهاية، لأنه يُدرك أنه من دونها لن يكون قادرًا على الحفاظ على تماسك الحكومة، وستنهار". اما "هيئة البث الإسرائيلية" فنقلت عن مصدر أمني قوله إن الجيش سيبدأ في الأيام المقبلة العمل على إجلاء الفلسطينيين من المدينة بعد تطويقها الذي سيستمر نحو شهرين". وكان عشرات الاسرائيليين تظاهروا أمس في تل أبيب مطالبين بوقف الحرب فوراً وابرام صفقة بينما أعلنت عائلات الرهائن تصعيد حراكها اليوم، الأحد، متهمة نتنياهو بأنه يحكم على الأسرى والجنود الإسرائيليين بحرب أبدية، على حدّ قولها.
سوريًا، لا تزال محافظة السويداء تحصد الاهتمام وذلك بعد اعلان مجموعات مسلحة الاندماج تحت مسمى "الحرس الوطني"، واعتبارها المؤسسة العسكرية الممثلة للدروز في السويداء، مؤكدة التزامها الكامل بقرارات الزعيم الروحي حكمت الهجري الذي سطع نجمه بعد الاحداث الدموية التي وقعت في المحافظة بين قوات درزية وعشائر عربية واستغل الاخير ما يجري للتصعيد ضد حكومة دمشق كما للمطالبة بحماية دولية والحصول على الحكم الذاتي. بدوره، انتقد ممثل "مضافة الكرامة" الشيخ ليث البلعوس التشكيل، واصفًا اياه بأنه "تسمية مستنسخة من الحرس الثوري الإيراني" كما اعتبر انه سيؤدي الى "الخراب والدمار" و"يزيد من حالة الانقسام بدلًا من لمّ الشمل". وترزح سوريا تحت همين، الامني والاقتصادي بعد الحرب الطويلة التي ادت الى خسائر فادحة في القطاعات الانتاجية كما افقدت البلاد كل مقوماتها السابقة. وفي هذا الصدد أعلن مصرف سوريا المركزي أنه في مراحل متقدمة من وضع خطة لطرح عملة سورية جديدة، وذلك في إطار برنامج إصلاحي أوسع يهدف إلى تعزيز الثقة بالعملة الوطنية، تسهيل المعاملات اليومية، ودعم الاستقرار المالي في البلاد.
في الشأن اللبناني، يستحوذ موضوع حصر السلاح، والذي بدأ من المخيمات الفلسطينية في بيروت وتحديدًا من مخيم برج البراجنة، على الاولوية القصوى وسط جدل مستمر وتصعيد "حزب الله" من لهجته تجاه الحكومة. وينتظر لبنان، بحسب رئيس الجمهورية جوزاف عون، ما سيحمله المبعوثان الاميركيان توم باراك ومورغان أورتاغوس من رد إسرائيلي على ورقة المقترحات التي قدمها الجانب اللبناني، مؤكدًا، امام وفد من الكونغرس الاميركي زاره في قصر بعبدا، بأنه "لم يتبلغ رسميًا أي شيء مما تم تداوله في الإعلام حول نية إسرائيل إقامة منطقة عازلة في الجنوب" كما طالب بضرورة التجديد لقوات "اليونفيل" العاملة في الجنوب لحين تطبيق القرار 1701 بشكل كامل.
وتجهد الاتصالات واللقاءات المتسارعة المحلية منها والدولية للتوصل الى حلول ترضي جميع الاطراف دون ادخال البلاد في اتون التعطيل والفوضى خاصة ان تصريحات الامين العام لـ"حزب الله" نعيم قاسم عن الحرب الاهلية اثارت موجة واسعة من الاستنكارات والادانات. في غضون ذلك، تؤكد الحكومة ان "حصر السلاح" قرارٌ لا رجوع عنه ولكنها أيضًا تشدد على اهمية التزام اسرائيل باتفاق وقف النار وتحقيق الانسحاب الاسرائيلي الكامل من الاراضي التي لا تزال تتواجد بها كما وقف الانتهاكات والاعتداءات اليومية وذلك سعيًا من اجل اطلاق مسار اعادة الاعمار. يُذكر ان قنوات الاتصال لا تزال مفتوحة بين الرئيس عون و"حزب الله" ولم تصل بعد الى حدّ القطيعة، بل انهما على تشاور وتنسيق، على عكس علاقته برئيس الحكومة نواف سلام. وكانت الحكومة اللبنانية، التي تنتظر أسبوعًا حاسماً، تلقت دعمًا على قرارها القاضي بـ"حصر السلاح" من الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية السفير حسام زكي، الذي زار بيروت والتقى المسؤولين فيها، في مهمة قال إنها تأتي دعمًا لتوجهات لبنان الهادفة ببسط سيادتها على كامل أراضيها.
على المقلب الايراني، ناقش وزير الخارجية عباس عراقجي ونظيره الروسي سيرغي لافروف التطورات المتعلقة بالملف النووي، خاصة مع تهديد "الترويكا" الأوروبية الموقعة على الاتفاق النووي لعام 2015، بإعادة فرض العقوبات على طهران بموجب آلية تُعرف باسم "العودة التلقائية" (سناب باك) المنصوص عليها في الاتفاق. في حين يزداد الحديث عن حرب محتملة بين طهران وتل أبيب، اذ أكد أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني أن حرب بلاده ضد إسرائيل "لم تنتهِ بعد". وقال "الحرب توقفت مؤقتًا عند حدّ وقف إطلاق النار. يجب أن نعلم أن حربًا قد بدأت، ويجب أن نكون على استعداد، وأن نحافظ على تماسكنا ووحدتنا". كما أشار الى أن "المقاومة في العراق ولبنان حية وقوية رغم الحرب، وأن إيران تعتبرها رصيدًا استراتيجيًا ثابتًا، وليست عبئًا، وستواصل دعمها لها دائمًا". وكانت زيارة لاريجاني الاخيرة الى كل من بغداد وبيروت، في فورة الحديث عن سحب السلاح، بمثابة رسالة على ان طهران لا تزال تملك اوراق تفاوضية وانها لن تتخلى بسهولة عن "وكلائها" في المنطقة.
وفي الجولة الصباحية على الصحف العربية الصادرة اليوم نتلمس اهتمامها بمختلف القضايا الطارئة على الساحتين العربية والدولية، وهنا ابرز ما ورد:
لفتت صحيفة "الخليج" الاماراتية الى أنه "وبعد الإعلان الأممي عن المجاعة في غزة، كان يفترض أن يتداعى مجلس الأمن إلى اجتماع طارئ، وأن يتخذ إجراءً ملزمًا بتسريع وصول المساعدات الغذائية والطبية، ويفرض على الأقل هدنة إنسانية إن كان لا يقدر على إنهاء الحرب، ولكن هذا المجلس، الذي يعبر عن إرادة المجتمع الدولي، متهمٌ أيضًا بالتخاذل والعجز عن تنفيذ واحدة من أهم أهدافه، وهي حماية المدنيين"، مضيفة "المجاعة في غزة، لم تكن من تداعيات الحرب، بل هي خطة عسكرية تنتهجها إسرائيل لتحقيق هدفها الخبيث في تهجير السكان، ولا سيما أهالي مدينة غزة".
صحيفة "الأهرام" المصرية، من جهتها، أوضحت أن "مشروع إسرائيل لاحتلال غزة لا يتوقف عند إجلاء وتهجير سكانها وفرض تطويق كامل وعزلها واقتحام المعاقل المتبقية لـ"حماس"، باعتبار غزة مركز ثقل للحركة، بل تربطه بحلم "إسرائيل الكبرى" ومشروعها التوراتي الذي يستحضر الموروث التلمودي ويهدد أراضي ست دول عربية في سوريا ولبنان والأردن والعراق ومصر والسعودية، لتحقيق الحلم الصهيوني في امتدادها من النيل للفرات"، ولكنها توعدت بأن ذلك "سيظل حلمًا بعيد المنال مهما بلغ الغطاء الأمريكي والضعف والتشتت العربي، فإسرائيل دولة استعمارية استيطانية ومسيرة الاستعمار عبر التاريخ إلى زوال وفناء".
وتحت عنوان "الشرع في الأمم المتحدة لأجل سورية"، كتبت صحيفة "الدستور" الاردنية "السلام قد يبدو خيارًا مع العدو الإسرائيلي، وليست سوريا الأولى في ذلك، فقد تكون الأخيرة قبل لبنان أو بعدها، وهي دولة أعلن رئيسها أن الحروب ليست خيارًا له، بل البناء والتعاون مع العرب والجار التركي والغرب، كي تظل سورية قابلة للبقاء والتقدم"، مشيرة الى أن الرئيس احمد الشرع "يرمم كل يوم شارعًا في الذاكرة السورية، ويعيد بناء المجتمع الذي ورث دولة متهالكة، وهي مهمة صعبة، تحتاج أولًا لدعم السوريين، وثانيًا هي بحاجة لدعم عربي مستمر، وأما العلاقات مع الخارج فلدى الأشقاء في سوريا مُكنة وحكمة وقدرة على تقدير حساباتهم والمضي نحو آفاق جديدة"، وفق تعبيرها.
في إطار مختلف، شددت صحيفة "الصباح" العراقية على ان الوساطة الاميركية بين أرمينيا وأذربيجان "تعكس قدرة واشنطن على استغلال الفراغات الدبلوماسية والتنافس الإقليمي لتعزيز نفوذها بطريقة غير تقليدية. فالاعتماد على أدوات التفاوض، وخلق منصة للتفاهم المباشر بين الأطراف المتنازعة، يمنح الولايات المتحدة ورقة قوة جديدة في المنطقة". وأردفت قائلة "إن هذه الخطوة توضح أن واشنطن لم تعد تكتفي بالدور التقليدي، بل تسعى إلى إعادة تشكيل التوازنات الإقليمية بشكل نشط، مستغلة الفراغات الدبلوماسية لتعزيز مصالحها الاستراتيجية".
(رصد "عروبة 22")