صحافة

نحو خطاب إعلامي بديل عن المرأة العربية

عواطف عبد الرحمن

المشاركة
نحو خطاب إعلامي بديل عن المرأة العربية

تطرح المسلسلات الرمضانية وبرامج المنوعات التليفزيونية العربية إشكالية تغيير الصورة الإعلامية للمرأة العربية وعلاقتها بالقوانين والتشريعات في العالم العربي وهل تكمن البداية في تغيير الصورة النمطية السلبية للمرأة في وسائل الإعلام العربية أم تكمن في إصدار تشريعات قانونية رادعة لوسائل الإعلام وإجبارها على تغيير الصورة النمطية السائدة عن المرأة العربية أم ان البداية الصحيحة تستلزم تغيير الواقع المجتمعى الراهن للمرأة العربية كي ينعكس على صورتها في وسائل الإعلام ثم يأتي الإطار القانوني في نهاية المطاف.

وفي ضوء الإشكالية السابقة تبرز الإشكالية الخاصة بموقف الإعلام العربي مقروءًا ومسموعًا ومرئيًا من المرأة وقضاياها في ظل السيادة شبه المطلقة للتفسيرات الدينية والموروثات الثقافية التي تكرس دونية المرأة وتصر على اهدار حقوقها كمواطنة كاملة الإهلية ويصبح السؤال المطروح.. ماذا قدم الإعلام العربي للمرأة العربية في الريف والحضر؟ وهل يسعى الإعلاميون وصنّاع السياسيات الإعلامية بجدية واستنارة لتغيير الواقع المتردي للمرأة العربية بكل شرائحها الطبقية وتوزيعاتها الجغرافية في الحضر والريف والبوادي بالعمل على تنمية وعيها بحقوقها وأدوارها وتشجيعها على المشاركة الايجابية في تنمية مجتمعها؟ ام يكتفي الإعلام برصد الواقع النسائي من منظور ذكوري سلطوي يتأرجح بين الموروثات المعوقة للنهوض وبين التبعية للرؤى الرسمية المرتبطة بالأجندة الإجنبية؟ أم يسعى متعمدا الى الترويج لمنظومة القيم الاستهلاكية من خلال استغلال المرأة في الإعلانات والدراما على حساب المنظومة الحقوقية للمرأة كمواطنة؟ أم يحاول ابقاء المرأة أسيرة للتفسيرات الذكورية المغرضة للنصوص الدينية المتعلقة بالمرأة على حساب حقوق المواطنة؟.

في ضوء الواقع المجتمعي الراهن الذي يزخر بالانجازات والتحديات والمتناقضات والذي يشهد تصاعد ثقافة الصورة وفقدان مؤسستي الأسرة والمدرسة لوظائفهما في ظل العولمة تبرز مجموعة من التحديات والإشكاليات التي تحاصر قضية المراة العربية وتؤثر بصور متفاوتة تتراوح بين السلب والإيجاب على الخطاب الاعلامي الذي يتناول قضايا المرأة وأوضاعها ومكانتها ويحول دون تحقيق التغيير الذي تنشده المرأة والتوازن الذي يتطلع اليه المجتمع برجاله ونسائه معا. وتتمحور هذه التحديات والإشكاليات حول مجموعة من التحديات أولها:

تحديات اجتماعية ثقافية تعزى الى الموروثات التاريخية والتفسيرات الذكورية غير المنصفة للنصوص الدينية الخاصة بالمرأة التي تكرس فكرة النقص الأنثوي ودونية المرأة واعتبارها مخلوقا يفتقر الى العقلانية والتوازن ولا تزال هذه الموروثات تؤثر بصور عديدة علنية وخفية على العقل الجمعي في المجتمعات العربية. مما ينعكس بصورة سلبية على السياسيات الإعلامية تجاه المرأة العربية وقضاياها .

ثانيا: تحديات مهنية تتعلق بالعمل الصحفي والإعلامي وتشمل علاقات العمل داخل المؤسسات الصحفية وتأثيرها على السياسيات التحريرية تجاه قضايا المرأة وأدوار وهموم الصحفيات والإعلاميات العربيات وهنا تجدر الإشارة الى العديد من القيود المهنية التي تتعلق بسيطرة الطابع السلطوي الأحادي الجانب على علاقة القيادات الإعلامية بالمحررين والمحررات وغياب عنصر المشاركة والتشاور. يضاف الى ذلك علاقة الصحفيين والصحفيات بمصادر المعلومات التي تحكمها المصالح الشخصية وغياب الوعي بضرورة تدفق المعلومات وتداولها إعمالا لحق المعرفة والاتصال وضمانا لأداء الصحافة لرسالتها في نشر الوعي الصحيح بالقضايا المجتمعية وفي قلبها قضايا المرأة .

ثالثها: تحديات قانونية وتعاني المرأة العربية الإجحاف القانوني رغم ان معظم الدساتير العربية تحوي نصوصا تؤكد مبدأ المساواة بين كل المواطنين وتؤكد مبدأ عدم جواز التفرقة على أساس النوع كما اكدت هذه الدساتير الأحقية القانونية للمرأة في المشاركة السياسية بالإضافة الى ان بعض الدساتير قد ميزت بشكل ايجابي المراة دون انتقاص من حقوق الطرف الآخر اي الرجل مثال الدستور المصري الصادر 2014 . اذ يتضمن عدة مواد تقر المساواة بين المواطنين المصريين وتجرم التمييز وتنص صراحة على مسؤولية الدوله في تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتلتزم الدولة بحماية المرأة ضد كل اشكال العنف كما تكفل للمرأة حقها في تولي الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا في الدولة والتعيين في الهيئات القضائية .

ولكن يؤخذ على معظم الدساتير العربية خلوها من تعريف مبدأ المساواة بين المرأة والرجل أو تعريف مبدأ تكافؤ الفرص مما انعكس سلبيا على الأحكام القضائية التي لم تتعرض في حيثياتها لتفسير تلك المبادئ.

ورغم التعديلات التي طرأت على قوانين الأحوال الشخصية في بعض الدول العربية فإن المراة العربية لا تزال تعانى صورة عديدة للتمييز الأسري والمجتمعي والتي تتمثل في احتفاظ الزوج بالحق المطلق في الطلاق وتعدد الزوجات وحضانة الأطفال واذا كانت الدساتير العادلة تخلق البيئة الثقافية الملائمة لترسيخ مفاهيم الحرية والديمقراطية والمساواة غير ان مجرد وجود ضمانات دستورية او قوانين فقط لا تضمن حقوق النساء او غيرها من الحقوق. كما ان إقصاء المرأة العربية عن مراكز صنع القرار يجعل من المبادئ الدستورية آليات غير فعالة في تأمين حقوقها المجتمعية.

("الأهرام") المصرية

يتم التصفح الآن