لا حديث للجمهور العربي خلال الشهر الفضيل سوى عن قلعة الموت وكرامات الصباح، هذا الرجل الذي افتتن المستشرقون فيما مضى بالهالة الروحانية المحيطة به، لتستهوي ألغازه وخبايا سيرة حياته اليوم، المشاهدين وصناع الدراما على حد سواء.
"الحشاشين" متصدّراً
كان مسلسل "الحشاشين" نجم الموسم الرمضاني بدون منازع، إلّا أنّ هذا العمل الدرامي المُميّز تعرض لهجوم جماهيري واسع وتقييمات سلبية من طرف النقاد، لأسباب متعدّدة أبرزها استخدام اللهجة العامية المصرية بدل الفصحى التي طالما تمّ اعتمادها في الأعمال التاريخية، إضافة إلى المغالطات الكرونولوجية والتاريخية التي وقع فيها صنّاع المسلسل، على حد تعبير المتخصصين في هذا المجال.
يجوز لنا القول إنّ هذا التفاعل السلبي مع "الحشاشين" ظل محدود الأثر، لما عرفه المسلسل من نسب متابعة عالية وإشادة من طرف شريحة عريضة من المشاهدين. إذ نلاحظ تعطّشًا كبيرًا لدى المتفرج العربي لأعمال درامية من صنف الفنتازيا التاريخية. تعمل هذه الأخيرة على إعادة صياغة الأحداث والشخصيات التاريخية في قوالب غرائبية، وكمثال على ذلك، نذكر المسلسل الشهير "لعبة العروش" الذي استلهم مؤلفه تاريخ حروب الملكيات الأوروبية، ليقدّم لنا "حرب الوردتين" ولكن بقيادة تنانين وسحرة وجيش من الموتى السائرين.
لقد نجح "الحشاشون" من جديد ببث القلق في عقول المؤمنين بامتلاك الحقيقة التاريخية المطلقة، أقلّ ذلك أنّ النقاش العقيم حول صحة التواريخ والمجريات والوقائع التي ذكرها في المسلسل محض عبث، إذ كيف نطالب عملًا دراميًا يصنّف نفسه ضمن خانة الفانتازيا، أن يؤكّد أو ينفي سردية تاريخية معيّنة؟
ينافس مسلسل "أعلى نسبة مشاهدة" على المراكز الأولى في السباق الرمضاني، حيث عالج المسلسل معضلة اجتماعية معاصرة تتجلى في هوس الشباب والشابات على وجه التحديد بتطبيق التيكتوك، من خلال تسليط الضوء على كواليس صناعة نجوم التطبيقات الراقصة. سلطت المؤلفة سمر طاهر الضوء على شرائح اجتماعية مسحوقة تسعى للفرار من براثن الفقر والأمية والعنف عبر استغلال مواقع التواصل الاجتماعي لارتكاب أفعال غير لائقة.
تجدر الإشارة إلى أنّ المسلسل قد استوحى فكرته من وقائع محاكمة فتيات التيكتوك عام 2022، والتي تمّ على إثرها حبس مجموعة من الشابات المصريات بتهم تتعلق بهدم قيم الأسرة المصرية والاتجار في البشر. فهل تهدّد الدراما الجريئة أيضًا قيم الأسرة العربية؟.
"دار النسا".. احتجاج رمزي للدراما المغربية على التابوهات المجتمعية
من الملاحظ أنّ الأعمال التلفزية أو السينمائية المغربية قد شهدت أخيرًا جرأة كبيرة في طرح ومعالجة مجموعة من المحرّمات الاجتماعية، حيث اقتفى العديد من الكتّاب والمخرجين أثر نبيل عيوش المخرج المثير للجدل والذي أخذ على عاتقه عبء اقتحام حقول الألغام، عبر تقديمه لأفلام عالجت بواقعية شديدة مظاهر التطرّف الديني والدعارة واستغلال القاصرين.
في هذا السياق، جاء مسلسل "دار النسا"، أو بيت النساء، ليتربّع على عرش نسب المشاهدة الرمضانية لهذا الموسم. ويستعرض العمل آفة زنا المحارم ويناقش وصمات العار الاجتماعي التي تلاحق الأمهات العازبات.
لا تفوتنا الإشارة إلى الرمزية المهمّة التي يمثلها عنوان المسلسل، حيث يحمل العقل الجمعي الشعبي نوعًا من الاحتقار الضمني لبيت تغيب فيه السلطة الأبوية. لقد طرح "دار النسا" إلى جانب المسلسل المصري "صلة رحم"، المفهوم الاجتماعي لحرية الجسد والجدل القائم حول حق النساء في الإجهاض. مواضيع شائكة تم التطرق إليها بجرأة وشجاعة.
التوريث ومحاباة الأقارب.. تُهم تلاحق صنّاع الدراما العربية
عاد جدل ما يُعرف بـ"Nepotism" إلى واجهة النقاش الرمضاني هذا العام، حيث عبّرت شرائح واسعة من المشاهدين عن استيائهم من الأداء الباهت والمصطنع لمجموعة من النجوم الذين يحملون أسماء عائليةً مألوفة لدى المتفرج، إذ يبدو أنّ الساحة الفنية المصرية على وجه التحديد، قد نجحت فيما فشل فيه نظام مبارك!.
من ذلك مثلًا، الهجوم على الممثلة الشابة ليلى أحمد زاهر ابنة الفنان أحمد زاهر، والممثلة مي عمر زوجة المخرج الشهير محمد سامي، باعتبارهما أبرز الوجوه الفنية الأقل موهبة والأكثر حصولًا على عروض عمل ضخمة بسبب "المحسوبية" و"المحاباة" على حد زعم الجمهور.
لقد طبّعت الجرأة في المعالجة الدرامية معظم الأعمال التلفزية لهذا الموسم الرمضاني المثير للجدل. جرأة قد يعتبرها البعض تطاولًا على العديد من الثوابت الفكرية، أو تحريفًا للسرديات التاريخية، أو إساءةً إلى القيم الأسرية... فهل تشكل الدراما المعاصرة خطرًا فعلًا على الأخلاق العامة في الشهر الفضيل؟.
(خاص "عروبة 22")