وإذا كان تدهور الأراضي العربية قد يعود إلى الزّيادة السّريعة في السّكان بنحو 3.5% سنويًا، وهي أعلى نسبة عالميًا، فضلًا عن تغيير أنماط الاستهلاك وأنماط الحياة، فإنّ غياب سياسات حكومية قائمة على رؤى مستقبلية مُبدعة ومبتكرة للإجابة عن تحدّيات التصحّر، يُعدّ مشكلًا حقيقيًا يزيد من مخاطر تدهور الأراضي، ويعمّق ثقافة المجتمع القائمة على عقليّة العبث بالطبيعة وهدر استعمال المياه نتيجةً لتدهور الوعي وروح المسؤولية. وهذا يدخل في ما يُطلق عليه في أدبيات هذا التخصّص: الأسباب البشرية للتصحّر.
دون تبنّي سياسة تكاملية تشاركية ستؤول المنطقة إلى مآلات أمنية كارثيّة نتيجة الصراع حول الماء
هنا لا بدّ من التأكيد على أنّ مناطق الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا هي المناطق الأكثر عرضة لتغيّر المناخ في العالم، ممّا سيجعلها معرّضة لاختلالات عميقة تعصف بتوازناتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في المستقبل القريب. يكفي أن نذكر أنه بحلول عام 2050 ستكلّف ندرة المياه المرتبطة بتغيّر المناخ في الدوّل الشّرق أوسطية ما بين 14,6% من النّاتج المحلّي الإجمالي العالمي؛ وسيتعرّض 45% من المساحة الزّراعية الإجمالية في المنطقة للملوحة واستنزاف المغذّيات في التّربة والتّأكل النّاجم عن الرّياح. هذا يعني انخفاض توافر المياه وإنتاجية الزّراعة بنسبة تتجاوز 30,5% بحلول 2050.
إنّ مؤشّرات التّدهور تنطلق من سوريا والعراق. فأكثر من تسعة ملايين شخص في العراق فقط، بدأوا يفقدون الوصول إلى المياه وسيتعاظم هذا الرّقم في السّنوات القادمة القريبة، خاصة أنّ تركيا تسيطر على 90% من المياه التّي تتدفّق عبر نهر الفرات و44% من تلك الموجودة في نهر دجلة، فضلًا عن سعي أنقرة إلى خفض إمدادات سدود نهر الفرات إلى الدّول المجاورة مثل العراق بنسبة 60%. وإذا كانت إيران قد تضرّرت من خفض هذه الإمدادات التّركية، فقد لجأت باستعجال إلى سياسة بناء السدود لإعادة توجيه المياه إلى نفسها، وذلك لاستعادة حوالى الثُلثين من 10,2 مليار متر مكعّب من المياه التي كانت تُغادر منطقتها عبر حدودها إلى العراق. وقليل من السيّاسيين من ينظر بعين الجدّية إلى المآلات الأمنية الكارثيّة التّي ستؤول إليها المنطقة نتيجة لصراع دول المنطقة حول السيطرة على الماء، دون تبنّي سياسة تكاملية تشاركية توحّد الأهداف والوسائل لمواجهة الخطر القادم، خاصة أنّ الاحتباس الحراري فيها يتزايد كلّ سنة بنسبة 1%.
للانخراط في دينامية تخليق العمل المناخي حتّى تكون أهداف التّنمية المستدامة شأنًا مجتمعيًا يتقاطع مع الإرادة السيّاسة
ينضاف إلى ذلك، تهديد النّزوح النّاجم عن المناخ الذي يغدّيه ارتفاع مستويات سطح البحر، فحوالى 9% من سكان المناطق السّاحلية في الدّول العربية يقيمون في مناطق يقلّ ارتفاعها عن 5 أمتار فوق سطح البحر. وقد حذّر خبراء من شبح الهجرة الدّاخلية، إذ ستضطرّ عائلات بكاملها إلى النّزوح داخل بلدانها وسيشمل النّزوح 19,3 مليونًا في دول شمال أفريقيا الخمس: مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب. وهذا سيشكّل بؤرة للجريمة والانحراف والتطرّف داخل المدن المستقطبة للهجرة القسريّة.
تبقى إذن حلول تعزيز المرونة المناخية، مرتبطة بإرادة سياسية جماعية قائمة على التزام جميع الدّول العربية باتّفاقات باريس القاضية بتعزيز الإستثمارات في العمل المناخي والمرونة المناخية، وتعبئة المجتمعات للانخراط في دينامية تخليق العمل المناخي، حتّى تكون أهداف التّنمية المستدامة شأنًا مجتمعيًا يتقاطع مع الإرادة السيّاسة للدّولة الوطنية.
(خاص "عروبة 22")