رغم مرور قرابة السنة على هذه العودة، لا يبدو أنّ دمشق في وارد تقديم أكثر من "الوعود"، فهي في الملفين لم تبادر إلى القيام بأي خطوة عملية، بل على العكس من ذلك بقيت الأمور العالقة على حالها وزادت في بعض جوانبها تعقيدًا، حيث أنّ النظام يربط معالجة ملف المخدرات بالحصول على مساعدات مالية من الدول العربية، بينما على مستوى أزمة النازحين لا يُظهر أي رغبة جدية في عودتهم، رابطًا الأمر أيضًا بشرط إعادة الإعمار وتحسّن الأوضاع الإقتصادية لديه.
إنطلاقًا من ذلك، ينبغي قراءة التداعيات التي تترتب على هذا الملف، على المستويين الأردني واللبناني بشكل أساسي. فبينما تستمرّ عمّان في مطالبة النظام السوري بضرورة القيام بما يلزم من جانبه لمكافحة عصابة تهريب المخدرات التي تؤكد مختلف المعلومات أنها تحظى بغطاء من قبل النافذين في دمشق رغم نفيها ذلك، تزداد في المقابل الضغوط الناجمة عن أزمة النازحين في لبنان، بشكل بات يهدد بإنفجار الساحة الداخلية على خلفية الأحداث الأمنية التي تقع بين الحين والآخر.
في شهر شباط الماضي، جرى الإعلان عن إتفاق وزراء داخلية الأردن والعراق وسوريا ولبنان، على تأسيس "خلية اتصال مشتركة" لمكافحة تهريب المخدرات عبر الحدود بين الدول الأربع. وبحسب ما أعلن وزير الداخلية الأردنية مازن الفراية، حينها، ستُعنى هذه الخلية بـ"تبادل الخبرات والتدريب والقدرات ومتابعة المعلومات، سواء السابقة أو اللاحقة، ومتابعة الشحنات الخارجة من الدول إلى وجهتها النهائية".
لكن وعلى الرغم من أنّ هذا الإجتماع اعتُبر بمثابة "الرسالة الأخيرة" إلى دمشق، من أجل الذهاب إلى خطوات عملية على هذ الصعيد، إلا أنّ عمليات التهريب لا تزال مستمرة، علمًا أنّ الجانب الأردني كان قد أكد، في وقت سابق، وجود إثباتات لديه على تسهيل حواجز الجيش السوري مرور مهرّبي المخدرات عبر الحدود.
وعلى مستوى أزمة النزوح السوري في لبنان، أعادت حادثة اختطاف وقتل مسؤول حزب "القوات اللبنانية" في جبيل باسكال سليمان تسليط الأضواء على تفاقم هذه الأزمة، خصوصًا بعدما تبيّن، بحسب الرواية الرسمية، تورط عصابة سورية لسرقة السيارة في العملية، إلا أنّ اللافت كان محاولات تجهيل مسؤولية النظام السوري عن الواقع القائم، حيث توضح مصادر متابعة للملف، عبر "عروبة 22"، أنّ "العصابات الموجودة في بعض القرى والبلدات، على طرفَيّ الحدود السورية - اللبنانية، تحظى بغطاء من قبل بعض أركان النظام السوري، وهو قادر على تحريك عناصرها بهذا الاتجاه أو ذاك والتحكم بتحركاتها وصولًا إلى قدرته على توقيف وتسليم أي منهم خلال ساعات إذا اقتضت مصلحته الأمنية ذلك كما يحصل في بعض الأحيان، خوفًا من التداعيات التي من الممكن أن تتركها الجرائم المرتكبة من هذه العصابات على مصالح حلفائه في الداخل اللبناني".
وهنا، تفيد معلومات "عروبة 22" بأنّ عمليات هذه العصابات كانت قد نشطت في العامين الماضيين على نحو كبير، وهي عصابات محترفة تضم لبنانيين وسوريين في صفوفها، حيث يتم نقل السيارات المسروقة من لبنان، عبر المعابر غير الشرعية في البقاع والشمال، إلى الداخل السوري ليتم بيعها هناك.
وأبعد من ذلك، تذهب المصادر نفسها إلى الحديث عن أنّ "عمليات بيع السيارات اللبنانية المسروقة في الداخل السوري تحظى بغطاء من شخصية أساسية في النظام السوري"، حيث تلفت إلى أن ذلك يشمل أيضًا "غالبية عمليات تهريب البضائع والمخدرات التي تحصل على طرفَي الحدود، والتي تصبّ في حانة تمويل النافذين في النظام السوري والمقربين منهم وهو ما يبرر عدم رغبة وعدم مصلحة هذا النظام في المبادرة إلى معالجة هذه الموضوع.
وما ينطبق على عصابات سرقة السيارات، تكشف المصادر المتابعة، ينطبق أيضًا على عمليات "تهريب الأشخاص عبر الحدود"، وهو ما كان قد أدى إلى "موجة جديدة" من النزوح نحو الأراضي اللبنانية في الأشهر الماضية. وتلفت إلى أنّ "هذه الموجة كانت ذات أسباب إقتصادية بالدرجة الأولى بعد تراجع العمليات العسكرية في المناطق السورية، وبالتالي كان من المتوقع أن تفتح الباب أمام ارتفاع وتيرة مراكب الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا، ما أدى إلى أزمة بين الجانبين القبرصي واللبناني".
وفي هذا الإطار، تلفت المصادر نفسها إلى أنّ "كلفة عمليات التهريب تتراوح من حيث المبدأ ما بين 100 و2000 دولار"، وتوضح أنّ "هذه الكلفة تختلف بإختلاف ظروف الشخص الراغب بالإنتقال بين البلدين، فهناك أشخاص يرغبون بدخول لبنان لأسباب اقتصادية وآخرون موجودون في الداخل السوري لا تتوفر فيهم الشروط اللازمة لدخول لبنان عبر معابره الشرعية، وغيرهم موجودون في لبنان لا يريدون المرور عبر المعابر الشرعية لأسباب متنوعة في تنقلاتهم بين البلدين، فضلًا عن الأفراد الذين يغادرون الأراضي السورية من أجل الهروب من الخدمة العسكرية، أو هربًا من ملاحقات أمنية".
في الختام، تشدد هذه المصادر على أنّ "عمليات التهريب، على مختلف أنواعها، قائمة من خلال معابر غير شرعية، تمتد من منطقة وادي خالد المتاخمة لمدينة حمص في الشمال، وصولًا إلى منطقة الهرمل والقصير في البقاع، ولا تستثني بلدة شبعا الجنوبية بالرغم من الظروف العسكرية الحالية"، وتجزم بأنّ "هذا الأمر يتم بغطاء، أو على الأقل بغض نظر، من قبل الأجهزة الأمنية السورية مقابل الحصول على عمولات مالية"، وتستطرد بالقول: "بالتالي فإنّ مفتاح المعالجة في يد النظام السوري وليس في أي مكان آخر".
(خاص "عروبة 22")