قضايا العرب

"حرب التجويع" في غزّة.. "إبادة" القطاع الزراعيّ!

بيروت - حنان حمدان

المشاركة

نال القطاع الزراعيّ بشقيه النباتيّ والحيوانيّ حصّته من حرب الإبادة المستمرّة على قطاع غزّة، حاله كحال باقي القطاعات الاقتصاديّة والانتاجيّة الأخرى، بعد تعرّضه لجميع أنواع الهدم والتدمير  والتلويث والتّجريف للمساحات والممتلكات الزراعيّة، فضلًا عن تعرّض المواشي للقتل نتيجة القصف الإسرائيل أو الذّبح تلبيةً لإحتياجات الغزاويين الطّارئة بسبب نقص الغذاء.

قبل شنّ الحرب الأخيرة على قطاع غزّة، التي دخلت شهرها السّابع، كانت مساحة الأراضي الصالحة للزارعة في القطاع حوالى 200 ألف دونم، يُزرع منها 176 ألف دونم، بأنواع كثيرة من الأشجار والفاكهة والخضروات، وفق أرقام المنظّمة العربيّة للتنميّة الزراعيّة.

وكان القطاع الزراعيّ من أكبر القطاعات الاقتصاديّة في غزّة، إذ يسهم بحوالى 11% من إجماليّ النّاتج المحليّ (550 مليون دولار أميركيّ) قابلة للإرتفاع أكثر في حال تمّ احتساب الأنشطة التّابعة، وفق ما يؤكد الخبير الاقتصاديّ وأستاذ العلوم الماليّة والاقتصاديّة في كليّة الدراسات العليا في الجامعة العربيّة الأميركيّة في رام الله، د. نصر عبد الكريم لـ"عروبة 22".  

ويعمل في هذا القطاع أكثر من 20 ألف نسمة يشكّلون حوالى 10 في المئة من إجماليّ القوّة العاملة في غزّة، وتشير التّقديرات إلى أنّه كان يوفّر حاجات السكان الغذائيّة الأساسيّة لنحو 1.5 مليون نسمة. وهنا تكمن أهميّته، في مقابل ما يفرضه الإحتلال من حصار جائر على سكان القطاع منذ أكثر من 17 سنة، لناحية مساهمته في إعالة الأُسر الفلسطينية التي تعمل فيه.

تمتدّ الأراضي الزراعيّة في غزّة من بيت حانون وجباليا في شمال القطاع، مرورًا بخان يونس والوسط ورفح في الجنوب، وصولًا إلى كلّ البلدات المتواجدة في المنطقة الشرقيّة للقطاع، فيما يقع أكثرها في مناطق وسط قطاع غزّة وشماله. وقد أحدث الإحتلال دمارًا واسعًا في كلّ المساحات الزراعيّة بفعل القصف العنيف والمتواصل وكذلك بسبب توغُّل مجنزراته العسكرية في كلّ مناطق القطاع.

وبحسب عبد الكريم، فإنّ "الزراعة في غزّة كانت ركنًا أساسيًا وحيويًا في الاقتصاد الفلسطينيّ وفي حياة الأُسر الفلسطينية، إذ يعتمد النّاس عليها كنوع من الاقتصاد الأُسريّ - ينتجه النّاس ويستهلكه - ويتمّ تصدير جزء منه إلى الضفّة الغربيّة ومنها إلى خارج الأراضي الفلسطينية".  

بالأرقام.. الإنتاج والخسائر 

وبفعل العدوان الإسرائيلي على غزّة، توقف الإنتاج الزراعيّ بالكامل، ووفق التقديرات يشير عبد الكريم، إلى أنّ "الخسائر الزراعية اليوميّة المباشرة تبلغ 1.5 مليون دولار نتيجة توقف عجلة الإنتاج" وهي بذلك تتجاوز الربع مليار دولار منذ بدء العدوان على غزّة وحتّى اليوم، وهذه الأرقام قابلة للإرتفاع أكثر ، "تُضاف إليها الخسائر في قيمة الأصول والممتلكات الزراعيّة والبنى التحتيّة وتقدّر بحوالى 500 إلى 700 مليون دولار" أي ما مجموعه حوالى مليار دولار.

ولم تنجُ الثروة الحيوانيّة في غزّة أيضًا، جراء القصف المباشر والظّروف القائمة بفعل الحرب، ويقول عبد الكريم: "لم يبقَ ثروة حيوانيّة أليفة بعدما تمّ القضاء على كلّ الحظائر في غزّة نتيجة قتل أو ذبح الماشية المنتجة للّحوم تلبيةً لاحتياجات النّاس بسبب قلّة الخيارات الغذائيّة المتوافرة لديهم، كما تعرّض قطاع الصّيد البحري للدّمار الشّامل. وتمّ تدمير القوارب والميناء ولم يعد هناك أيّ حركة للصّيادين". ووفق التقارير الفلسطينية المنشورة، يعتاش من قطاع الصيد أكثر من 4054 صيادًا وأُسرهم، ويُنتج سنويًا نحو 4600 طن من الأسماك، في حين تقول المنظّمات الأمميّة إنّ تدمير القطاع الزراعيّ، بشقيه النباتيّ والحيوانيّ (بما فيه صيد الأسماك)، كان سببًا أساسيًا في حالة انعدام الأمن الغذائيّ والجوع الذي ضرب القطاع.

ما بعد انتهاء الحرب

رغم حجم الدمار الكبير، يرى عبد الكريم أن "للقطاع الزّراعيّ قدرة على التعافي، بوقت أقصر مما تتطلبه القطاعات الأخرى، إذ يسهُل إلى حد ما معالجة الأراضي الزراعيّة"، فبمجرّد وقف الأعمال الحربيّة على غزّة، تأتي مرحلة العمل من أجل استصلاح الأراضي الزراعيّة وإعادة النشاط إلى القطاع ككل.  

أما استعادة القطاع لقدرته الإنتاجيّة، فيتطلّب توافر إمكانيات عديدة وأساسيّة، كتقديم الدعم الماليّ لشراء الآلات والمواد المطلوبة أوّلًا، ومن ثمّ تأمين القدرات الفنيّة التي تتمتع بخبرة عالية في هذا المجال، والعمل على تعقيم التربة التي تلوثّت بفعل استخدام إسرائيل الأسلحة والذخيرة الكيميائيّة والفوسفورية، علمًا أنّ ضرر التلوث الكيميائيّ الذي أحدثته قوات الاحتلال في التربة الفلسطينية في القطاع قد تمتد لعقود من الزمن، وصولًا إلى إعادة زراعة الآلاف من الدونمات، وهذا سيستغرق على أقل تقدير ما يقارب العام من لحظة انتهاء الحرب الراهنة، بينما عملية التعافي من هذه الآثار ستحتاج إلى "أعوام طويلة"، وفق ما يرى عبد الكريم.

على حافة المجاعة   

يعاني النّاس في غزّة، لا سيّما أولئك الذين لا تصلهم المساعدات الأمميّة، من الجوع والفقر والعوز، وقد أقرّت الأمم المتّحدة بأنّ جزءًا كبيرًا من الغزاويين، تخطّى النصف، باتوا على حافة المجاعة، فيما يعاني كامل السكان من سوء تغذية وانعدام حاد في الأمن الغذائي.

ووفق المصادر الميدانيّة، سبّب انعدام الموارد الغذائية في قطاع غزّة ارتفاعًا  كبيرًا في أسعار ما يتوفّر من السلع الغذائيّة والخضروات، بحيث بلغ سعر حبّة البندورة الواحدة 7 شيكل (2 دولار تقريبًا) وهي كلفة مرتفعة جدًا خارجة عن قدرة أغلبية الغزّاويين على تحمّلها، وبالكاد يستطيع تحمّل كلفتها أولئك الذين يتلقّون مساعدات مالية من عائلاتهم في المهجر.

وارتفعت أسعار السّلع الغذائية المتوفرة في القطاع بسبب شُحّ المعروض منها، وفق ما يؤكد عبدالكريم، واصفًا الوضع "بأنه كارثيّ بكل ما للكلمة من معنى".. وراهنًا تُظهر الطريقة التي يتعامل بها الشبّان من أهالي غزّة، بعض المحاولات الزراعيّة الفرديّة في الأماكن المتاحة بين خيم الإيواء، حيث يمكن زراعة مجموعة بذور تُعدُّ على أصابع اليد داخل علب صغيرة جدًا، مشددًا على أنّ هذه الحال الكارثية تتطلّب فور انتهاء الحرب اعتماد سلسلة من الخطوات المدروسة والمنظّمة من أجل إعادة النّشاط الزراعيّ بأسرع ما يُمكن، ولو بصورة بدائية في القطاع.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن