بصمات

عن طرابلس.. "عاصمة الثقافة العربية"

تُعتبر مدينة طرابلس في شمال لبنان، واحدة من أقدم المدن في العالم، وتحمل تاريخًا ثريًا وثقافةً متنوعة. كانت تاريخيًا مركزًا ثقافيًا واقتصاديًا عامًا في المنطقة، وعالمًا من التفاعل الحضاري والاختلاط السكني والعيش المشترك، ونموذجًا متقدمًا للمدن، حاضرة المتوسط في زمن الفرنجة، وبصمة التبادل التجاري والاجتماعي العميق، ولا تزال تحتفظ بالعديد من المعالم التاريخية التي تعكس تراثها الغني.

عن طرابلس..

تمّ الإعلان عن طرابلس عاصمة ثقافية عربية من خلال اليونيسكو عام 2015، وبمبادرة من "الألكسو"، وهذا بحجم الاعتراف الدولي بالتاريخ والثقافة، ويمكن أن يسهم في دعم الجهود لحماية تراثها والحفاظ عليه، إلا أنّ المعنيين تأخروا كثيرًا في التحضيرات، بحيث فرض انفجار مرفأ بيروت ووباء كورونا والظروف الاقتصادية الصعبة في لبنان التأجيل إلى حين إعلان الأنشطة والفعاليات المرافقة للعام 2024.

تُعد طرابلس من المدن القليلة في الشرق والعالم العربي، التي تستحق الاحتفالية كحاضرة توليد النخب السياسية والاقتصادية والتاريخية عربية ومتوسطية. تاريخ من الانفتاح الإيجابي، والمجتمع وتعبيراته السردية في فترات من الاستقرار مع السكان المحليين، ومع الوافدين إليها من أيام ريموند دوسال هيل والمنصور قلاوون وعزمي بك وآخرين.

تعرّضت طرابلس للكثير من الألم والفقر والحرمان والترهيب وتحتاج إلى نظرات جديدة بهدوء ووعي

مدينة احترام الآخر المختلف والطقوس الدينية بعاداتها المختلفة، والمكان المفتوح لسكن الطوائف في طقوسها ومقاماتها، "حالة طربية" (المطران جورج خضر) .

"درة المتوسط"، "دمشق الصغرى"، "القاهرة الصغرى"، "البرلمان الفينيقي".. تعرّضت للكثير من الألم والفقر والحرمان والترهيب، وتحتاج إلى نظرات جديدة بهدوء ووعي، والإنتقال من الموروث التاريخي والفلسفي والميتافيزيقي إلى المجتمع والواقع المادي، وتعزيز الاقتصاد المحلي والترويج للتبادل الثقافي والتفاهم العالمي.

المدينة، التي قدمت إليها أعداد متزايدة من رجال الأعمال والمقاولين والمؤرخين والمترجمين والفنانيين: داليدا، كلود فرنسوا، ديميس روسوس، جين مانسون.. اشتهرت بالعديد من المعالم التاريخية مثل قلعة طرابلس القديمة (العصور الصليبية)، ومواقع تاريخية مثل "خان النساء"، أو "خان الخضر" (العصور العثمانية في القرن السادس عشر)، من غرف وأروقة ومكان إقامة التجار والمسافرين، و"التكيّة"، حيث الاستمتاع بجمال العمارة العثمانية ومركز للعبادة وإقامة الدراويش والزاهدين، و"خان سوق الجملة" والمتاجر التي تبرز طابع الحياة اليومية.

ليس من السهولة العودة إلى تلك المناخات القديمة والتفاصيل الكثيرة، التي شهدت نجاحًا كبيرًا في مختلف المجالات العمرانية والتجارية وبخاصة في صناعة السجاد والمنسوجات (صناعة الورق وتصديره إلى سمرقند، والصابون إلى اسطنبول).

مدينة تصّر على إبراز تمايزها بين فقراء وبرجوازيين من خلال مظهرها الحديث (ليست أكثر المدن فقرًا)، والجمع بين العادات والتقليد، وهي تضم مجموعة من المعاهد التعليمية ما يجعلها مركزًا للتعليم والتطور المديني في المنطقة، والقوة وممارسة الحياة على الرغم من التحديات وتبدل الظروف السياسية والاقتصادية.

ميناؤها، احتل مرتبة مهمة بين الموانئ، ومن التبادل التجاري والصناعي والزراعي، ومن الأمان حتى اندلاع الحروب الصغيرة واللاجئيين.

للانتقال من الكوسمبوليتية الداخلية إلى مشروع تحديثي عقلاني/متوازن لرسم الدور المستقبلي لها

مدينة داخل البحر بسحرها الكامل ومبانيها المأهولة، وأخرى شعبية لم يبقَ منها إلا الركام والأنقاض في مرحلة الضعف الكبير وعدم الاهتمام بشؤون أهلها.

ولاية فقدت الكثير من عناصرها وأنشطتها، بعد أن كانت إحدى ركائز لبنان الصلبة الكوسموبوليتية.

الاحتفالية الواسعة هي تعبير عن وعي، وتحاول استعادة بعض معالم المدينة في المشرق العربي وتعزّز دورها، وكذلك عناصر وقصص وثيقة بتواريخ وأساطير محليّة، والحفاظ على ما تتفوّق فيه من عمران تاريخي ومساحات عريقة، وتحويلها إلى المدينة الأكثر جاذبية للسكن المريح، والتمتع بعناصر الحرية وتداخل الحضور المنفتح فيها وتطور خدماتها برساميل محلية وعربية ودولية بعد كل تلك التحولات السياسية والجغرافية والاقتصادية.

التوقعات ليست الأكثر تفاؤلًا في التفاوت الاجتماعي والتناقضات في داخلها. يمكن مع ذلك الانتقال من الكوسمبوليتية الداخلية إلى مشروع تحديثي عقلاني/متوازن لرسم الدور المستقبلي لها.

يمكن إعادة رسم طبيعتها وسيرورة عمرانها وتحديثها في إطار مشروع المدينة الذكية. هذا يحتاج إلى مستوى آخر من تقديم الخدمات السريعة والرعاية الصحية والتعليم وإدارة المرافق وتشغيلها وتوفير نُظم فعّالة للحفاظ على المباني التراثية والشعبية والمواصلات والأمن والعناية القصوى بالبيئة وتحسين نوعية الحياة لمواطنيها. تبقى القدرة على الاستجابة بشكل أسرع لمجابهة التحديات الجديدة من استخدام الموارد وتعزيز القدرة التنافسية، وتطوير نُظم ذكيّة تشمل المباني والمرفأ وخدمات الأمن والسلامة في بيئة حياة مزدهرة مع الحفاظ على أنساقها المتباية كمدينة حضارية قديمة.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن