ونقل التقرير عن بيانات كشفتها منظمات حقوقية، أنّ 73% من مساحة عطاء الحقل الأول الذي طرحته إسرائيل يقع ضمن الحدود المرسّمة دوليًا للمياه الاقتصادية لفلسطين، والثاني يتضمن 62% من مياه فلسطين، وكذلك الثالث بنسبة 5%.
علمًا بأنّ فلسطين انضمت رسميًا لمعاهدة الأمم المتحدة لقانون البحار بعدما أصبحت دولة مراقب غير عضو بالأمم المتحدة، وفي عام 2019 تم ترسيم حدود فلسطين البحرية بشكل قانوني وإعلان منطقتها الاقتصادية البحرية، وإبلاغها للجهات الدولية المعنية، كما أنّ القوانين الدولية لا تجيز لقوة الاحتلال استغلال الموارد الطبيعية للإقليم الخاضع للاحتلال.
ولكن الغريب هو قبول الشركات النفطية الدولية للطرح الإسرائيلي غير القانوني وكذلك الدول التي تنتمي لها هذه الشركات، وهو مؤشر لتواطؤ غربي.
خلافات سياسية متعددة تعرقل خط غاز شرق المتوسط
يواجه مشروع خط شرق المتوسط مشكلات سياسية كبيرة، حتى قبل حرب غزّة، حيث يفترض أن يُشيد بواحدة من أكثر مناطق العالم تعقيدًا فيما يتعلق بالجغرافيا السياسية ولا سيما خلافات ترسيم الحدود.
إذ توجد بالمنطقة دولتان عربيتان (سوريا ولبنان) في حالة حرب رسميًا مع إسرائيل، وهناك قبرص التركية التي لا تعترف بها أي دولة بالعالم سوى أنقرة، والأخيرة تطالب بنصيبها من أي اكتشافات تقوم بها قبرص لصالحها أو لصالح قبرص التركية، كما يوجد الخلافات الحدودية البحرية بين اليونان وتركيا حيث تريد الأولى تطبيق اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، علمًا بأنّ أنقرة ليست عضوًا بها (كذلك إسرائيل والولايات المتحدة)، وفي المقابل تريد تركيا تطبيق قانون البحار السابق على الاتفاقية، وهو ما ترفضه اليونان مدعومة بموقف الاتحاد الأوروبي.
منشآت تسييل الغاز الخاصة بمصر هي الوسيلة الوحيدة المتوفرة لتصدير الغاز من المنطقة
ومن المفارقات أنه رغم أنّ قبرص وإسرائيل حليفتان وقوّتان دافعتان أساسيتان للمشروع، فإنّ بينهما خلافًا حول حقل غاز أفروديت، الذي اكتُشف في عام 2011 ويُعد الحقل القبرصي الأكثر نضجًا،، ولكن لم يتم استغلاله حتى الآن، ويرجع ذلك جزئيًا إلى إدعاءات الشركات الإسرائيلية بأنّ جزءًا منه يعبر الحدود البحرية إلى حقل يشاي الإسرائيلي.
أما مصر فإن خط شرق المتوسط، لا يمثل على الأرجح أهمية محورية لها لأنّ القاهرة ليس لديها بالوقت الحالي على الأقل، فوائض كبيرة للتصدير، كما أنّ منشآت تسييل الغاز الخاصة بها هي الوسيلة الوحيدة المتوفرة لتصدير الغاز من المنطقة، وهو ما يحدث بالفعل مع إسرائيل، كما تتطلع بعض الشركات الغربية العاملة بقبرص للاستفادة من قدرات التسييل المصرية بدلًا من تكبد تكلفة بناء منشآت جديدة.
المشروع يواجه تعقيدات فنية كبيرة وقد يكون فات آوانه
أحد أهم الانتقادات الموجهة للمشروع هو التعقيد الفني (أكثر من 3000 متر عمق للأنابيب ما قد يجعلها أعمق أنابيب غاز في العالم)، وفترة البناء الطويلة. وبالتالي فإنه لن يساعد في تقليل الاعتماد الأوروبي على موسكو على المدى القصير.
ويبدو أنّ هذا المشروع قد فات أوانه، لأنه بالنظر لمداه الزمني الطويل، يناقض الأجندة البيئية للاتحاد الأوروبي، والتي تقودها دول شمال أوروبا، وهي أجندة تتعامل مع الغاز الطبيعي باعتباره مصدرًا طاقيًا انتقاليًا، ريثما يتم التحوّل لسياسة صفر إنبعاثات والتي ستعتمد على مصادر الطاقة الجديدة ومنها الهيدروجين الأخضر الذي سيكون إنتاجه محررًا من الانبعاثات تمامًا.
كل ذلك يؤدي لتوقعات قوية بانخفاض الطلب على الغاز الطبيعي بالسنوات المقبلة في أوروبا الأمر الذي يشكل عاملًا رادعًا آخر أمام تنفيذ مثل هذا الاستثمار الضخم.
والأهم قد لا يكون المشروع مجديًا اقتصاديًا، بتكلفته التي تقدّر بأكثر من 6 مليارات يورو، إذا انخفضت أسعار الغاز إلى مستويات ما قبل عام 2021.
كل هذه العوامل كانت سببًا رئيسيًا لتخلي الولايات المتحدة عن تأييد المشروع، ودعمها لخيار تسييل الغاز، وطلبت من اليونان ومصر وقبرص وتركيا وإسرائيل التعاون في هذا الصدد.
إسرائيل تحاول إيجاد بديلها الخاص
في الوقت الحالي تمثّل منشآت تسييل الغاز المصرية البديل الوحيد المتاح لمشروع أنابيب غاز شرق المتوسط، علمًا بأنها تظل محدودة الطاقة وإن كانت قابلة للتوسع.
خيار تسييل الغاز العائم يمثّل تحديًا فنيًا مكلفًا ويواجه مخاطر بسبب التهديدات من الهجمات العسكرية
ولقد طُرحت بدائل أخرى قبل حرب غزّة، منها تركيا، منذ تحسّن العلاقات الدبلوماسية بينها وبين إسرائيل في عام 2022، حيث جدد المسؤولون الأتراك ، فكرة إنشاء خط أنابيب من الحقول الإسرائيلية إلى تركيا ومنها لأوروبا.
ولكن هذا الخيار تواجهه عراقيل عدة. إذ يجب أن تمر الأنابيب عبر منطقة قبرص الاقتصادية وهذا يمثّل مشكلة بسبب الخلافات المشار إليها بين نيقوسيا وأنقرة وقبرص التركية، بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الخط سيتقاطع مع المنطقة الاقتصادية الخاصة بلبنان وسوريا.
كما أنّ التوتر الأخير بين تركيا وإسرائيل بسبب حرب غزّة ووصوله لأول مرة لمرحلة الخلافات الاقتصادية يضعف هذا الخيار.
خيار الغاز المسال لديه مشكلاته الخاصة
وتدرس شركة شيفرون الأمريكية، وشركاؤها المشغّلون لحقل ليفياثان أكبر حقل إسرائيلي، إمكانية إنشاء مصنع عائم لتسييل الغاز فوق الحقل، بحيث يتمتع بقدرة على التسييل تتراوح بين 3 إلى 6 مليارات متر مكعب سنويًا، ويمكن أن يخدم أيضًا حقل أفروديت على الحدود البحرية لقبرص مع إسرائيل. وهناك أيضًا فكرة بديلة، هي بناء منشأة تسييل برية بقبرص، أو محطة للتسييل قبالة سواحلها، تخدم الحقول الإسرائيلية.
ولكن خيار تسييل الغاز العائم يمثّل تحديًا فنيًا مكلفًا، ويواجه مخاطر بسبب التهديدات من الهجمات العسكرية، وبينما يبدو أنّ إسرائيل قد استطاعت تأمين حقولها حاليًا من الفصائل الفلسطينية ولكن الأمر أصعب حال اندلاع حرب واسعة مع "حزب الله"، ولكن يظل هناك احتمال كبير لأن تسعى إسرائيل وقبرص لبناء منشآت تسييل خاصة بهما ولو على نطاق ضيّق.
واشنطن المستفيد الأكبر من تراجع سريان الغاز الروسي لأوروبا بمقدار الثلثين ما يجعلها خصمًا لغاز شرق المتوسط
يمكن القول إنه إضافة لكل العراقيل السابقة، فإنّ مشروعات خطوط الغاز بصفة عامة، تحتاج لدولة قوية وغنية ترعاها وتتحمل مخاطرها، كما هو حال الخطوط الروسية في أوروبا.
وكان رهان المتحمسين لخط شرق المتوسط على الولايات المتحدة، خاصة في ظل تردد الاتحاد الأوروبي وعدم قدرته على حل المشكلات الحدودية بالمنطقة ولا سيما المشاغبة التركية أو التصدي للمخاطر العسكرية المحتملة من "حزب الله" أو الفصائل الفلسطينية.
ولكن واشنطن إضافة لقلقها من العيوب الذاتية للمشروع، فإنها حاليًا أكبر مصدر للغاز المسال بالعالم والمستفيد الأكبر من تراجع سريان الغاز الروسي لأوروبا بمقدار الثلثين بعد حرب أوكرانيا، حيث ضاعفت صادراتها للقارة عام 2022 ثلاث مرات لتصل إلى 60 مليار مترمكعب ما يجعلها في حقيقة الأمر خصمًا لغاز شرق المتوسط.
(خاص "عروبة 22")