تقدير موقف

الفساد الحكومي أرض خصبة لنظريات المؤامرة: أدلة جديدة (1/2)

"كوفيد 19" كان من صنع شركات الصيدلة حتى تربح من صناعة اللقاحات، أو هو تدبيرٌ خفيٌ لحكومات قوية من قبيل الصين أو الولايات المتحدة الأميركية، وقد تمّ التلاعب بأرقام المصابين وتم إخفاء المفاعيل العكسية للقاحات على الجمهور، ثم إنّ الفيروس نفسه غير موجود أصلًا أو هو نتيجة لتأثير أعمدة أجهزة صينية. أمّا الاحتباس الحراري فهو خرافة تمّ صناعتها ونشرها من أجل خدمة أجندات نخب دولية نافذة.

الفساد الحكومي أرض خصبة لنظريات المؤامرة: أدلة جديدة (1/2)

كذلك أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، تعامل معها المنطق نفسه على أساس أنّها جرت بعِلم أو بمساعدة جماعات داخل الحكومة الأميركية، وأنّ الجماعة اليهودية في نيويورك كانت على عِلمٍ مسبّقٍ بها ولم ينتقل أي يهودي إلى مكتبه في ذلك اليوم، أو أنّ الحكومة الأميركية تخفي معلومات عن تواصل البشر مع مخلوقات فضائية.

فيروس "الأيدز" الذي ظهر في 1990 هو من صنع وترويج منظّمات خفية. في سنة 1969 لم يصعد أي إنسان للقمر وما رأيناه هو مجرد صناعة سنيمائية لهوليود. المحرقة اليهودية هي كذبة مبالغ فيها صنعتها وروّجت لها الحركة الصهيونية. هناك جماعات سرية من "عبدة الشيطان" تسيطر على الإعلام والمؤسّسات في الولايات المتحدة، وهي من حرمت ترامب من الفوز في انتخابات 2020.

والخلاصة هنا هي أنّ عالمنا تحكمه قوى شريرة خفية تتلاعب بالجميع من أجل تحقيق مصالحها، أمّا الحكومات الرسمية فهي مجرد شخوص في مسرحيات هزلية.

تفترض نظريات المؤامرة دائمًا أنّ الأحداث الهامة وراءها جماعات منظّمة خفية

هذه عينة من المعتقدات التآمرية أو نظريات المؤامرة المنتشرة في العديد من البلدان المتقدّمة والمتخلّفة على حد سواء، غربية وآسيوية وأفريقية وعربية بنسب متفاوتة، فهناك بلدان تنتشر فيها معتقدات التآمر أكثر من بلدان أخرى. وسوف نركّز أكثر في هذا المقال على نصيب العرب من نظريات المؤامرة مقارنة بغير العرب، ونحاول أن نبرز العوامل الأكثر حسمًا في انتشار الاعتقاد في نظريات المؤامرة في العالم العربي بالتحديد مقارنةً بالبلدان الأخرى.

توفّر معطيات مسح، قامت به مؤسّسة "YouGov Cambridge" في 2020، عدة تفاصيل عن تفشي الاعتقاد في نظريات المؤامرة المذكورة أعلاه، في 22 بلدًا غربيًا وآسيويًا وأفريقيًا، بما في ذلك تفشي خطاب المؤامرة في الدول العربية، حيث تمّ استجواب عيّنة ممثّلة في تلك البلدان حول مختلف الأفكار التآمرية المنتشرة في العالم لمعرفة مستوى الاعتقاد في صحة تلك النظريات التآمرية لدى مواطنيها.

وعلى أساس المعطيات المسحية، تمّ إجراء دراسات علمية دولية منشورة في مجلات العلوم الاجتماعية لمعرفة العوامل المختلفة التي تجعل الناس في العديد من البلدان يصدّقون نظريات المؤامرة، ويقعون تحت تأثيرها حيث يُخيّل إليهم أنّ العالم الذي نعيش فيه تحكمه قوى خفية غير ظاهرة لديها القدرة على التلاعب بالجميع لتصل إلى أهدافها.

تفترض نظريات المؤامرة دائمًا أنّ الأحداث الهامة وراءها جماعات منظّمة خفية، وأنّ تلك المجموعات لديها القدرة على الوصول إلى تحقيق مصالحها من خلال خلق تلك الأحداث دون مقاومة ودون علم الجمهور، مع أنّ السلطات العلمية لا تعترف بالأدلة الفضفاضة التي تقدّمها نظريات المؤامرة، عكس الأدلة العلمية التي تخوّل لنا إمكانية الوصول إليها والتأكد من وجودها أو عدمه.

ضعف التفكير العلمي والنقدي يجعل الفرد عرضةً سهلة للتفكير التآمري

لقد بيّنت العديد من الدراسات التأثيرات الخطيرة لبعض نظريات المؤامرة لما يعتقد في صحتها بعض الأفراد والمجموعات، فهي أولًا تضعف مستوى الثقة في المؤسّسات والحكومات، وتؤدي إلى الامتناع عن التلقيح كما رأينا ضد "كوفيد 19"، وحرمان الأطفال من التلقيح، ويمكن أن تجعل معتنقيها ينأون بأنفسهم عن المشاركة السياسية. كما تشجع المعتقدات التآمرية على نشر الكراهية ضد مجموعات معيّنة (اليهود، المسلمون، المهاجرون وغيرهم) وتشجّع التطرّف السياسي اليميني واليساري، وعلى ارتكاب أعمال عنف، من قبيل أحداث مبنى "الكابتول" لمناصري ترامب من جماعة تؤمن بنظرية المؤامرة.

لقد أظهرت العديد من الدراسات وجود عدة عوامل فردية وبنائية تجعل الأفراد عرضةً أكثر من غيرهم لتبني نظريات التآمر لتفسير الأحداث من حولهم، من ذلك تأثير التعليم المحدود، بل إنّه عاملٌ أساسيٌ في هذا الصدد، حيث إنّ ضعف التفكير العلمي والنقدي وسيادة التفكير الحدسي الطبيعي الفطري يجعل الفرد عرضةً سهلة للتفكير التآمري، كما أنّ الحرمان والتهميش والإحساس بفقد السيطرة وغياب المعايير (الأنوميا) وفقدان الثقة في المؤسّسات الحكومية يُعزّز لدى الأفراد سهولة تبني التفسيرات التآمرية التي تدّعي أنّ العالم الذي يعيش فيه الفرد يخضع لسيطرة قوى خفية توجه الأحداث وفق مصلحتها وهي من تتسبّب له في ذلك الحرمان.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن