في بلد 75% من سكانه يعيشون في الأرياف، وجعلت الأزمة الاقتصادية التي خلّفتها الحرب 80% من السكان تحت مستوى خط الفقر، فإنّ هذه الأوضاع ـلقت بظلالها على واقع التعليم الجامعي والتحاق الطلاب به بسبب عدم قدرة الأُسر على تحمّل نفقات انتقال أبنائها إلى مراكز المدن، وتفضيل غالبيتها إرسال الذكور منهم إلى سوق العمل للمساعدة في توفير المتطلبات المعيشية اليومية، فيما كان الزواج المبكر نصيب الإناث.
ومع أنّ وضع الجامعات في مناطق سيطرة الحكومة أفضل حالًا منها في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيين، حيث يحصل الأساتذة على رواتبهم الشهرية بانتظام، ولا يتم فرض إيديولوجيا سياسية أو مذهبية محددة على الجامعات والملتحقين بها، إلا أنّ تركّز غالبية السكان في المناطق التي يحكمها الحوثيون جعل الغالبية العظمى من الراغبين في مواصلة التعليم الجامعي ضحايا للأوضاع الاقتصادية والتوجّهات المذهبية لجماعة الحوثي، بحيث تتفاقم أزمة التعليم الجامعي هناك مع توقف صرف رواتب الاساتذة والموظفين وتخصيص عائدات تلك المناطق لصالح ما يُسمّى "المجهود الحربي"، وفتح الباب أمام الجامعات الحكومية لتتحوّل إلى جامعات خاصة حيث منحت تلك الإدارات ثلثي المقاعد في أهم الكليات للطلبة القادرين على دفع رسوم سنوية كبيرة فيما اقتصرت المقاعد المجانية على ثلث المتقدمين.
وتُظهر بيانات الالتحاق بالجامعات الحكومية في مناطق سيطرة الحوثيين تحديدًا تراجعًا كبيرًا في عدد الملتحقين، ومع هذه النسبة الضئيلة تم إغلاق كثير من الأقسام الأدبية، كما اتسعت مساحة المقاعد الدراسية المخصصة للميسورين في الكليات العلمية الثلاث التي يزيد الإقبال عليها، وهي الطب البشري والصيدلة وعلوم الحاسوب، وتجاوز سعر المقعد الدراسي سنويًا 5 آلاف دولار.
وأعاد عاملون في قطاع التعليم الجامعي أسباب هذا التدني إلى الأوضاع الأمنية والظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة، وتضاؤل استجابة سوق العمل لمخرجات التعليم الجامعي، فضلًا عن عزوف الشباب عن مواصلة التعليم، وتفضيلهم الانخراط في القوى العاملة لإعالة أنفسهم وذويهم.
كذلك من أسباب تراجع الإقبال على التعليم الجامعي، تركّز الجامعات في المدن الرئيسية، مقابل وجود أعداد هائلة من الشباب في الأرياف، في ظل عدم قدرتهم على مواجهة تكاليف التنقل والإقامة في حواضر المحافظات. غير أنّ الأستاذ في جامعة صنعاء منصور المنتصر يقدّم سببًا جوهريًا آخر لتدني الإقبال على الالتحاق بالجامعة، وهو إقحامها في أجندات المسيطرين على السلطة والتدخل في عمل المؤسسة التعليمية التي من المفترض أن تظل مستقلّة. كما يفيد القائمون على التعليم العالي بأنّ عدد الملتحقين بجامعة تعز الحكومية، نقص أيضًا إلى حوالى الثلث، هذا العام، وأعادوا اسباب ذلك إلى أن "معظم الطلبة الذين كانوا يشكلون رقمًا صعبًا في الجامعة، ينحدرون من مناطق تقع تحت سيطرة الحوثيين الذين يغلقون الطرق الرئيسية المؤدية إلى عاصمة المحافظة منذ تسعة أعوام ما جعل سكان هذه المناطق ينقطعون عن التعليم الجامعي أو يضطرون إلى البحث عن فرص للعمل".
ويؤكد الأستاذ في جامعة صنعاء عادل الشرجبي أنّ سنوات الحرب شهدت تراجعًا كبيرًا في معدلات الالتحاق بالتعليم الجامعي، وفي معدلات الالتحاق بالتعليم الثانوي، حيث يبلغ معدل الالتحاق حوالى 52% من إجمالي الطلاب، 85% منهم فقط يواصلون الدراسة حتى آخر صف من التعليم الثانوي.
كما يبيّن الشرجبي أنّ هناك نزيفًا حادًا في الكوادر الأكاديمية اليمنية، وهجرة عقول، فكثير من المبتعثين لا يعودون إلى اليمن، وبعض الأساتذة يحصلون على تفرّغ ولا يعودون بعد انتهاء التفرّغ، وبعضهم يهاجر إلى الغرب وإلى دول عربية أخرى، وبعض أعضاء هيئة التدريس يعيّنون في مواقع سياسية أو إدارية عليا، ويظلون يمارسون الوظيفتين، مما يؤدي إلى ضعف أدائهم فيهما.
وعلى مستوى تمويل التعليم، فإنّ أساتذة الجامعات والمعلّمين في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين لا يتقاضون مرتباتهم منذ شهر أكتوبر/تشرين الأول عام 2016، وتقدّر نسبة هؤلاء بحوالى 70% من إجمالي المعلّمين، وتتبادل الحكومة المعترف بها دوليًا والحوثيين الاتهامات حول المسؤولية عن صرف الرواتب، فحكومة الحوثي تقول إنّ الحكومة المعترف بها دوليًا مسؤولة عن صرفها منذ اتخذت قرارًا بنقل البنك المركزي اليمني إلى عدن، بينما تقول الحكومة المعترف بها دوليًا أنّ حكومة الحوثي مسؤولة عن صرف مرتباتهم باعتبارها سلطة أمر واقع.
فضلًا عن ذلك، لم تجرِ طيلة سنوات الحرب انتخابات للهيئات الإدارية لنقابات أعضاء هيئات التدريس في كل الجامعات اليمنية، وظلت الهيئات الإدارية التي تم انتخابها قبل أكثر من 12 عامًا تنشط في الجامعات التي تتواجد في المحافظات الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا فقط، في حين توقفت أنشطتها في مناطق سيطرة الحوثيين. وكذلك الحال مع اتحادات الطلبة بحيث استحدثت جماعة الحوثي كيانًا طلابيًا أمنيًا أطلق عليها ملتقى الطلاب يتولى مراقبة الطلاب وسلوكياتهم والأساتذة ويفرض قواعد أمنية صارمة على الأنشطة داخل الكليات الجامعية ويمتلك صلاحيات التبليغ عن الطلاب والأساتذة.
وتُظهر دراسة حديثة لمركز اليمن والخليج أنّ متوسط الإنفاق الحكومي على قطاع التعليم العام خلال سنوات العقد الأول من القرن الحادي والعشرين بلغ حوالى 5% من الناتج المحلي الاجمالي، وحوالى 14% من إجمالي النفقات العامة للدولة. وفضلًا عن تدني مخصصات قطاع التعليم، فإنّ حوالى 90% من نفقات التعليم كانت نفقات جارية، وعلى الرغم من عدم وجود معلومات حول تخصيصات الميزانية العامة منذ اندلاع الحرب في أواخر عام 2014، سواء في المناطق الخاضعة للحوثيين، أو في المناطق الخاضعة لسلطة الحكومة المعترف بها دوليًا، إلا أنّ المخصصات المالية تراجعت عما كانت عليه قبل اندلاع الحرب، بل إنّ المخصصات المالية من الحوثيين لتمويل التعليم الجامعي باتت "شبه منعدمة".