قضايا العرب

"المياه المشتركة" بين تونس والجزائر: محاصيل الحدود وتجاوزات السدود!

تونس - فاطمة البدري

المشاركة

وقّعت الجزائر وتونس وليبيا، في 24 أبريل/نيسان الماضي في العاصمة الجزائرية، اتفاقًا ثلاثيًا لإدارة المياه الجوفية المشتركة بالمناطق الحدودية بينها. خطوة هامة تأتي في فترة باتت هذه الدول تعاني من تبعات الجفاف على المحاصيل الفلاحية. كما أنّ إشراف الجزائر على هذه الخطوة يأتي كمحاولة للتغطية على ما بات يروج خاصة في تونس عن سوء استغلالها للمياء المشتركة.

ونصّ الاتفاق على إنشاء آلية، مقرّها الجزائر، للتشاور حول إدارة المياه الجوفية المشتركة على الحدود بين البلدان الثلاثة، وبهذا يكون موضوع إدارة المياه الجوفية المشتركة قد أصبح ضمن أهم الملفات المطروحة جديًا بعد أن ظلّ مغيّبًا لسنوات طويلة عن النقاشات رغم أهميته، وبعدما باتت هناك مخاوف من أن يتسبب هذا الملف في مشاكل كبيرة بين هذه الدول، وبخاصة بين تونس والجزائر.

تضمّ المنطقة الرابطة بين الجزائر وتونس وليبيا احتياطات كبيرة من المياه الجوفية قد تكون ملاذ هذه الدول الوحيد لمواجهة أزمة المياه المتوقعة في المستقبل، كما يمكن أن تتحول إلى قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة إذا ما فشلت الحكومات في التوصل لاتفاقيات تكفل التقسيم العادل لهذه  الموارد المائية.

وتمتد المياه الجوفية المشتركة بين الجزائر وتونس وليبيا على ما يزيد عن مليون كلم مربع، يوجد أغلبها في الجزائر، التي تمثل حصتها من طبقة المياه الجوفية المشتركة مساحة 700 ألف كلم مربع، فيما تتقاسم تونس وليبيا المساحة المتبقية بحوالى 80 ألف كيلومتر لتونس و250 ألف كيلومتر لليبيا.

وتستخرج الدول الثلاث سنويًا ما يقارب ثلاثة مليارات متر مكعب من المياه الجوفية، بينها 1.7 مليار متر مكعب بالنسبة للجزائر، فيما تستخرج تونس كمية تصل إلى 600 ألف متر مكعب، وليبيا 400 ألف متر مكعب.

وفي إطار سعيها لتحقيق أمنها المائي حتى وإن كان ذلك على حساب دول الجوار، تعتزم الجزائر رفع عدد السدود في البلاد إلى 139 سدًا بحلول سنة 2030. علمًا أنّ عدد السدود في الجزائر قد بلغ حاليًا 81 سدًا بسعة إجمالية تُقدّر بما يقارب 8 مليارات متر مكعب من المياه، والعديد من هذه السدود تقع على منابع أودية مشتركة مع تونس.

وبناءً عليه، تضررت عدة أودية تونسية من السياسة المائية الجزائرية لعل أبرزها وادي مجردة، الذي تراجع منسوب المياه فيه وضفافه بسبب الجفاف المسجّل في السنوات الأخيرة، وبعد إقدام الجزائر على تشييد عدد من السدود على مستوى المنبع بمنطقة سوق أهراس. وتجدر الإشارة إلى أنّ وادي مجردة الذي يُعتبر أهم نهر في البلاد التونسية، ينبع من سوق أهراس في شمال شرق الجزائر ويصب في خليج تونس وبحيرة تونس، حيث يبلغ طوله 450 كم منها قرابة 350 كلم بالتراب التونسي، ويستفيد الفلاحون من مياهه والأراضي المحيطة به في عدة مناطق من محافظات جندوبة وباجة ومنوبة.

وإذ تتزايد المخاوف في تونس، من أن تعمد الجزائر إلى زيادة السدود على وادي مجردة واحتكار المياه المشتركة ومنع تونس من الاستفادة منها، فإنّ مخاوف التونسيين لها ما يبررها، لا سيما وأنّ الجزائر أنشأت "سد عين الدالية" على وادي مجردة بسعة 75 مليون متر مكعب ودخل الخدمة عام 2017، كما شيدت سدًا ثانيًا على الوادي أيضًا لم يدخل الخدمة بعد وسعته 35 مليون متر مكعب، وهما مخصصان لمياه الشرب، وسدًا ثالثًا موجّها للسقي جنوب محافظة سوق أهراس.

من جهتها، تحاول الجزائر التخفيف من المخاوف التونسية عبر تأكيدها في كل مرّة أنّ مصادر المياه المشتركة بين الجزائر وتونس، وخاصة منبع ووادي مجردة وسوق أهراس تحكمها اتفاقيات ثنائية لا يمكن خرقها، وإشارتها إلى أنّ السدود التي أقامتها على هذه الأودية لم تدخل جميعها حيّز الخدمة ولا تعتمد كلها على المصدر نفسه. لكنّ تراجع المحاصيل الفلاحية في المناطق الحدودية التونسية مع الجزائر لا سيما تلك الواقعة على أطراف وادي مجردة بعد تشييد الجزائر لهذه السدود، يجعل من هذه التبريرات غير مقنعة بالنسبة للتونسيين، خصوصًا أنّ المناطق الجزائرية الحدودية الواقعة على أطراف الوادي ضاته لم تشهد الأزمة التي يعيشها الفلاحون التونسيون.  

ويؤكد خبير المياه ناجح بوقرة أنّ الجفاف في السنوات الأخيرة قد أدى إلى تدهور القطاع الفلاحي والزراعات على مستوى الشريط الحدودي التونسي مع الجزائر بخاصة في محافظات القصرين وقفصة والكاف، لكنّ الجفاف برأيه ليس السبب الوحيد لذلك، بل إنّ توجّه الجزائر لإقامة بعض السدود على مستوى الأودية العابرة للبلدين فاقم الأزمة وعمّقها، ولعل هذا ما يفسر ازدهار الإنتاج الفلاحي في المناطق الحدودية الجزائرية مع تونس.

وقال بوقرة موضحًا لـ"عروبة 22": "مع تتالي سنوات الجفاف وبدء الحديث جديًا عن كون دول شمال أفريقيا من أبرز الدول المهدّدة بالجفاف، بدأنا نلاحظ إما تراجعًا كبيرًا في مستوى المياه التي تصل الأودية في تونس أو جفاف بعضها. والغريب في ذلك أنّ هذا حدث منذ أن شيّدت الجزائر عددًا من السدود على مستوى منابع الأودية المشتركة بين البلدين. فمثلا وادي هريهر بقلعة سنان من محافظة الكاف كان يسقي حوالى 400 هكتار من الأراضي الحدودية التونسية، لكنه جف الآن بعد أن أحدثت الجزائر منشآت مائية على هذا الوادي، بينما في المقابل تسجل السدود الجزائرية نسبة امتلاء هامة".

في الخلاصة، تعيش تونس حالة كبيرة من الفقر المائي، عمّقها غياب سياسة مائية ناجعة، إذ إن نسبة 8% من الشعب التونسي باتوا محرومون من الماء الصالح للشرب!.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن