وجهات نظر

إنه "اليوم التالي" الطويل!

"لن يكون هناك يوم تالٍ قبل تفكيك حماس ومنعها من العودة لحكم غزّة".. كانت تلك آخر إجابات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على سؤال "اليوم التالي". ناقضت إجابته حقائق الموقف العسكري حيث الفشل ذريع في حسم أي من هدفيه المعلنين، تفكيك "حماس" واستعادة الرهائن.

إنه

بات شبه مستقر داخل المؤسستين العسكرية والأمنية أنّ كسب الحرب بلا أفق سياسي يكاد يكون مستحيلًا، لكنه رغم ذلك يبدو مستعدًا أن يمضي فيها دون أدنى استعداد لتقبّل قيام "دولة فلسطينية"، حتى لو كانت ممزقة الأواصر، منزوعة السلاح!

"إننا نقترب من الكارثة". كان ذلك تعبيرًا متواترًا لقادة عسكريين وأمنيين، بينهم شريكاه في مجلس الحرب بيني جانتس ويوآف جالانت.

لا يوم تالٍ ولا خطط ممكنة لأية ترتيبات في غزّة، إذا لم يكن هناك وعد مصدق بدولة فلسطينية بنهاية المطاف.

لا الأمريكيون جادون ولا الإسرائيليون متقبلون للفكرة من أساسها.

يستحيل أن تكون الإدارة الأمريكية بعيدة عن خفايا وخلفيات الصدامات المعلنة بين أقطاب حكومة نتنياهو

بنص كلام جالانت، وزير دفاعه وعضو "الليكود"، فإنه سوف يعارض "أي حكم عسكري إسرائيلي في قطاع غزّة".

أسبابه أنه "سوف يكون دمويًا ومكلفًا".

ما البديل؟.. لا شيء يقوله.

المعنى نفسه يردده جانتس، داعيًا إلى استراتيجية جديدة تستند على عقد صفقة رهائن وتفكيك "حماس"، وعدم احتلال غزّة بالاعتماد على قوة أوروبية إقليمية عربية تتولى المهمة!.. دون أن تمر فكرة الدولة الفلسطينية بخاطره!

كان مستلفتًا وصف جانتس لصفقة تبادل الأسرى والرهائن، التي أُجهضت، بأنها متوازنة وتحتاج تطويرًا، لكنه عزا إفشالها إلى السنوار لا نتنياهو!

بدا ذلك التفافًا على الحقيقة، التي يعرفها أكثر من غيره!

في مؤتمره الصحفي أنذر نتنياهو باستقالة حزبه "معسكر الدولة" من حكومة الطوارئ إذا لم يستجب إلى طلباته قبل 8 يونيو المقبل، معتبرًا التطبيع مع السعودية مسألة منتهية تنتظر التنفيذ!

تلك الانتقادات الحادة في روحها وصياغتها تكاد تقترب مما دأبت واشنطن على تبنيه، "أن تكون هناك خطة إسرائيلية واضحة ومحددة لليوم التالي".

يكاد يستحيل تمامًا أن تكون الإدارة الأمريكية بعيدة عن خفايا وخلفيات الصدامات المعلنة بين أقطاب حكومة نتنياهو، التي وصلت إلى التشاتم المقذع في وقت حرب!

حكومة نتنياهو، التي يطلق عليها "حكومة الطوارئ"، في النزع الأخير وإسرائيل كلها بوضع هش.

هذه حقيقة ماثلة لا يمكن نفيها، أو التجهيل بها.

اتسعت أزمة الثقة العامة في الجيش، وداخل الجيش نفسه.

لم تعد هناك ثقة يُعتد بها بالمستوى السياسي وقدرته على إدارة الحرب وفق مصالح الدولة لا باعتبارات سياسية وشخصية.

لماذا نقاتل ونموت في "وحل غزة"؟!

كان ذلك سؤالًا تردد صداه في احتجاجات أمهات الجنود والضباط، كما في تظاهرات أهالي الأسرى والرهائن.

لماذا يعفى اليهود الحريديم من الخدمة العسكرية فيما يموت أولادنا؟!

كان ذلك سؤالًا آخر طرح نفسه على خرائط التناقضات الإسرائيلية، التي انفجرت كلها مرة واحدة.

اليمين الصهيوني المتطرف يدافع باستماتة عن ذلك الإعفاء بذريعة منح الجيش البركة!

المفارقة هنا أنه الأكثر استعدادًا للتضحية بالأسرى والرهائن وبالجنود أنفسهم مقابل استمرار الحرب وتوسيعها!

"إنهم يدفعون المجتمع والدولة، الجيش والاقتصاد إلى "ماسادا جديدة"، أو "الانتحار الجماعي".

كان ذلك تعبيرًا للجنرال السابق إسحاق بريك، الذي أبدى خشيته من أن يفضي "توتير العلاقات مع مصر إلى تجميد اتفاقية كامب ديفيد واستعداء الجيش المصري الأقوى في المنطقة ضدنا". هكذا بالحرف.

لم تكن التظاهرات والاحتجاجات التي عمت المدن والجامعات الأمريكية والأوروبية جملًا عابرة بقدر ما كانت تعبيرًا عن حقائق جديدة تولد من تحت الرماد تعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية، كما لم يحدث من قبل.

التفاعلات العميقة سوف تأخذ وقتها ومداها لكي تُحدث أثرها داخل المؤسسات الغربية، لكننا لن نعود بأي حساب إلى الأوضاع التي كانت عليها القضية الفلسطينية قبل السابع من أكتوبر.

بقوة الحقائق على الأرض، الترتيبات المسبقة لليوم التالي يصعب تمريرها الآن.

استبعاد "حماس" شبه مستحيل بقوة الحقائق والتضحيات التي بذلت.

بقاء السلطة الفلسطينية شبه مستحيل آخر بقدر تهافت أدائها انتظارًا لأن تحصد نتائج تضحيات غيرها، أو أن تصعد مجددًا على حسابهم.

أسوأ ما قد يحدث إهدار الفرص السانحة بالتخاذل المفرط لتصحيح أوضاع القضية الفلسطينية

وصلت المهزلة المأساوية مداها في خطاب محمود عباس بالقمة العربية، حيث حمّل مسؤولية حرب الإبادة على غزّة إلى "حماس"، لا إلى آلة الحرب الإسرائيلية. مع ذلك فإنه مستبعد أمريكيًا وإسرائيليًا من حسابات المستقبل فقد تحللت سلطته وفقدت شرعيتها الأخلاقية.

إننا أمام إعادة صياغة لسيناريوهات المستقبل، اليوم التالي الطويل، الذي سوف يعقب الحرب على غزّة.

اليوم التالي الحقيقي، لا الافتراضي.

التحديات تضغط وتطرح نفسها على كافة اللاعبين الفلسطينيين والإقليميين والدوليين.

أسوأ ما قد يحدث إهدار الفرص السانحة بالتخاذل المفرط لتصحيح أوضاع القضية الفلسطينية كقضية تحرر وطني وتأكيد حق شعبها في تقرير مصيره بنفسه.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن