اقتصاد ومال

خرائط الاستثمار الأوروبي في شمال أفريقيا

يُعتبر برنامج الاستثمار في البنية التحتية أو ما يُطلق عليه "البوابة العالمية" للاتحاد الأوروبي، نموذجًا جديدًا للتعاون مع أفريقيا. هنا، يرى مارك فورنس وأنيبل هودريت بأنّ صانعي السياسات الأوروبيين والألمان بحاجة إلى معالجة المعضلات العملية والأخلاقية للاستثمار في البنية التحتية مع الحكومات الاستبدادية، خاصة في شمال أفريقيا.

خرائط الاستثمار الأوروبي في شمال أفريقيا

تُعدّ إشكالية التنمية والسياسة في ظل تغوّل الاستبداد، في شمال أفريقيا، محورية بخصوص الاهتمامات الكبرى في استراتيجية التعاون الأوروبي الألماني مع أفريقيا. وإذا كانت أوروبا قد تخلّت عمليًا عن تقديم مساعداتها التنمويّة لتحفيز التحوّل الديمقراطي في البلدان الغيرية، فإنّها سرعان ما تراجعت عن هذا القرار تحت ضغط الدّول غير الأعضاء في الإتحاد أمام ضغوط أولويات الأمن الأوروبي ومخاطر الهجرة.

من هنا جاءت ضرورة التعاون مع شمال أفريقيا، وفقًا للمصالح الأوروبية ذاتها، ممّا حفّزها بشكل مُتجدّد على دعمها المالي المتزايد لمواكبة التغيير السياسي في السنوات التي تلت ما يٌطلق عليه "الرّبيع العربي" ودعم الاستقرار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، خاصة منذ تعليق التجربة الديمقراطية في تونس عام 2021.

لم تجب المفوضية الأوروبية عن سؤال مَن المستفيد من التّعاون التنموي: المجتمعات المغاربية أم النّخب الاستبدادية؟

هكذا أصبح برنامج الاستثمار في البنية التحتية "البوابة العالمية"، باعتبارها النموذج الجديد للتعاون الأوروبي كحافز للاستثمار، لا يعير أيّ اهتمام لإشكالات الحوكمة والشّمول والحقوق. وهذا جعلها لا تتحرج من تعاملها مع الأنظمة الاستبدادية، ممّا جعل المفوضية الأوروبية تتناقض وهي تضع القيم الأساسية الستّ على موقعها الإلكتروني بتركيزها على قيم الديمقراطية والمعايير العالية والحوكمة الجيّدة والشّفافية. لكنّها لا تقدّم التفاصيل حول كيفية تأثير هذه المبادئ على مشاريع الاستثمار مع الشّريك المستبد. هنا تُثار أسئلة الخلفية الأخلاقية لنوعية وأهداف هذا الاستثمار، الشيء الذي لم تجب عنه المفوضية، كما أنّها لا تريد توضيح نوع القيم التي تريد أوروبا التّرويج لها في تعاونها الذي تصفه بالتّنموي. أي، لم تجب عن سؤال مَن المستفيد من هذا التّعاون؛ هل المجتمعات المغاربية أم النّخب الاستبدادية؟.

لم تقدّم ألمانيا أيّ جواب عن هذا السؤال، باعتبارها ممولًا رئيسيًا ومؤثّرًا في صنع القرار على مستوى الاتحاد الأوروبي. لأنّها تريد نصب الخدع بشعارات التّنمية بما يناسب مصالحها التي أصبحت تراها كامنة في شمال أفريقيا وفي كل جهاتها. ولو أنّها ترى أنّ اهتماماتها في شمال أفريقيا ينبغي أن تكون مختلفة من حيث الأُسُس عن جنوب الصّحراء الكبرى.

في دراستها للتحديات التي تنتظرها، الاقتصادية منها وقضايا الاستدامة الاجتماعية والبيئية والاعتبارات الجيوسياسية، لم تدرج ألمانيا أبدًا في حسبانها المآزق العملية والأخلاقية، حتى لا تنكشف نوايا حصولها على المنافع الضيّقة بما يتناقض مع شعاراتها في الديمقراطية وحقوق الإنسان.

إعمال الاستدامة البيئية عبر الصفقة الخضراء الأوروبية بهدف خلق توازنات سياسية داخلية بين الاستبداد والتنمية

وبالرغم من اعتقادها بدقّة دراستها، فإنّ ما يغيب عنها حجم المخاطر ووقعها على مبدأ التعاون، ممثّلة في هشاشة بيئة الأعمال ومناخ الاستثمار وغياب الشّفافية والمساءلة، فضلًا عن نوعية الضغوط الاجتماعية والاقتصادية التي تنبئ بـ"ربيع عربي" ثالث، لا أحد يعلم درجة تأثيره ونتائجه المحتملة.

إنّ مدخل تليين الاستبداد في شمال أفريقيا وإعمال الاستدامة البيئية عبر الصفقة الخضراء الأوروبية، بهدف خلق توازنات سياسية داخلية بين الاستبداد والتنمية، ليس في منظور ألمانيا إلا صيغًا لضبط أنماط الحوكمة ودعم المؤسّسات بلوغًا لبيئة سياسية تقوم على توافقات قد تستفيد منها النخب النّافذة الرّيعية التي تضمن لأوروبا جلب مصالحها العليا في المنطقة. لكنها نسيت أنّ أفريقيا عمومًا بصدد استبدال روابطها الاقتصادية التقليدية مع شركاء جدد، مثل تركيا ودول الخليج والصين، ممّا يجعل التّنافس قويًا ليس بالتصوّر نفسه الذي تراه وهي ترسم خرائط التوغّل السياسي والاقتصادي في شمال أفريقيا وأفريقيا قاطبة.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن