وحتى نهاية سبعينات القرن العشرين كان هذا التقليد ما زال سارًا. يدل على ذلك ما كتبه وألّفه مستعربون ومستشرقون من أعمال تخص الحضارة العربية.
ويمكن أن نرجع إلى القرن التاسع عشر حين كتب غوستاف لوبون كتابه: حضارة العرب عام 1884، وكتب كارل بروكلمان: تاريخ الآداب العربية 1898، وكتب اغناطيوس كراتكونسكي: تاريخ الأدب الجغرافي العربي (الذي صدر بعد وفاته عام 1951). عدا عن ذلك، ما صدر من مؤلفات حول العلوم عند العرب، وقد استمر هذا التقليد لدى مسستعربين معاصرين أمثال دومنيك سورديل الذي كتب عن حضارة العرب 1968.
كذلك فإنّ بعض المستشرقين المستعربين لم يكتفوا بالكتابة عن الحضارة العربية الإسلامية وآدابها وعلومها، فقد كتب العديد منهم مؤلفات عن أثر العرب على الغرب مثل كتاب زيغريد هونكة: شمس العرب تسطع على الغرب، الذي صدر في ستينات القرن العشرين، ثم كتاب مونتغمري واط، الذي كتب عام 1972: تأثير الإسلام في أوربا القرون الوسطى 1972، ثم كتاب مكسيم رودنسون: جاذبية الإسلام 1987.
لكن منذ عام 1979، تحوّل العالم الإسلامي من كونه يمثل حضارة عريقة كان لها إشعاعها العالمي، وكانت في أوجها تمثّل حداثة العالم في القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي، إلى ظواهر سياسية، فبعد أن أعلنت الجمهورية الإسلامية في إيران صراعها مع "الشيطان الأكبر"، أي الولايات المتحدة الأميركية، التي كانت تدعم الحركات الإسلامية في أفغانستان ضد الاحتلال السوڤياتي.
وفي عام 1981، اغتالت مجموعة من الإسلاميين الرئيس السادات، ولم يمضِ وقت طويل حتى قامت الحكومة الفرنسية بمنع ارتداء الحجاب في المدارس وتبعتها حكومات أوروبية بإجراءات مماثلة.
استخدام الإسلام من خلال جماعات هي من صنع أجهزة استخبارات أهلية ودولية
لم تعد الدراسات حول حضارة الإسلام وتاريخ الآداب والعلوم العربية تلفت الانتباه، في الوقت الذي أصبحت المقالات في الصحف الغربية والأحاديث في شاشات التلفزة تتحدث عن العنف الإسلامي والجماعات الإسلامية المتطرفة وجذور الإرهاب الإسلامي، حدث كل ذلك في وقت بدأت فيه ملامح ضعف الاتحاد السوڤياتي في سباق التسلّح، وبداية تفكك المنظومة الاشتراكية الذي انتهى بانهيار الاتحاد السوڤياتي وانتصار الغرب في صراعه مع الشرق والشيوعية والبحث عن العدو الذي هو الإسلام.
لا يمكن إنكار ظهور حركات متطرفة تنتسب إلى الإسلام، وهي الجماعات التي كانت تدعمها الولايات المتحدة الأميركية وتخلّت عنها بعد انهيار الاتحاد السوڤياتي. وبالرغم من تصاعد موجات العداء للغرب وخصوصًا في العالم العربي، الذي يمكن رده إلى الاحباطات ورسوخ الديكتاتوريات. فلا بدّ من التأكيد على استخدام الإسلام من خلال جماعات متورطة في سياسات إقليمية أوروبية، أو هي من صنع أجهزة استخبارات أهلية ودولية ولعل تنظيم "داعش" هو دليل على ذلك.
في كل هذه التطورات كان الإسلام، وتاريخه وحضارته وآدابه وعلومه، قد أصبح في آخر الاهتمامات، ولم يعد يُسمع ما يقوله الباحثون والأكاديميون عن الإسلام، إزاء الضجيج الذي يحدثه "خبراء" لا تاريخ لهم، يدّعون معرفتهم بالإسلام والشرق الأوسط والعالم العربي، يتحدثون عن الإرهاب والتطرّف.
لا بدّ من استعادة الثقة بتاريخ طويل من إنجازات الحضارة العربية والإسلامية وتحرير الإسلام من السياسة
في أعقاب 11 سبتمبر/أيلول 2001، كتب المفكر المصري جلال أمين كتابًا بعنوان: عصر التشهير بالعرب والمسلمين، يقول: "إنّ المسلمين والعرب يتعرضون اليوم، في عصر العولمة وإسرائيل، لحملة من التشهير والتحقير لا أظن أنهما تعرّضا لمثلها في تاريخهم الطويل، فالمرء يهوله صدى الاتساع الجغرافي للحملة إذ تمتد من أمريكا غربًا إلى الصين شرقًا..". ويعوّل جلال أمين على دور المثقفين العرب في الخلاص من ربقة النظام العالمي الجديد. خصوصًا أنّ أعدادًا من العرب والمسلمين يقولون ما يُقال ضدهم كحقيقة.
في خضم هذه الفوضى العالمية، والتي لا يمكن أن تخفي أغراض الحملة على الإسلام والعرب خصوصًا، لا بدّ من العودة إلى البديهيات، وإلى استعادة الثقة بتاريخ طويل من إنجازات الحضارة العربية والإسلامية، وإلى تحرير الإسلام من السياسة وممن يدّعون النطق باسمه من جماعات لا تُعرف أصولها وفصولها وأغراضها ومن يحرّكها.
(خاص "عروبة 22")