قضايا العرب

أبواب السلام توصد في اليمن.. وأبواب الجوع تُفتح!

اليمن - محمد الغباري

المشاركة

أوصدت أبواب السلام في اليمن بشكل كامل، بعد الانفراجة التي شهدها هذا المسار في نهاية العام الماضي وتوجت بالتوافق على خارطة طريق تشمل إجراءات اقتصادية وسياسية، مع تمسك الحوثيين باستمرار مهاجمة طرق الملاحة في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن، ونقل الملف اليمني من إطاره الإقليمي إلى يد الفاعلين الدوليين، وبالذات الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين.

أبواب السلام توصد في اليمن.. وأبواب الجوع تُفتح!

مصادر سياسية يمنية وأخرى دبلوماسية أكدت لـ"عروبة 22" أنّ "مصير خارطة طريق السلام أصبح اليوم بيد الولايات المتحدة وبريطانيا، وتؤيدها في ذلك مجموعة الدول الكبرى الأخرى، خاصة بعد فشل المحاولات الإقليمية والحوثية للفصل بين مسار التسوية في اليمن والهجمات في البحر الأحمر لارتباطها بالأحداث في قطاع غزّة"، وشددت على أنّ "أي حديث عن تلك الخارطة لم يعد ممكنا الآن"، بل وذهبت إلى حد التشكيك بإمكانية صلاحياتها مستقبلًا بسبب تطورات الأوضاع داخليًا وإقليميًا.

ووفق هذه المصادر، فإنّ الملف اليمني مرتبط بالمحادثات التي تجريها الولايات المتحدة مع إيران والتي عقدت الجولة الأخيرة منها في العاصمة العُمانية مسقط، مبيّنةً أنّ التحركات التي يجريها المبعوث الأممي هانس غروندبورغ، والأمريكي تيم ليندركينج، لم تُحقّق أي انفراجة في سبيل إحياء خارطة الطريق لأنّ واشنطن تعتبر أنّ بنود الخارطة تشكل "مكافآة" للحوثيين، في وقت يواصلون استهداف السفن المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية والبوارج الحربية الأمريكية التي تتولى حماية السفن في مضيق باب المندب وخليج عدن.

وفي حين أكدت أنّ جهود الأمم المتحدة تركّز حاليًا على كيفية منع انهيار التهدئة التي ترعاها منذ أكثر من عامين، في ظل تصاعد الخروقات في أكثر من محافظة، نبهت المصادر نفسها إلى أنّ كل الدعوات التي يطلقها قادة الحوثيين للمملكة العربية السعودية من أجل تجاهل الضغوط الدولية والمضي في تنفيذ خارطة طريق السلام، لم تلقَ استجابة ولا يتوقع أن يتم التفاعل معها، وذلك يعني أنّ مسار السلام في اليمن قد رُحّل إلى ما بعد الانتهاء من الأحداث الدائرة في الأراضي الفلسطينية، أو إبرام صفقة بين طهران وواشنطن حول هجمات الحوثيين.

5.8 مليون يمني يواجهون الجوع

هذه التطورات ترافقت وتأكيد برنامج الأغذية العالمي أنّ إيقافه توزيع المساعدات الغذائية في مناطق سيطرة الحوثيين تحديدًا أدى إلى تدهور كبير في استهلاك الغذاء، بحيث بلغ مستويات مقلقة في بعض المحافظات.

وفي تحليله حول أثر توقف المساعدات منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي نتيجة الخلاف مع الحوثيين حول تحديد قوائم المستفيدين في تلك المناطق، ذكر برنامج الأغذية العالمي أنّ الإيقاف أدى إلى تدهور كبير في مستوى استهلاك الغذاء بين المستفيدين السابقين من هذه المساعدات مع حلول فبراير/شباط الماضي. وقال إنّ 61% من الأُسر التي شملتها الدراسة التحليلية وكانت تتلقى المساعدات، أفادت بأنها أصبحت تعاني من الحرمان الشديد من الغذاء.

ووفق بيانات "الأغذية العالمي"، فإنّ ما يعادل 5.8 مليون شخص من حوالى 9.5 مليون مستفيد، يعانون من انتشار سوء استهلاك الغذاء الذي وصل إلى مستويات مقلقة في المحافظات الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وتصدّرتها محافظة حجة بنسبة 165% من السكان الذين يواجهون سوء استهلاك الغذاء، تليها محافظة المحويت بنسبة 106%، ثم محافظة ذمار بنسبة 95%، والحديدة (84%)، وصنعاء (80%)، وعمران (61%)، والبيضاء (57%)، والجوف (56%)، ومدينة صنعاء (24%).

بالإضافة إلى ذلك، بيّن "الأغذية العالمي" أنّ معدّل انتشار سوء استهلاك الغذاء ارتفع أيضًا بين الأُسر النازحة في محافظة عمران شمال صنعاء إلى 41% في فبراير/شباط مقارنةً بنسبة 25% في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، وقال إنّ نتائج المسح كشفت عن تدهور كبير في أنماط استهلاك الغذاء بين المستفيدين السابقين من المساعدات.

من جهتها، ذكرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونسيف" أنه بحلول سبتمبر/أيلول القادم، من المتوقع أن تصل الاحتياجات الإنسانية في اليمن ذروتها السنوية قبل موسم الحصاد الرئيسي، وقالت إنه من المتوقع أن يزداد انعدام الأمن الغذائي في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون وبلوغ حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة من التصنيف المرحلي المتكامل) وهي المرحلة التي تفصل عن مرحلة المجاعة.

وفي غياب أي افق واضح للسلام، وتصعيد أطراف الصراع للحرب الاقتصادية بينهما، فإنّ التقديرات تشير إلى أنّ أكثر من 18.2 مليون شخص في اليمن، بما في ذلك 9.8 مليون طفل، سيحتاجون إلى المساعدة الإنسانية والحماية خلال العام 2024. وخلال الربع الأول من العام الحالي، من بين 4.56 مليون شخص ما زالوا نازحين في جميع أنحاء البلاد، يعيش ما يقرب من 1.5 مليون في 2,382 موقع نزوح جماعي.

ولا تقتصر التحديات التي يواجهها اليمن على ذلك، إذ تفيد التقارير الأممية بتفشي مرض الكوليرا وتسجيل نمو 50 ألف "حالة اشتباه" منذ أواخر عام 2023، وقد سُجّلت زيادة في حالات الإسهال المائي الحاد/الكوليرا في المحافظات الخاضعة لسيطرة الحوثيين منذ مارس/آذار الماضي، وتم الإبلاغ عن أكثر من 6,029 حالة من حالات الإصابة بالإسهال المائي الحاد/الكوليرا، مع 56 حالة وفاة خلال النصف الثاني من الشهر ذاته.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن