تعيش اسرائيل اليوم حالة من العُزلة المتزايدة بعدما خسر رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو على مدار 22 شهرًا من الحرب الهمجية الدعم الذي سبق وحصل عليه عندما حوّل 7 أكتوبر الى "يوم تاريخي" وحشد حوله قادة وزعماء أبدوا دعمهم وتضامنهم اللامشروط مع تل ابيب، الا انه اليوم يبدو وحيدًا الا من دعم الولايات المتحدة التي يخرج رئيسها دونالد ترامب في تصريحات متناقضة لدرجة تعجز معها عن فهم الخطوة المقبلة، فحينًا يعيد الحديث عن تهجير الفلسطينيين وحينًا اخر ينتقد الاوضاع في القطاع ويعد بالحلول وهو الذي طالما "تغنى" بنفسه كصانع للسلام وكرر مرارًا "لولا وجودي في البيت الأبيض لشهدتم حروبًا كثيرة".
الا ان هذا "المديح" لا يتوافق مع سير ما يجري سواء في غزة المنكوبة أو الضفة الغربية المحتلة التي يتحمل سكانها غدر المستوطنين الاسرائيليين واجرامهم وبطشهم بشكل يومي برعاية ودعم من قوات الاحتلال بعدما تزايدت وتيرة هجماتهم بشكل مطرد في الآونة الأخيرة. فجيلٌ فلسطيني كامل يعيش حالة من الخوف والوجع والتهجير بينما يفشل المجتمع الدولي ويعجز عن وضع حد لـ"مقصلة" الموت التي تحصد يوميًا المزيد من الشهداء والجرحى والمعتقلين. فعلى الرغم من الخطوات الغربية الاخيرة، والتي باتت تُشبه بـ"تسونامي سياسي"، والهادفة الى الاعتراف بالدولة الفلسطينية الا ان ذلك "لا يسمن ولا يغني من جوع"، لانه يُعتبر مجرد خطوة فيما الاوضاع في الميدان تتخذ منحى شديد الخطورة مع تلويح اسرائيل بضم أراضي من القطاع اليها او بإحتلال غزة بأكملها في حال فشل المفاوضات ناهيك عن اقرار الكنيست الإسرائيلي مشروع قانون لفرض السيادة الاسرائيلية على الضفة وغور الاردن.
وتستفيد تل أبيب من دعم الرئيس ترامب الذي وصفه نتنياهو بـ"أعظم صديق وجدته اسرائيل في البيت الابيض" لانه يغض النظر عن المخططات الاستيطانية التوسعية وجرائم الاحتلال الوحشية في قطاع غزة كما يقوم بفرض عقوبات وآخرها أمس على مسؤولين في السلطة و"منظمة التحرير" الفلسطينيتين بحجة "دعم الارهاب". وفي سياق متصل، رمى ترامب، كعادته، الكرة في ملعب حركة "حماس" حينما رأى أن أسرع طريق لإنهاء معاناة غزة هي استسلام الحركة واطلاق سراح الرهائن. ويأتي ذلك بينما أجرى مبعوثه للشرق الاوسط ستيف ويتكوف محادثات في اسرائيل في محاولة لدفع مفاوضات وقف النار المتعثرة بعد فشل جولة المباحثات الاخيرة في العاصمة القطرية، الدوحة كما التعامل مع الأزمة الإنسانية المتفاقمة في القطاع الفلسطيني حيث حذر مرصد عالمي لمراقبة الجوع من حدوث مجاعة.
هذا وأشارت المتحدثة باسم الابيض كارولاين ليفيت الى أن ويتكوف والسفير الأميركي في إسرائيل مايك هاكابي سيزوران غزة اليوم، الجمعة، لتفقد مواقع توزيع المساعدات، وسيقدمان إحاطة للرئيس ترامب بعد الزيارة للموافقة على الخطة النهائية لتوزيع المساعدات. وتتلقى "مؤسسة غزة الانسانية" المدعومة اميركيًا المزيد من الانتقادات بسبب فشلها في تقديم المعونات للفلسطينيين كما تحولها الى "مصيدة للموت" مع ارتفاع اعداد الشهداء بالقرب من مراكز التوزيع الى 1330 شخص في وقت ايضًا يشهد القطاع المزيد من وفيات التجويع والذين تخطوا الـ159 شهيدًا، من بينهم 90 طفلًا، نتيجة سوء التغذية وغياب الاحتياجات الاساسية وعلى رأسها الحليب والمكملات الغذائية والادوية.
وفي اليوم الخامس على التوالي مما اسمته اسرائيل بـ"الهدنة الانسانية" لم تتحسن الاوضاع مع تعمد الاحتلال تصعيد عملياته العسكرية وفرض تفتيش طويل ومذّل لشاحنات المساعدات التي تدخل القطاع ومعظمها يتعرض للنهب والسرقة ما يُعقد حياة الفلسطينيين غير القادرين على تأمين قوت يومهم بسبب ندرة المواد الغذائية من جهة والارتفاع الحاد في الاسعار من جهة ثانية. ويعيش سكان القطاع على أمل التوصل الى هدنة وهو ما لا يزال دونه الكثير من العقبات بسبب رفع اسرائيل سقف المطالب وتمسكها بها ورفض التشاور بشأنها وخاصة ما يتعلق بخرائط الانسحاب من القطاع، فيما جدّدت "حماس" جاهزيتها للانخراط الفوري في المفاوضات في حال وصول المساعدات لمستحقيها وإنهاء المجاعة في غزة. وحالة التجويع التي يتنكر لها نتنياهو وينفي حصولها برزت بشكل واضح من خلال مقطع الفيديو الذي نشرته "سرايا القدس" للأسير الاسرائيلي روم بارسلافسكي والذي ناشد بإدخال الطعام ووقف حملة التجويع والحرب قائلًا "إذا لم يكن من أجل أطفال غزة، فافعلوه من أجل أسراكم، أدخلوا الطعام والشراب، أنا أسترحمكم".
الاوضاع الخطيرة في غزة لم تحجب الضوء عما يجري على الصعيد السوري الذي يشهد سلسلة من التحركات واللقاءات، فمن موسكو بدا وزير الخارجية اسعد الشيباني واضحًا لجهة فتح صفحة جديدة في تاريخ العلاقات بين البلدين وفي اطار يختلف عما جرى في الماضي، خاصة ان موسكو كان لها دور كبير بتقديم الدعم للنظام السابق وتدخلها في سوريا لسنوات طويلة واحتضانها بشار الاسد وعائلته منذ اللحظة الاولى لسقوط النظام. الا ان المصالح المشتركة بين دمشق وموسكو تحتم مقاربة جديدة ورؤية مختلفة وهو ما يسعى اليه البلدين كما بدا واضحًا أمس من خلال الاتفاق على تشكيل لجنة حكومية مشتركة لمراجعة كل الاتفاقيات الحكومية والعقود المبرمة بين البلدين، في أول خطوة عملية لوضع ترتيبات جديدة للعلاقة.
ومن موسكو الى الداخل السوري المحتقن حيث "النار لا تزال تحت الرماد" بعد احداث السويداء الاخيرة وما نتج عنها من انتهاكات واشتباكات مسلحة استمرت أسبوعًا كاملًا. وتحاول الادارة الجديدة معالجة ذيول ما جرى حيث أعلنت وزارة العدل السورية تشكيل لجنة للتحقيق في أعمال العنف التي وقعت في المحافظة وذلك في محاولة لتهدئة الشعب السوري من جهة وطمأنة المجتمع الدولي من جهة اخرى. ويتزامن ذلك مع "المدح" الذي اغدق به المبعوث الأميركي الى سوريا توم برّاك الرئيس أحمد الشرع، معلنًا انه "يثق أن الرئيس السوري يحمل نيات صادقة وأهدافه في سوريا متسقة مع أهداف الولايات المتحدة وحلفائها"، مشيرًا الى أن "هدف واشنطن الأول هو تجنب التصعيد بين سوريا وإسرائيل، ومن ثم ستسعى للتطبيع والسلام بينهما". وتجهد دمشق لرفع العقوبات الأميركية المفروضة عليها على مدار عقود، وقد أعلن الرئيس الأميركي في أيار/مايو الماضي موافقته على رفع تلك العقوبات إلا أن بعضها ما يزال يحتاج إلى إجراءات تشريعية.
على الصعيد اللبناني، مهّد رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون لجلسة مجلس الوزراء والمنوي انعقادها مطلع الأسبوع المقبل بهدف بحث فحوى الورقة الاميركية والمتعلقة بنزع سلاح "حزب الله" وفرض سيطرة الدولة الشرعية على كامل اراضيها، مشيرًا إلى أن الجانب اللبناني أجرى عليها تعديلات جوهرية، وسيتم طرحها وفق الأصول لتحديد المراحل الزمنية لتنفيذها. ونبه عون من أن "المرحلة مصيرية ولا تحتمل استفزازًا أو مزايدة تضر ولا تنفع"، متوجهًا بنداءٍ "للذين واجهوا العدوان ولبيئتهم الوطنية الكريمة أن يكون رهانكم على الدولة وحدها". وهذا الرهان لا يزال موضع "شك" لدى الحزب الذي حسم أمينه العام نعيم قاسم الموقف بالتمسك بالسلاح ورفض "الاملاءات الاميركية". فيما تشتّد الضغوط الدولية على لبنان وتدفعه نحو اتخاذ خطوات جدية وفعالة لحل مسألة سلاح الحزب.
وهذا النقاش الطويل والمُعقد الذي يختزل الحراك السياسي في لبنان حاليًا يترافق مع شنّ الاحتلال الاسرائيلي سلسلة غارات مكثفة في جنوب لبنان والبقاع استهدفت، بحسب الجيش الإسرائيلي، "بنية لإنتاج المتفجرات المستخدمة في تطوير وسائل قتالية لـ"حزب الله" وموقع تحت الأرض لإنتاج صواريخ ولتخزين وسائل قتالية استراتيجية". بدوره، قال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس إن "الجيش يشنّ في هذه الأثناء هجمات مكثفة على بنى تحتية تابعة لمنظمة "حزب الله" الإرهابية في لبنان، بما في ذلك أكبر موقع لإنتاج الصواريخ الدقيقة"، لافتًا إلى استهداف هذا الموقع سابقًا.
دوليًا، وقع الرئيس الأميركي أمرًا تنفيذيًا يفرض رسومًا جمركية مضادة تتراوح بين 10% و41 % على السلع المستوردة من عشرات الدول كما أعلن عن زيادة الرسوم الجمركية على السلع الكندية من 25 % إلى 35 %، والتي من المقرر أن يبدأ تطبيقها اعتبارًا من الأول من شهر آب/ أغسطس الحالي. ومنذ وصوله الى البيت الابيض بدأ الرئيس ترامب هذه المعركة التي لها تداعيات سياسيةً واقتصادية وذلك بحجة استخدامها كـ"ورقة للمساومة" والضغط على الدول تحت شعار "أميركا أولًا" من خلال تقليص العجز التجاري لبلاده مع الكثير من شركائها التجاريين.
وهنا جولة عما تناولته الصحف العربية الصادرة اليوم:
تحت عنوان "التزام قطري بدعم سوريا"، كتبت صحيفة "الراية" القطرية "الموقف القطري الداعم لوحدة سوريا وسيادتها واستقلالها، وتحقيق تطلعات شعبها وبناء دولة المؤسسات والقانون ظل ثابتًا على الدوام، فقطر لديها التزام تجاه الأشقاء بالوقوف معهم لتجاوز هذه المرحلة الحساسة والتي ستعبر بسوريا إلى المستقبل المشرق"، موضحة أن "إجمالي مساهمات صندوق قطر للتنمية في قطاع الكهرباء في سوريا يصل إلى أكثر من 760 مليون دولار أمريكي، تأكيدًا على التزام دولة قطر الثابت بدعم الشعب السوري الشقيق، وتعزيز البنية التحتية الحيوية لضمان حياة كريمة وآمنة للمواطنين".
وعما يحدث على الصعيد الفلسطيني، لفتت صحيفة "الأهرام" المصرية الى ان "التوسع في مسار الاعتراف بالدولة الفلسطينية، في إطار حل الدولتين، سيعمل على توفير أفق سياسي لتحقيق التسوية العادلة والمستدامة للقضية؛ باعتبارها الضمانة الوحيدة لتحقيق السلام الدائم، في إقليم يئن من الاضطرابات والسلام المفقود"، مشددة على ان "مصر ستبقى دائمًا حاضرة لتضيء الطريق لتحقيق العدالة للقضية ورفع الظلم عن الشعب الفلسطيني، وخير سند وأكبر داعم للأشقاء".
بدورها، رأت صحيفة "عكاظ" السعودية أن "حكومة نتنياهو لا تهتم فعليًا باستعادة الأسرى، بل تستغل هذه الورقة من أجل تحقيق مجموعة أخرى من الأهداف التي طالما طمحت لتحقيقها، فعملية 7 أكتوبر قدّمت لحكومة نتنياهو الفرصة على طبق من ذهب لتحويل قطاع غزة إلى جحيم". وقالت "الدموع التي تذرفها الآن بعض الدول الغربية لا تجد لها آذاناً صاغيةً في إسرائيل، غير أنها لن تغيّر سيرورة الحرب الظالمة ضد شعب بأكمله، فهي إن لم تقترن بقرارات حاسمة كوقف تصدير شحنات الأسلحة لها وفرض عقوبات اقتصادية ضدها فإن الحرب ستستمر إلى مدى لا يعلمه سوى الله".
في سياق آخر، اعتبرت صحيفة "اللواء" اللبنانية ان "ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة بقيت مجرد شعارًا للإستهلاك الداخلي، ولم تأخذ طريقها إلى التنفيذ العملي، بسبب غياب الحد الأدنى من التنسيق بين الجيش والمقاومة، في كل المراحل السابقة، التي شهدت تفرداً من الحزب بإتخاذ قرارات"، مستنتجة أن "مضمون خطاب الرئيس جوزاف عون، والقرار المتوقع صدوره عن مجلس الوزراء بخصوص سلاح "حزب الله"، قد يعتبره البعض شرًا لا بد منه، ولكن في مطلق الأحوال يبقى الشر الداخلي الأصغر أهون على البلد من الشر الخارجي الأكبر، وما يحمله من تهديد للإستقرار الأمني والإجتماعي"، بحسب تعبيرها.
(رصد "عروبة 22")