صحافة

أزمة غزّة تكشف عن خلل كبير في النظام العالمي

محمد فايز فرحات

المشاركة
أزمة غزّة تكشف عن خلل كبير في النظام العالمي

بعض الأزمات الإقليمية والدولية تكتسب خصوصية من زاوية الدور الذي تلعبه في الكشف عن العديد من الظواهر المهمة. فقد كشفت مجموعة الأزمات التي وقعت خلال العقود الثلاثة الأخيرة منذ تفكك الاتحاد السوفيتي، عن تآكل العديد من الأسس والمبادئ التي قام عليها النظام العالمي الذي تأسس عقب الحرب العالمية الثانية، بدءا من تراجع مفهوم السيادة بمعناه التقليدي وإعادة تعريفه بهدف توسيع حق التدخل الخارجي، وانتهاء بتراجع الوزن النسبي للمنظومة الأممية كإطار لإدارة وتسوية الأزمات الدولية والإقليمية. ينطبق ذلك على أزمة العدوان الإسرائيلي الجاري على قطاع غزة، لكنها كانت الأكثر دلالة في الكشف عن حجم الخلل في النظام العالمي وحجم التآكل الذي طال المبادئ الأساسية التي يقوم عليها.

أول ما كشفت عنه الأزمة الراهنة هو التآكل الخطير للأساس الأخلاقي للنظام العالمي. العلاقة بين العلاقات الدولية والقيم والأخلاق هي علاقة جدلية، ففي مقابل نظريات العلاقات الدولية التي دافعت عن الطابع الصراعي للعلاقات الدولية، ومركزية مفاهيم القوة والمصلحة...إلخ، ظلت هناك بعض النظريات التي دافعت عن أهمية القيم والأخلاق في العلاقات الدولية، بل اعتبارها أحد أشكال ومصادر قوة الدولة. كما ظلت هناك العديد من القيم العليا التي حكمت السياسات الدولية، منها الحق في تقرير المصير. لكن الأخطر أن أزمة العدوان على قطاع غزة كشفت عن بعد آخر هو التراجع الخطير في أخلاقية السياسات الدولية، خاصة تجذر حالة ازدواجية المعايير الدولية، والكيل بمكيالين، والتضليل الإعلامي، والسرديات الزائفة، والاعتداء على القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، والاعتداء على حقوق الإنسان، والتطاول على الأمم المتحدة والموظفين الأمميين، وغيرها من الممارسات التي تقوض في التحليل الأخير الأساس الأخلاقي للنظام العالمي والسياسات الدولية.

يعمق من الآثار السلبية لهذا الاتجاه ارتباطه بالقوة العظمى المهيمنة على قمة النظام العالمي، وعدد من حلفائها، الأمر الذي يسرع من تقويض شروط استقرار هذا النظام. أحد مداخل تأسيس النظام العالمي واستقراره هو وجود قوة عظمى تقبل الجماعة الدولية باضطلاعها بحالة الهيمنة على النظام العالمي، مقابل تولي هذه القوة توفير الخدمات العامة الدولية الأساسية، وعلى رأسها الأمن العالمي، وحماية القانون الدولي، وحرية الملاحة الدولية، وحرية التجارة، وتسهيل فرص النفاذ إلى التمويل الدولي، خاصة خلال فترات الركود الاقتصادي، وغيرها. ويذهب عدد من منظري العلاقات الدولية إلى أن هناك عاملين رئيسيين وراء اضطلاع الدولة المهيمنة بهذه المسؤولية، أولهما «المسؤولية الأخلاقية»، وثانيهما أنه لا توجد دولة أخرى بإمكانها تحمل تكاليف توفير هذه الخدمات. ويظل اعتراف وقبول المجتمع الدولي بحالة الهيمنة تلك مرهونا بقدرة هذه القوة العظمى على توفير هذه الخدمات وحمايتها.

أزمة العدوان الإسرائيلي على غزة كشفت عن خللين كبيرين، أولهما عدم قدرة الولايات المتحدة على التصرف كقوة عظمى مسؤولة عن حماية أمن إقليم الشرق الأوسط، الذي ما زال أحد الأقاليم شديدة الأهمية والحساسية بالنسبة للأمن العالمي. ثانيهما أنها (الولايات المتحدة) لم تستطع التمييز بين مسؤولياتها كقوة عظمى تجاه واحدة من أخطر الأزمات التي مر بها الإقليم، ومسؤوليتها كحليف إستراتيجى لإسرائيل.

هذان الخطآن الإستراتيجيان الكبيران يُضافان إلى سلسلة من الأخطاء أو مظاهر الضعف السابقة التي ارتبطت بجائحة كوفيد-١٩، ثم الحرب الروسية- الأوكرانية. ففي الأولى، على سبيل المثال، تم التوسع في تسييس قضية فنية، الأمر الذي أدى إلى تقويض منظمة الصحة العالمية، التي مثلت وجهة أساسية في الهجوم الأمريكي على الصين، ما أدى بدوره إلى تقويض فرص التعاون متعدد الأطراف لمواجهة تحد عالمى غير تقليدي. وفي الثانية، تم التوسع في آلية العقوبات خارج النظام متعدد الأطراف، ما ساهم في تقويض مبادئ حرية التجارة العالمية.


لقراءة المقال كاملًا إضغط هنا


("الأهرام") المصرية

يتم التصفح الآن