صحافة

السياسة الخارجية الإيرانية ما بعد رئيسي

وليد محمود عبدالناصر

المشاركة
السياسة الخارجية الإيرانية ما بعد رئيسي

السياسة الخارجية في إيران يشارك في صنعها أكثر من مسؤول وأكثر من مؤسسة. فهناك الدور الرئيسي لمرشد الثورة خامنئي وكذلك دور مهم لرئيس الجمهورية، وأدوار لكل من وزارة الخارجية والحرس الثوري والأجهزة الأمنية، دون الانتقاص أيضاً من دور مجلس الشورى (البرلمان) ومؤسسات أخرى لها دور ورأي في صياغة السياسة الخارجية الإيرانية، بالإضافة إلى المؤسسات التي تقوم بتنفيذ السياسة الخارجية. وبمعنى آخر، فمن الناحية العملية لا يعتقد أن وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي ستؤدي إلى أي تغييرات ذات طابع جذري في السياسة الخارجية الإيرانية.

وعلى صعيد الدور الإقليمي لإيران وعلاقاتها بالجيران في الدوائر الإقليمية التي تنتمى إليها ومدى تعاظم وزنها وتأثيرها الإقليمي، يمكن القول إن السنوات الثلاث المنقضية من فترة رئاسة رئيسي شهدت بعض النجاحات التي كانت لها قيمتها على هذا الصعيد وفي أكثر من مجال ونطاق جغرافي محيط بإيران.

فقد تحقق اختراق نوعي على صعيد العلاقات الإيرانية السعودية وشهدت تحسنا مطردا، خاصة إذا ما قارنا ذلك بالأنماط السائدة في السابق لتلك العلاقات، وهو أمر يتعين في حقبة ما بعد رئيسي أن تعمل القيادة الإيرانية على تعزيز ما تحقق بشأنه وعلى ضمان استمراريته، حيث شهد الماضي حالات تحسن في تلك العلاقات ما لبثت أن انتكست وتراجعت بفعل عوامل متصلة بأحد البلدين أو باعتبارات إقليمية أو دولية أخرى. وكان لهذا التحسن اللافت في العلاقات الإيرانية السعودية بدوره انعكاس إيجابي، بداية بعلاقات إيران مع بقية بلدان منطقة الخليج، وصولاً إلى الصعيد العربي ككل.

ويتصل بالتحسن في العلاقات مع الجيران، ما طرأ من تحسن على علاقات إيران مع دول آسيا الوسطى والقوقاز، والتي توجد روابط تاريخية تتنوع ما بين العلاقات العقائدية واللغوية والثقافية بين شعوب بعض تلك البلدان وبين الشعب الإيراني. فعلى سبيل المثال نجحت إيران في عهد الرئيس الراحل في تحقيق قدر من التوازن في علاقاتها مع كل من أرمينيا وأذربيجان بالرغم من الخلاف المستعر بين الدولتين من جهة وسابق اتهام أذربيجان لإيران في مراحل سابقة بدعم أرمينيا ضدها، ويشهد آخر حدث خارجي شارك فيه رئيسي قبل وفاته وهو افتتاح سد على الحدود الإيرانية الأذارية بما يعكس التحسن الذي طرأ في علاقات إيران مع أذربيجان.

ومن المفترض أن تسعى القيادة الإيرانية في الفترة القادمة لمواصلة العمل من أجل تحسين علاقات إيران مع الدول العربية التي تعتري علاقاتها مع إيران مشكلات أو أزمات، وتطبيع العلاقات معها وتسعى لتجنب تصعيد مفاجئ وغير متوقع مع إسرائيل بينما تحتفظ بعلاقات قوية مع تركيا ودول آسيا الوسطى والقوقاز دون أي مساس بشبكة علاقات تحالفاتها الإستراتيجية في الشرق الأوسط التي تكسبها مكانة خاصة ووزنا في التأثير على قضايا المنطقة.

وإذا انتقلنا من الصعيد الإقليمي إلى الصعيد الدولي، نجد أن علاقات إيران في عهد رئيسي استمرت في التميز والمتانة مع كل من روسيا والصين، ونجحت إيران من خلال ذلك في ضمان دعم الدولتين الدائمتي العضوية في مجلس الأمن للحيلولة دون صدور أي قرارات معادية لإيران من المجلس. وقد برزت قوة العلاقات بين طهران وكل من موسكو وبيجين عبر انضمام إيران إلى كل من تجمع البريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون واللذين تحظى روسيا والصين بعضويتهما. ومن المتوقع أن تواصل إيران نهج تعزيز شراكتها الإستراتيجية مع كل من روسيا والصين وذلك لتحقيق عدة أهداف: تلبية المصالح الوطنية الحيوية والإستراتيجية لإيران، بما في ذلك المصالح الجيو سياسية والاقتصادية، ومواصلة تعزيز الدور الإقليمي والدولي لإيران، والعمل من أجل موازنة الضغوط التي تمارسها عليها الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من حلفائها الغربيين.

وبالمقابل فإن العلاقات بين طهران وواشنطن قد استمرت متوترة ويشوبها درجات من العداء، وتخلل ذلك تصريحات عدائية بين مسؤولي الجانبين التنفيذيين والبرلمانيين على حد السواء، واستمر تبادل الاتهامات بينهما: من إيران بأن الولايات المتحدة تتآمر ضد الثورة الإيرانية وتريد فرض الهيمنة الكاملة على الشرق الأوسط، ومن جانب الولايات المتحدة بأن إيران ترعى التطرف والإرهاب وتعمل على زعزعة استقرار الدول الحليفة لواشنطن في المنطقة وأنها تعمل على إزالة إسرائيل من الوجود. ولكن يجب ألا نتجاهل هنا دلالة الخطوة التي اتخذتها إيران قبل إطلاق المسيرات ضد إسرائيل في 14 ابريل 2024، عندما أعلنت أنها حذرت واشنطن بأنها ستقوم بهذا الهجوم قبل انطلاقه، وأبلغت ذلك لواشنطن عبر الجانب التركي. وبالتالي سوف يكون على القيادة الإيرانية في المرحلة القادمة مواصلة العمل للحد من تصاعد التوتر مع واشنطن والعمل على إقناع البلدان الغربية، خاصة الولايات المتحدة، باستئناف التفاوض حول الملف النووي الإيراني بشكل جدي، وإن كان من غير المتوقع أن يشهد هذا الموضوع حراكا قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة. إلا أن من شأن تحقيق اختراق نوعي في هذا الملف التمهيد لتحسن عام في العلاقات مع الغرب قد يسهم مستقبلاً في رفع أو على الأقل تخفيف العقوبات الغربية، خاصة الأمريكية، على إيران والتي ظهر أثرها في اتهام وزير الخارجية الإيراني السابق جواد ظريف لواشنطن بالتسبب بشكل غير مباشر في حادث سقوط مروحية الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي بسبب العقوبات المفروضة على إيران التي تحول منذ سنوات دون إجراء الصيانة اللازمة وعملية الإحلال والتجديد لما لدى إيران من معدات أمريكية منذ ما قبل ثورة 1979، بما فيها الطائرات.

("الأهرام") المصرية

يتم التصفح الآن