لسنوات طويلة، اعتادت الجامعات على وضع الأسس المعيارية للوظائف التي تقدمها إلى سوق العمل. لكن اليوم، لم يعد الأمر كذلك. ثمة ديناصور في حجم هائل، وبأجنحة تحجب السماء، ينظر، في خيلاء من أعلى، نحو مناهج التعليم "البدائية"، قبل أن يحرّك رقبته يمينًا ويسارًا معلنًا رفضه، ثم ينفث فيها بلهيب حارق، ليبدّد جهد سنوات طويلة. إنه "الذكاء الاصطناعي".
في أحدث إحصاء حول تأثيرات تلك الظاهرة على سوق العمل، يذكر بنك الاستثمار الأمريكي "غولدمان ساكس"، في آذار/مارس الماضي، أنّ الذكاء الاصطناعي بإمكانه أن يطيح بنحو ثلاثمائة مليون وظيفة. ومع ذلك، فإن المستقبل يُبشّرُ الحالمين بملايين الوظائف التي توفرها التقنيات الجديدة. من إنشاء المحتوى، إلى تشخيص الأمراض بسرعة فائقة، والتنبؤ بأخطرها، وكذلك الطهي، وحتى المهن الإدارية، والقانونية... يشقّ الذكاء الاصطناعي طريقه ليقدّم ممارسة "تفوق، أحيانًا، ما يمكن أن يقدّمه البشر".
أبرز الأمثلة على هذا؛ تقرير نشرته وكالة الأنباء القطرية، في يوليو الجاري، حول منظومة ذكاء اصطناعي، ابتكرها فريق من باحثي جامعة بيتسبرغ الأمريكية، "يمكنها رصد التفاصيل الدقيقة لرسم القلب، التي يصعب على الأطباء، في بعض الأحيان، رصدها، في تشخيص سبب أوجاع الصدر عند المرضى"، وذلك من أجل "تشخيص النوبات القلبية بشكل أكثر دقة وسرعة".
عند هذا الحد، أضع 10 أسئلة على طاولة صانعي سياسات التعليم العالي في جامعاتنا العربية:
1 – ما هي خططكم لتحديث المناهج الحالية لتواكب المهارات المطلوبة لسوق عمل يتحوّل بسرعة هائلة؟
2 – كيف يمكن تنمية قدرات طواقم التدريس حتى تتمكّن من فهم متغيّرات العالم الجديد؟
3 – ماذا عن البنية التحتية التكنولوجية في كل جامعة؟
4 – هل تعلّمنا الدرس من قيود كوفيد-19، أم أننا خرجنا بتجربة "باهتة" في ممارسة "التعلّم من بعد"؟
5 – من أين نجتذب التمويل اللازم لهذه العملية المكلفة، في ظل فقر الموارد الوطنية المخصّصة للتعليم في كثير من الأقطار العربية؟
6 – كم عدد اتفاقيات الشراكة التي يمكن إبرامها مع جهات إقليمية أو دولية معنية بتحديات التعليم العالي؟
7 – ما علاقة الأنشطة الدورية للجامعات بهذا الملف؟
8 – ما هي أدوات تقييم مهارات الطلاب في ضوء مستجدات سوق العمل؟
9 – ما هي الموضوعات الأبرز لعناوين البحوث الجامعية للعام 2023؟
10 – متى يُتاح للأجيال الأصغر اختبار قدراتهم في القيادة والإدارة في مواجهة كل هذه التحديات غير المسبوقة؟.
إجابات تلك الأسئلة وغيرها مما يطرحه الخبراء والمختصون، قد تفتح أمامنا المجال لتغيير نمط تفكيرنا السائد بما يضعنا على أول الطريق، حتى لا نتخلّف عن الركب كعادتنا.
(خاص "عروبة 22")