صحافة

خطة جالانت: البحث عن أنطوان لحد فلسطيني

عبدالعليم محمد

المشاركة
خطة جالانت: البحث عن أنطوان لحد فلسطيني

يُعرف الجنون بأنه إتيان نفس الأفعال مراراً وتكراراً وتوقع نتائج مختلفة، أو مواجهة المشكلات والبحث عن حلول لها بذات الطريقة والأسلوب اللذين أفضيا إلى ظهورها، وهذا التعريف رغم بساطته ينطبق أيما انطباق على العقل الإستراتيجي الإسرائيلي والسلوك الذي ينتج عنه في الواقع، حيث إن هذا العقل يتحصن بالأسطورة والماضي المتخيل والذي أثبتت الحفريات والتنقيبات للعديد من علماء الآثار عدم وجود آية دلائل على وجوده، بل وجدت العديد من الدلائل التي تدعم وتعزز الوجود التاريخي للشعب الفلسطيني في أرض فلسطين التاريخية، كما أن العقل الإسرائيلي تسيطر عليه المخاوف المتخيلة والمؤامرة المدبرة من قبل غير اليهود والأغيار الذين لا يمكن الوثوق بهم من وجهة النظر الإسرائيلية.

الخطة التي طرحها وزير الدفاع المجرم والمتهم كرئيسه بارتكاب جريمة الإبادة ضد الشعب الفلسطيني جالانت تعكس بوضوح طبيعة هذا الخلل والعطب في العقل الإستراتيجي الإسرائيلي، ظهرت هذه الخطة بداية في يناير عام 2024 واستهدفت تجنيد بعض عشائر وحمائل غزة لتوزيع المساعدات كبديل للهيكل المدني لحركة حماس، وقد رفضت هذه العشائر جملة وتفصيلا التعاون مع الاحتلال الإسرائيلي تحت أي ظرف، وقامت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بالضغط على هذه العشائر واغتالت بعض الوجهاء منها، هذا في حين أن لجنة الطوارئ التي كلفتها حماس بتوزيع هذه المساعدات بقيادة العميد فائق المبحوح أنجزت المهمة بنجاح، وهو ما أفضى بقوات الاحتلال إلى اغتياله.

عندما احتلت إسرائيل سيناء في يونيو 1967، حاولت سلطات الاحتلال تشكيل تحالف من قبائل سيناء للتعاون مع سلطات الاحتلال عام 1968 وأن تعلن قبائل سيناء أن سيناء ليست مصرية وليست جزءا من الدولة المصرية، وقام شيوخ قبائل سيناء بمجاراة هذا التوجه، حتى عقد مؤتمر القبائل في مدينة الحسنة بسيناء بحضور وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق موشي ديان، وفي هذا المؤتمر فاجأ شيوخ قبائل سيناء قوات الاحتلال بتأكيد مصرية سيناء وأنها جزء لا يتجزأ من الدولة المصرية، ومنيت المحاولة الإسرائيلية بالفشل. بتواتر الضغوط الدولية والأمريكية على إسرائيل لإعلان تصورها لليوم التالي في غزة، عاود جالانت طرح خطته مجددا وأضاف إليها أنها تستهدف إنهاء حكم حماس المدني لقطاع غزة من خلال تشكيل ما سماه الفقاعات الإنسانية أي جزر معزولة وأحياء ومناطق في غزة تشكل إداراتها من العوائل والعشائر المحلية لإدارة هذه المناطق وتقوم إسرائيل بتسليحها للدفاع عن نفسها، وبذلك يتحقق وفقا لهذه الخطة الهدف الإسرائيلي المتمثل في إنهاء وجود حماس وحكمها المدني للقطاع.

في يوم الأربعاء الخامس من يونيو أعلن التجمع الوطني لعشائر غزة بالإجماع رفض هذه الخطة ورفض التعاون مع إسرائيل وأكدوا أن غزة جزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية وأن العشائر لا يمكنها أن تطعن المقاومة الفلسطينية في ظهرها. يتجاهل الاحتلال الإسرائيلي أن مواطني غزة لديهم وعي سياسي وأن غالبيتهم من اللاجئين 70% منهم، وهو ما يعني أن لديهم معاناة ومرارة ممتدة من 1948 من جراء الممارسات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، أضيف عليها في حرب الإبادة والتجويع المستمرة قتل ما يقرب من الأربعين ألفا من النساء والأطفال والشيوخ والمدنيين فضلا عن عشرات الآلاف من المصابين والمعاقين والمدفونين تحت الأنقاض.

تستهدف خطة جالانت المحدثة التي ترافقت مع مقترح الرئيس الأمريكي بايدن تخفيف الضغوط على حكومة نتنياهو وأنها تقدم خطة اليوم التالي في غزة، ولا يقلل من ذلك أن الخطة تأتي في إطار الاختلاف في مجلس الحرب بين جالانت ونتنياهو واليمين المتطرف الإسرائيلي الحاكم، لأن ظهورها يصب في إطار تزيين أداء الحكومة وتجميل رؤيتها للوضع في غزة. بالإضافة إلى ذلك فإن وزير الدفاع المتهم بالإبادة يعلن رفضه للسيطرة العسكرية الإسرائيلية على غزة ورفض السيطرة المدنية الإسرائيلية في غزة، لأنهما يمثلان خطرا على أرواح الجنود الإسرائيليين ويمثلان عبئا ماديا على إسرائيل يقدر بـ 5.4 مليار دولار سنويا وهي أمور ينبغى أخذها في الاعتبار.

خطة جالانت ومواكبتها لإعلان مقترح بايدن تبدو كما لو كانت تستكمل وتذكر بالأهداف الإسرائيلية من الحرب خاصة تلك لم تتحقق حتى الآن وهي القضاء على قدرات حماس المدنية وحكمها في القطاع وتشكيل بديل محلي لها من مواطني غزة وعشائرها. هذه الخطة مستنسخة من الأفكار الإسرائيلية السابقة التي ثبت فشلها في تشكيل البلديات والمخاتير كوسيط بين المواطنين وسلطات الاحتلال وروابط القرى في السبعينيات.

في جنوب لبنان وبعد عدوان 1978 شكلت إسرائيل جيش لبنان الجنوبي بقيادة سعد حداد وبعد وفاته تولى قيادته أنطوان لحد، كأحد الأذرع التي تساعدها في استمرار احتلالها للجنوب اللبناني ومواجهة المقاومة الفلسطينية وحزب الله، وانتهى الاحتلال الإسرائيلي للجنوب عام 2000 وانتهت معه قصة أنطوان لحد وجيش لبنان الجنوبي.

يفتقد العقل الإسرائيلي القدرة على المراجعة النقدية وآليات التصحيح الذاتي، حيث يعيد إنتاج نفس الأفكار والمشروعات التي تثبث أن الواقع يرفضها وأن ثمة إرادات قائمة إن لدى المقاومة أو لدى الشعب الفلسطيني بمقدورها أن تطيح بهذه الأفكار، ومع ذلك يستمر العقل الإستراتيجي الإسرائيلي في البحث عن «أنطوان لحد» فلسطيني لن يجدوه إن في غزة أو الضفة الغربية، الطريق الصحيح واضح أن غزة جزء من الدولة الفلسطينية وأن الشعب الفلسطيني هو من يستطيع أن يختار من يديرها المطلوب أولا وأخيرا وقف العدوان وفتح المعابر وإنهاء الحصار وإنهاء الوصاية على الشعب الفلسطيني الذي يمتلك خبرات نوعية وقدرات تمكنه من تقرير مصيره بنفسه.

("الأهرام") المصرية

يتم التصفح الآن