العبثُ بسيادة الدول ليس لعبةً يمكن التغاضي عنها أو تجاهلها كألعاب السياسة ومُراوغة السياسيين، ذلك أن سيادة الدول بمفهومها الشامل تعني كيان الدولة ووجودها، حاضرها ومُستقبلها ومصالح شعبها.
ومع ذلك ثمة من يخوض ألعابه السياسية وأطماعه الذاتية المحمومة في السلطة والثروة على حساب سيادة وطنه مُتحديًا إرادة شعبه ومصالح أمته، خاصة أولئك الذين لا يتمتعون بأي رصيد أو مكانة أو تأثير في وطنهم ومُجتمعهم خاصة في اليمن أو حتى في عدد من الدول العربية بالتقسيم والتفتيت وفقد سيادتها على كامل أراضيها كما هو الحال في اليمن الذي احتفل قبل أيام بذكرى تحقيق الوَحْدة اليمنية مُنتصف عام ١٩٩٠ بين شطريه الشمالي والجنوبي باتفاق سياسي بين قيادتي الشطرين، أعقبه استفتاء شعبي على دستور الدولة الجديدة التي بات اسمها الجمهورية اليمنية، ونال موافقة نسبة تفوق ٩٨ في المئة من الشعب اليمني في الجنوب والشمال ليصبح الدستور نافذًا وعقدًا اجتماعيًا يقوم على التعددية الحزبية كصيغة توافقية تنظم الانتقال السلمي للسلطة وتضمن شراكة في الثروة، ولا يجوز لأي فئة أو جماعة سياسية أو حزبية أو قبلية المساس به أو العمل على النَّيْل من اليمن الموحّد مهما كانت الأسباب والوسائل.
وباستثناء مجلس التعاون لدول الخليج العربية لم تفلح شعارات الوَحدة العربية في تحويلها إلى واقع معاش، ولم تنجح تكتلات مُماثلة خلال العقود الماضية في البقاء حتى جاء إعلان الوحدة بين شطري اليمن مُنتصف عام ١٩٩٠ في كيان الجمهورية اليمنية ليُشكلَ نقطةً مُضيئةً لهذه الأمة، ويُحقق حلم اليمنيين في توحيد بلادهم التي قسمها الاستعمار والأنظمة المُتخلفة لعقود طويلة من الزمن، ولكن سرعان ما واجهت الدولة الجديدة صعوبات كبيرة في تغطية نفقاتها والوفاء بالتزاماتها التنموية لقلة مواردها وتفشي الفساد وغياب مشروع بناء الدولة.
ومنذ تخلي الرئيس الراحل علي عبدالله صالح قبل نحو ١٢ عامًا تحت ضغط الاحتجاجات والتظاهرات وتكتل خصومه ومُعارضيه، شهد اليمن تقلبات ومُتغيرات سياسية واقتصادية أسفرت لاحقًا عن سقوط السلطة الانتقالية في صنعاء بعد اقتحامها من أنصار الله (الحوثيين) واندلاع الحرب الكارثية في البلاد التي ما زالت مخاطر تجددها قائمةً بعد عام من الهدنة، لكن ما يهمنا هنا هو التحدي الأكبر لليمن وللمِنطقة وللجوار الخليجي تحديدًا، ويتمثل في مشروع الانفصال الذي يُطبخ على نار هادئة ويجري تنفيذه في العاصمة المؤقتة للجمهورية اليمنية عدن، وعبر عناصر تم اختيارها وتدريبها بعناية ولا عَلاقة لها بالهُوية الوطنية ولا الحضارية لليمن ولا يهمها مصيره ولا مُستقبل شعبه وأجياله أكثر من همها إطاعة من جعل منها كيانًا انفصاليًا يُراد منه تفتيت البلد باسم أبناء الجنوب، والجنوبيون منهم براء، وجعل اليمن حَلْبة صراع بين أبنائه لمصلحة مُتصارعين آخرين، والأدهى أن هذا النشاط الانفصالي في عدن يجري على مرأى ومسمع الحكومة وبقيادة ثلاثة من أعضاء ما يُسمّى المجلس الرئاسي للجمهورية اليمنية، حيث لا يمكن لرئيسه الإقامة ولا مُمارسة أعماله في مكان لا يملك فيه حماية نفسه أو رفع علم الوَحدة على مبنى إقامته.
وفي عيدها الـ 33 تبدو الوحدة اليمنية الغائب عن المشهد في صنعاء وعدن، والحاضر في وجدان اليمنيين في كل شبر من أرضهم، في صنعاء وبشكل غير مسبوق يُقدم المُسيطرون عليها مُناسبات خاصة بهم على الاحتفال بعيد الوحدة، وفي عدن بات ذلك المجلس الانفصالي، يُديره الغوغاء والجهلة الذين مهمتهم طمس كل ما يُشير إلى الوحدة اليمنية، بشرًا وحجرًا، وفي الجوار مواقف سلبية مما يجري، ومع ذلك يعلمون بأن اليمن، موحدًا ومُستقرًا، هو في مصلحتهم واستقرارهم وفي مصلحة أمن المنطقة والأمن القومي العربي، وبالتالي فإن وجود يمن مُقسّم ومُتناحر ومُضطرب تسود فيه الصراعات والفوضى ليس في صالح جواره الخليجي، ولذلك لا بد أن يكون لدوله الست وللجامعة العربية دور وموقف يمنع مُخطط النَّيْل من وَحدة اليمن وسيادته والعمل على تحقيق السلام وإعادة مؤسسات الدولة إلى العمل في هذا البلد، والتصدي لمهازل من هذا القبيل، لأنها إن نجحت في اليمن فلن تتوقفَ عند حدوده وسوف تُضاعف من انكسارات هذه الأمة وهوانها.
ويبقى القول إن مُخطط التفتيت والتقسيم وانهيار الدول ودمار الأوطان يبدأ بتفكيك وتدمير مؤسسات الدولة، وفي مُقدمتها المؤسسة العسكرية المعنية بحماية استقرار الدولة وسيادتها، وما يحدث في اليمن اليوم هو نتيجة تفكيك مؤسسته العسكرية وانهيارها قبل نحو عقد من الزمان، وهذا يتفق مع ما يحدث اليوم في السودان وحدث من قبل في دول عربية أخرى.
الراية