مقدمات لأحداث جسيمة مقبلة

تداعيات الصراعات التي انطلقت في السابع من أكتوبر 2023 في منطقة الشرق الأوسط، لم تتوقف على ما أرست عليه تفاهمات حرب الأيام الـ 12 بين إسرائيل وإيران من توافقات، فقد امتدت إلى جميع المناطق التي شملها الحدث بشكل مباشر في غزة وفي جنوب لبنان وفي ضاحية بيروت الجنوبية وفي اليمن وفي إيران نفسها صانعة كل هذه الأحداث.

وكذلك في المناطق التي لم تمسسها هذه التداعيات بشكل مباشر حتى الآن، مناطق لها قراءتها الخاصة لمآلات الأحداث، فهي ترفض الإقرار بالهزيمة ولا تزال تهيئ نفسها لإعادة النزال. وهذا ما يدعو إليه قادتها ويهددون به، وهو ما يثير قلقاً شديداً حول مصير دعوات كهذه ليس لها فرص حقيقية على أرض الواقع قي سياقات الواقع الإقليمي والدولي بل تسهم في زيادة متاعب شعوبها، في الوقت الذي تعلن فيه إسرائيل قرارها باستكمال احتلال غزة.

الحقيقة أن هذه الصراعات المعقدة قد خلقت بدورها أجواء تمهد لميلاد صراعات أخرى قد تنفجر في وقت لاحق، فالعلاقات بين مصر وإسرائيل لم تكن موضع ترحيب شعبي مصري منذ إقرار اتفاقية كامب ديفيد. وهي تزداد توتراً على المستوى الرسمي منذ بدأ الترويج لخطة نقل سكان قطاع غزة إلى صحراء سيناء من خلال معبر رفح الممر الرئيس للمساعدات الإنسانية لسكان القطاع، والتي احتلت إسرائيل الجانب الفلسطيني منه وسيطرت كذلك على ممر فيلادلفيا وهو أرض تم الاتفاق على حياديتها بين مصر وإسرائيل في اتفاقية كامب ديفيد لعام 1979.

الأجواء السياسية الدولية ملبدة بغيوم ثقيلة ورثنا بعضها من حقبة الحرب الباردة، وأضافت السياسات المتبعة من قبل الدول العظمى إليها المزيد لتطبعها بطابعها الخاص، فالصراعات الدامية في الشرق الأوسط التي شهدنا أخيراً نماذج منها هي صورة مصغرة للصراع الجاري على المستوى الدولي.. فنظرة سريعة إلى خرائط النفوذ في العالم تكشف بما لا لبس فيه أن الصين التي لم يكن لها موقع كبير في الصراعات الدائرة في الشرق الأوسط خلال حقبة الحرب الباردة بل كانت روسيا تحت مسمى الاتحاد السوفييتي هي من كان لها ذلك، هي من أصبحت الدولة التي تحسب لها الولايات المتحدة الأمريكية حسابها في رسم استراتيجياتها.

فالصورة قد انقلبت في الخرائط الجديدة بعد عقود عدة، فالنفوذ الروسي قد تقلص في التأثير على شؤون المنطقة السياسية كثيراً مع زوال أبرز الأنظمة التي كانت حليفة للاتحاد السوفييتي بهذا القدر أو ذاك خلال حقبة الحرب الباردة. على محور آخر ربما أشد خطورة على السلم العالمي تراجعت الولايات المتحدة عن سياساتها المتذبذبة مع حلفائها في القارة الأوروبية وعادت إلى التقارب معهم في نظرتها المستقبلية إلى الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا وعادت لتزويد أوكرانيا بالسلاح، وسط تصاعد التهديدات الكلامية المتبادلة بين موسكو وواشنطن تصاحبها تحركات عسكرية تثير القلق منها تموضع غواصتين نوويتين أمريكيتين في مواقع بالقرب من السواحل الروسية مواقع مناسبة، وفق تصريح الرئيس الأمريكي ترامب. وتأتي قمة ألاسكا بين الرئيسين الأمريكي والروسي، لتضيف المزيد من الغموض حول المستقبل.

ويمكن القول في ضوء ذلك إن الولايات المتحدة تخوض حرب مصالح اقتصادية مع الصين في الشرق الأوسط وتخوض في الوقت نفسه حرباً حقيقية مع روسيا في أوكرانيا مع أن قواتها ليست في حالة انشغال مباشر مع قوات أي من هاتين الدولتين. الحربان ذاتا طبيعة اقتصادية من حيث الجوهر وإن بدتا بلبوس مغاير. من الطبيعي أن لا يتوافر في هذه الصراعات حسن النوايا، كما هو الحال في جميع الصراعات التي اندلعت من قبل في هذه المنطقة من العالم وفي غيرها، كما لا تتوافر في مفاصل مقارباتهما في الوقت نفسه فرص حقيقية لاستبعاد تحول بعضها إلى ما هو أكثر بعداً عن كونه صراعاً محدوداً في أطر ضيقة مساحة وسكاناً إلى صراعات إقليمية وربما دولية أو ما يقرب من ذلك.

وبالرغم من الدلالات التي ترسمها هذه الصورة عن الصراعات في منطقة الشرق الأوسط التي يرد فيها أسماء دول وأسماء رؤساء عديدون، إلا أن الحقيقة تكمن في أن جوهره هو صراع بين الولايات المتحدة وبين الصين، وهو صراع ذو طابع اقتصادي بعضلات عسكرية غير ظاهرة المعالم للسيطرة على مداخل ومخارج الاقتصاد العالمي، فهما أكبر قوتين اقتصاديتين فيه.

(البيان الإماراتية)

يتم التصفح الآن