وجهات نظر

ما يعنينا في "نورماندي"

عادت شواطئ نورماندي الفرنسية تطفو على سطح الأحداث في السادس من هذا الشهر، بعد أن كان آخر طفو لها في اليوم نفسه من عام ٢٠١٤. ففي تلك السنة احتفلت الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا بالذكرى السبعين لإنزال نورماندي الشهير، الذي تم في السادس من يونيو/حزيران عام 1944، والذي كان نقطة البداية نحو تحرير فرنسا من الاحتلال النازي.

ما يعنينا في

نحن نذكر أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان مدعوًا في الذكرى السبعين، رغم أنه كان قد ضمّ القرم إلى بلاده وقتها، لكن الغرب كان قد قرر أن يغض البصر وأن يدعوه إلى الحضور. أما في الذكرى الثمانين هذا الشهر، فلم يكن مدعوًا، لأنّ الغرب الذي ابتلع ضمّ القرم على مضض، لا يستطيع أن يبتلع ضمّ أربع مناطق في شرق أوكرانيا إلى روسيا ولا ضمّ غيرها بالتأكيد.

في السادس من يونيو/حزيران قبل ٨٠ سنة كان النازي يحتل فرنسا، وكان العالم منقسمًا إلى فريقين؛ "الحلفاء" بقيادة الولايات المتحدة، و"المحور" بقيادة ألمانيا وإيطاليا، وكانت دول الحلفاء قد قررت القيام بإنزال على شواطئ نورماندي شمال غرب فرنسا، وكانت عملية الإنزال بمثابة الثغرة التي أرادوا النفاذ منها إلى الأراضي الفرنسية لتحريرها وهزيمة "المحور" بالتالي، وكان ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا وقتها هو الذي نصح بعملية نورماندي، وكان تقديره أنّ الزحف على قوات النازي و"المحور" لا بد أن يكون من بطن أوروبا الرخو، وقد كان.

في الاحتفال بذكرى الإنزال هذا الشهر كنا أمام الطريف والجاد معًا في ذكرى العملية التي كانت فارقة في تاريخ العالم.

أما الطريف، فكان أنّ واحدًا من قدامى المحاربين الأمريكيين الذين شاركوا في العملية لا يزال حيًا، وهو هارولد تيرينس البالغ من العمر مئة سنة كاملة، ورغم أنه أب لثلاثة أبناء من زوجة سابقة، إلا أنه قرر أن يتزوج من جديد، وأن يكون حفل زفافه على شاطئ نورماندي نفسه الذي كان قد قاتل عليه عام ١٩٤٤، أما زفافه فكان إلى جين سويرلين البالغة من العمر ٩٦ سنة، وقد نشرت الصحف صورهما وهما يحتفلان على الشاطئ بالزفاف. وكان هارولد قد حصل على وسام جوقة الشرف من الرئيس ماكرون، ثم جرى تكريمه مع محاربين قدامى آخرين في احتفال الذكرى الثمانين.

احتفال الذكرى الثمانين لإنزال النورماندي كان استعراضًا للقوة أكثر منه احتفالًا

هذا عن الطريف في الموضوع، أما الجاد فهو أنّ الرئيس الأمريكي جو بايدن قد جاء عابرًا الأطلنطي إلى باريس حيث شارك في الاحتفال، ومعه كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الحكومة البريطانية ريشي سوناك، والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وغيرهم من قادة الغرب وأوروبا.

المفارقة أنّ الاتحاد السوڤييتي كان من فريق الحلفاء في وقت نورماندي، ولكن روسيا وريثته هذه الأيام صارت على عداء مع دول الفريق نفسه، وهي ليست في حالة من العداء فقط، ولكن بين الطرفين جبهة للحرب في أوكرانيا، وإذا كان بوتين قد حضر الذكرى السبعين على كُره من الحاضرين فيها، فإنّ الزمان قد دار دورته ولم يجد القيصر مكانًا له في الذكرى الثمانين.

كان احتفال الذكرى الثمانين استعراضًا للقوة أكثر منه احتفالًا، وكانت الولايات المتحدة ومعها عدد من دول أوروبا قد منحت الرئيس الأوكراني ضوءًا أخضر لاستخدام السلاح الغربي لدى أوكرانيا في ضرب أهداف داخل روسيا، وكان ذلك قد حدث قبل الاحتفال بأسبوع واحد، وكان في مقدور العين المجردة أن تربط بين الاحتفال أو الاستعراض وبين الضوء الأخضر معًا.

يعنينا أن يكون العمل على مستوى الكيانات التي تماثل الناتو أو الاتحاد أو منطقة اليورو عندنا في أرض العرب

فماذا يعنينا نحن العرب في هذا الموضوع؟.. يعنينا أنّ الغرب الذي تماسك في أثناء نورماندي، قد راح يبعث الرسائل من خلال الاحتفال الاستعراضي ليقول من خلالها إنه لا يزال على تماسكه، وأنّ هذا التماسك قد يأخذ صورة حلف شمال الأطلنطي الشهير بـ"الناتو"، أو يأخذ صورة الاتحاد الأوروبي، أو يأخذ صورة منطقة اليورو، أو غير كل ذلك من الصور، لكن المضمون أو المحتوى هو واحد في النهاية.

يعنينا أن ننتبه إلى هذا كله، وأن يكون انتباهنا مقرونًا بشيء من العمل، وأن يكون هذا العمل على مستوى الكيانات التي تماثل الناتو أو الاتحاد أو منطقة اليورو عندنا في أرض العرب، فإن لم تكن موجودة أوجدناها، وإذا كانت موجودة وقائمة - وهي كذلك بالفعل - بادرنا إلى إمدادها بأسباب الحياة، لأن الحياة بالنسبة لها هي نفسها الحياة بالنسبة لنا.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن