الوضع على حاله في العاصمة القطرية، الدوحة، لليوم التاسع على التوالي، فلا المباحثات بشأن هدنة غزة تتقدم ولا تنفع ضغوط الوسطاء بتليين المواقف بظل تراشق سياسي واعلامي واتهامات متبادلة بالعرقلة و"وضع العصي في الدواليب". وهذه ليست المرة الاولى التي تصل فيها الامور الى هذه المرحلة الحساسة من مفاوضات وقف النار قبل أن ينقلب رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو على تعهداته ويطرح مطالب جديدة "تعجيزية" بهدف اتهام حركة "حماس" بـ"العرقلة"، ما يبرّر له الاستمرار بجرائمه وارهابه.
هذا ولا تميّز الجرائم بين عيادة طبية لتوفير المكملات الغذائية للأطفال ونقطة لتعبئة المياه بعد فرض التجويع والتعطيش منذ شهر آذار/ مارس الماضي حين انقلبت تل أبيب على اتفاق الهدنة ونقضته بهدف استكمال الحرب لأهداف تتعلق بطموحات نتنياهو والحفاظ على ائتلافه الحكومي المتطرف الذي يرفض، بشكل تام، التفاوض ويطالب باستكمال الحرب حتى تحقيق الاهداف التي فشلت اسرائيل بتحقيقها، رغمًا عن القتل اليومي والعمليات العسكرية وتدمير القطاع على رؤوس قاطنيه. واستغلت تل أبيب المفاوضات الجارية من أجل تصعيد العمليات العسكرية ونسف ما تبقى من أبنية في القطاع على وقع مجازر يومية سقط خلالها أمس، الاحد، ما يقارب من 100 شهيد وعشرات الاصابات.
بدورها، دقت "اليونيسيف" ناقوس الخطر متحدثة عن أنه تم تشخيص أكثر من 5800 طفل بسوء التغذية في غزة خلال شهر حزيران/يونيو الماضي. ويتزامن هذا الواقع المحزن مع مناشدات يطلقها العاملون في القطاع الطبي والاستشفائي بأهمية توفير الادوية الضرورية التي باتت على وشك الانتهاء بفعل الحصار الاسرائيلي ما يعرض حياة الآلاف الى الخطر. ومع هذا يضرب نتنياهو عرض الحائط بكل الدعوات الداخلية والاقليمية المطالبة بإنهاء القتال وتحسين الظروف المعيشية والانسانية خاصة أن ما يُحكى عن سيناريوهات لـ"اليوم التالي" لا يبشرّ بالخير أبدًا بل يطرح اكثر من علامة استفهام حول مخططات التهجير مع تقدّم فكرة "المدينة الانسانية" على انقاض مدينة رفح، جنوبي غزة، ونقل السكان اليها.
وهذه "المدينة" التي لن تمت للإنسانية بصلة تواجه انتقادات وآخرها من المستشار الألماني فريدريش ميرتس الذي قال، في تصريح تلفزيوني "لست راضيًا منذ أسابيع عن ممارسات الحكومة الإسرائيلية في قطاع غزة"، معربًا عن أمله في التوصل إلى حل الدولتين بالتعاون مع الأميركيين. ورغم هذا الجو القاتم، بدا المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف "متفائلًا" حيال المفاوضات، رغم أن المعطيات المتداولة لا تزال متوقفة عند العقدة نفسها والمتعلقة بالانسحاب الاسرائيلي من القطاع ووقف الحرب. ومن غير المعلوم بعد على أي معطيات يبني المسؤول الاميركي توقعاته الايجابية، الا انها لا تتوافق مع "ميزان" نتنياهو الذي وجد أمس الفرصة متاحة لشنّ هجوم على حركة "حماس" قائلًا "يريدون منا المغادرة، حتى يتمكنوا من إعادة تسليح أنفسهم ومهاجمتنا مرارًا وتكرارًا".
ويتعمد نتنياهو إطلاق التصريحات المضلّلة التي ما هي الا "لذرّ الرماد في العيون"، لان الخرائط المقدمة من الجانب الاسرائيلي تضمن استمرار الاحتلال عسكريًا لـ 40% من اجمالي مساحة القطاع المنكوب. وعليه لا يبدو الجانب الاسرائيلي بعد مستعد، رغم الضغوط الاميركية المكثفة، الى تقديم التنازلات خاصة وانه يفرض سيطرة عسكرية شبه كاملة جعلته يسطو على ما يقارب الـ85% من المساحة الإجمالية للقطاع. ويضغط الوسطاء على تل أبيب الى تقديم خرائط جديدة تعدل فيها من نقاط الانتشار بما يحول دون انهيار المفاوضات، التي وفق كل المعطيات، تستمر بالمراوحة مكانها ولكن دون أن يستطيع أي من الطرفين نعيها.
من جهتهما، أكدت حركتا "حماس" و"الجهاد الإسلامي" أن أي مفاوضات يجب أن تفضي لإنهاء الحرب وانسحاب إسرائيلي كامل من القطاع وفتح المعابر وإعادة الإعمار. أما الرئيس الفلسطيني محمود عباس فشدّد على أن الحركة "لن تحكم قطاع غزة في اليوم التالي"، داعيًا إياها لـ "تسليم سلاحها للسلطة الفلسطينية، والانخراط في العمل السياسي، وذلك من خلال الالتزام ببرنامج منظمة التحرير السياسي". وتزداد الهوة والفجوات بين السلطة الفلسطينية وحركة "حماس" دون القدرة على توحيد الصفوف للوقوف يد واحدة في وجه العدو الغاشم ومآربه. وازاء هذه الاحداث، تبقى "مفاتيح" العقدة والحل برسم الرئيس دونالد ترامب الذي يمكن له وحده التأثير على حليفه نتنياهو ودفعه لابرام صفقة مع الابقاء على بعض الثغرات.
ومن الاجرام في غزة والضفة الغربية المحتلة التي تعيش واقعًا مأساويًا الى سوريا التي شهدت على مداهمات قام بها الجيش الاسرائيلي في جبل الشيخ مستهدفًا منشآت عسكرية تابعة للنظام السوري السابق، وفق مزاعمه. وبرّر الجيش هذه العمليات التي تنتهك سيادة سوريا وتزعزع استقرارها بأنها تهدف إلى منع تهريب الأسلحة من دمشق إلى بيروت. وتأتي هذه العملية الإسرائيلية من ضمن تحركات أوسع تستهدف المناطق القريبة من الحدود اللبنانية - السورية، وذلك للمرة الأولى منذ سقوط نظام بشار الأسد، واحتلال إسرائيل مرتفعات جبل الشيخ السورية، المشرفة على الحدود بين البلدين. تزامنًا، اندلعت اشتباكات عنيفة بين مسلحين دروز وآخرين من العشائر البدوية في حي المقوس شرق مدينة السويداء، جنوب سوريا، وما لبثت أن تمدّدت دائرة المواجهات واتسعت رقعتها ما أودى بحياة أكثر من 30 شخصًا وإصابة العشرات، وفق احصائيات أولية.
ويشكل الهاجس الأمني تحديًا كبيرًا أمام الادارة السورية الجديدة التي تواجه ضغوط محلية وأخرى خارجية في بلد لم يتخطَ بعد اثار الحرب الدموية ولكنه يوظف مساعيه والدعم الذي حظي به من دول الخليج، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية وقطر والامارات، ورفع العقوبات الاميركية من أجل جذب الاستثمارات والانطلاق بمرحلة اعادة الاعمار وخطة التعافي المبكر التي تحتاج الى وقت من أجل اتمامها وعودة السكان تدريجيًا الى المناطق المهدمة. يُذكر أن واشنطن عمدت مؤخرًا الى رفع "هيئة تحرير الشام" أو ما تُعرف ايضًا بـ"جبهة النصرة" عن لوائح الارهاب في خطوة تعكس تغيرًا جذريًا في سياستها تجاه دمشق.
ايرانيًا، يتعرض الرئيس مسعود بزشكيان لانتقادات حادة من التيار المحافظ، بسبب سعيه للعودة إلى طاولة المفاوضات وابرام اتفاق نووي جديد مع الولايات المتحدة التي ترسل اشارات عديدة في هذا الصدد. في حين يدافع هو، أي بزشكيان، عن افكاره وقناعاته قائلًا "لم نمارس التسلط يومًا، ولن نفعل، لكننا في الوقت نفسه، لن نخضع للهيمنة أو الإكراه تحت أي ظرف"، وهو بذلك يحاول مسك العصا من المنتصف، أي الحفاظ والتشديد على المبادئ التي تنادي بها طهران وترفض التنازل عنها كما عدم اغلاق الباب كليًا امام المساعي الديبلوماسية الآيلة لايجاد حلول يمكن أن تسهم في تحسين أوضاع الايرانيين الذين يعانون من اثار العقوبات الاميركية.
الى ذلك، نشرت وكالة "فارس" تفاصيل جديدة عن الهجوم الاسرائيلي الذي استهدف اجتماعًا لمجلس الأمن القومي بحضور بزشكيان نفسه خلال حرب الـ12 يومًا، مؤكدة أيضًا أن الاجتماع المستهدف كان يحضره رؤساء السلطات الثلاث، وعقد في الطوابق السفلية لمبنى غرب العاصمة طهران. وأشارت الى أن الهجوم الإسرائيلي نفذ بالطريقة نفسها التي استخدمتها تل أبيب في اغتيال الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله، حيث ألقت المقاتلات الإسرائيلية 6 قنابل استهدفت منافذ الدخول والخروج بالمبنى لقطع طرق الخروج وإيقاف تدفق الهواء. يُذكر أن الهجوم الاسرائيلي على طهران أدى الى اغتيال عدد من كبار قيادتها وشخصياتها المقربة من دوائر الحكم ناهيك عن العلماء النوويين.
في المقلب الدولي، أعلن الرئيس الأميركي أنه سيرسل صواريخ دفاع جوي من طراز "باتريوت" الى أوكرانيا، مشيرًا إلى أنها ضرورية لحماية العاصمة كييف من الهجمات التي تشنّها موسكو لأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "يتحدث بلطف ثم يقصف الجميع في المساء"، على حدّ تعبيره. ويعتزم ترامب الاجتماع هذا الأسبوع مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) لمناقشة الوضع في أوكرانيا وقضايا أخرى. وامتدت مؤخرًا رقعة الخلافات بين الرئيسين ترامب وبوتين بسبب رفض الاخير المقترحات الآيلة لوقف الحرب وتنفيذه عمليات عسكرية واسعة النطاق.
وهنا موجز عن أبرز ما تناولته الصحف العربية الصادرة اليوم في افتتاحياتها وتحليلاتها:
كتبت صحيفة "الوطن" العُمانية "يبدو أنَّ مسار الفوضى الأميركية العبثية التي بدأتها الولايات المتحدة في هذا الإقليم وأطلقت عليها اسم "الفوضى الخلَّاقة" لا تزال تتناسل حلقاتها؛ انطلاقًا من الفهم الصهيوـ أميركي بأن الأهداف الحقيقيَّة من وراء نشر هذه الفوضى لم تؤتِ بعد أُكُلَها"، متطرقة الى تصريحات الموفد الاميركي توم برّاك عن عودة لبنان الى "بلاد الشام" ما "يُعبّر عن الأبعاد الاستعمارية الصهيوـ أميركيَّة في المنطقة الساعية إلى ترسيخ دعائم هذا الاستعمار في الإقليم، ونزع كل ما يراه هذا المستعمر مهدِّدًا لبقاء استعماره".
صحيفة "الوطن" البحرينية، بدورها، رأت أن "فكرة الخلاص من البرنامج الإيراني النووي تبدو ضربًا من الخيال. فالبرنامج، بغض النظر عن خطورته، يعتبره الداخل الإيراني جزءًا من الهيبة الفارسية، وداعمًا لعقيدتها الثورية، ومصدرًا للفخر لترسانتها العسكرية". وأردفت قائلة "الحرب الأخيرة بين إيران وإسرائيل كانت الأكثر جرأة في استنزاف المخزون المعرفي للعقل النووي على الجبهتين، وإضعاف مصادر التدفق العلمي لكل طرف في مجال التفوق الذري. فقد صُممت الضربات المتبادلة بعناية لاستهداف منابع تلك المعرفة وقصف معاقلها، بشرية كانت أو مادية".
وعن الوضع في غزة، لفتت صحيفة "الشروق" المصرية الى أن "الاحتلال يضاعف من عمليات القتل والإبادة ويمنع دخول المساعدات، فيجد الغزاويون أنفسهم محاصرين بالموت والجوع، ما يضطرهم إلى الاندفاع جنوبًا، حيث "الخديعة الإنسانية" التي جرى الإعداد لها في تل أبيب ثم اعتمدت في واشنطن"، مشددة على "رفض "المدينة الإنسانية" التي ينوي الاحتلال احتجاز سكان غزة فيها على الحدود المصرية، والتعامل معها باعتبارها خطًا أحمر مصريًا، ليس من باب التضامن مع الشعب الفلسطيني وحسب، بل واجبًا تفرضه ضرورات ومقتضيات الأمن القومي المصري".
أما صحيفة "الغد" الأردنية، فأوضحت أن "إسرائيل لن تنسحب من قطاع غزة في وقت قريب، ولن تتراجع عن هدفها بإبعاد "حماس" عن الحكم. فالمتاح حاليا، وقف للنار والسماح بدخول المساعدات. هذا يعني الكثير لسكان القطاع"، واضعة المسؤولية على عاتق الحركة "في انقاذ الفلسطينيين من دوامة الموت التي لحقت بهم جراء عملية 7 أكتوبر وتخليص غزة من تبعات هذا القرار، ومن بعد فتح الباب أمام إطار وطني فلسطيني أوسع، لتدبر الكارثة التي حلت بالشعب الفلسطيني والمنطقة برمتها"، وفق تعبيرها.
وبحسب صحيفة "عكاظ" السعودية فإن "التقارب البريطاني الفرنسي لا يخلو من طموحات توسعية بعد أن أصبحت أوروبا بالمجمل تخلو من دول رئيسية مثل الصين وأمريكا وروسيا أو حتى الهند"، مستنتجة أن "التحدي الحقيقي للطرفين، يبقى أولًا: إلى أي مدى سيقبل الأوروبيون جميعًا أن تكون بريطانيا وفرنسا مجتمعتين المظلة النووية التي تحميهم مع كل تحديات الثقة التي تصاحب هذا السؤال، كما إلى أي مدى ينجح الطرفان في توفير الميزانيات المطلوبة عسكريًا، على حساب متطلبات الناخب اليومية في ظل ظرف اقتصادي صعب".
(رصد "عروبة 22")