تفاقمت الأزمة بشكل حاد بعد السابع من أكتوبر عام 2023، حينما قررت حكومة الاحتلال الخصم من المقاصة الأموال التي تدفعها السلطة الفلسطينية لقطاع غزّة 75 مليون دولار شهريًا بدل رواتب لموظفيها وخدمات صحة وتعليم وغيرها.
ترافق ذلك مع شح الدعم العربي والدولي لخزينة السلطة، وتراجع كبير في عائدات الضرائب المحلية من 400 مليون شيكل شهريًا اي ما يعادل 107.5 مليون دولار أمريكي إلى 200 مليون شيكل شهريًا أي ما يعادل 53.7 مليون دولار أمريكي، ما تسبّب في تراجع الاقتصاد المحلي، وتوقف عمّال الداخل عن العمل ويبلغ عددهم قرابة 180 ألف عامل، وقد أثر ذلك على القطاع الخاص الذي اضطر نتيجة الظروف الداخلية إلى تسريح العديد من العاملين فيه، ما رفع عدد العاطلين عن العمل بعد السابع من أكتوبر ما بين عمّال داخل الخط الأخضر وفي الأراضي الفلسطينية ليصل إلى نصف مليون فرد يعيلون أكثر من ٣ مليون نسمة.
بعد انسداد غالبية مصادر الدخل للسلطة الفلسطينية، اضطرت للاقتراض من البنوك وصندوقَي التقاعد وتأمين تعويض مصابي حوادث الطريق لتوفير نصف راتب فقط شهريًا، وقد بلغت قيمة الرواتب المستحقة للموظفين على السلطة أكثر من خمسة رواتب حتى اليوم.
نتيجةً لذلك، باتت السلطة غارقه في وحل العجز والديون، وغير قادرة على الإيفاء بالتزاماتها تجاه موظفيها والخدمات المختلفة التي تقدّمها للمواطنين، وقد لا تستطيع صرف حتى نصف راتب خلال الأشهر المقبلة، لأنّ البنوك لن تستطيع إقراضها لأشهر أخرى.
سياسات داخلية تعمّق الأزمة
ورغم استفحال الأزمة المالية للسلطة، إلا أنها شهدت في الفترة الأخيرة موجة تعيينات جديدة في وظائفها العليا، إذ أكد بلال البرغوثي، رئيس الدائرة القانونية في الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان)، أنّ غالبية الذين تم تعيينهم مؤخرًا هم من ذوي الوظائف العليا خصوصًا في السلك الدبلوماسي ولا يقل تصنيفهم عن درجة سفير، وتُعتبر هذه الوظائف ذات دخل مرتفع إذا ما قورنت بالوظائف الأخرى للسلطة الفلسطينية.
وبسبب غياب قانون حق الحصول على المعلومات، فإنه يصعب الحصول على أرقام تخصّ الأثر المالي لهذه التعيينات على خزينة السلطة، لذلك أوضح البرغوثي أنه تمّ التعرف على هذه التعيينات من خلال "التهاني في وسائل الإعلام أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي". وأضاف: "غالبية التعيينات كانت بالأصل لموظفين من ذوي الوظائف العليا وقد وصلوا لسنّ التقاعد وتم توظيفهم من جديد، ما يعني ذلك بأنّ التعيينات الجديدة جاءت من أجل الاسترضاء وكسب الولاءات وتمركز النفوذ على نحو يتعارض مع القانون الأساسي وبرنامج الحكومة الحالي ويخلّ في مبدأ الشفافية وتكافؤ الفرص ويؤثّر نفسيًا على صمود المواطن الفلسطيني الذي يتعرض للعدوان في الضفة الغربية والإبادة الجماعية في غزّة".
ويرى البرغوثي أنّ "الأولى من التعيينات الجديدة التي تثقل موازنة السلطة في ظل أزمة مالية مستفحلة، هو توجيه الأموال لخلق فرص عمل للشباب".
كذلك يرى الخبير الاقتصادي والمحاضر د. نصر عبد الكريم، أنه بالرغم من أنّ طبيعة الأزمة المالية للسلطة الوطنية الفلسطينية خارجية، فإنّ التعيينات الجديدة لها أثر مالي على تعميق الأزمة وهي تؤثر بشكل مباشر على صندوق التقاعد، خصوصًا أنّ الذين يتم تعيينهم هم موظفون سابقون تجاوزوا سن التقاعد، معتبرًا أنّ التعيينات الجديدة للموظفين السابقين تقيّد عملية التجديد في المؤسسات وتزيد من نسبة البطالة المرتفعة أصلًا بين الشباب، والتي بلغت حسب جهاز الإحصاء المركزي، قبيل السابع من أكتوبر، 47% للشباب الحاصلين على دبلوم فأعلى، وتتراوح أعمارهم ما بين 19-29 عامًا، فكيف اليوم بعد أن فقد نصف مليون عامل وظائفهم سواء الذين كانوا يعملون داخل الخط الأخضر أو في القطاع الخاص!.
حلول خارجية وداخلية
لا يوجد حلول سريعة وسحرية للأزمة المالية للسلطة الوطنية الفلسطينية بسبب أن أغلب أسباب الأزمة خارجية، ويتطلّب الخروج منها عودة الأموال المحتجزة من قبل حكومة الاحتلال الاسرائيلي إما عن طريق ضغط دولي مرتبط بأفق سياسي جديد يضمن إنهاء الاحتلال، أو عن طريق عودة الدعم للمساعدات الخارجية للسلطة بطريقة سخية تسد العجز لدى موازنة السلطة الفلسطينية.
كما أنه يجب على السلطة الوطنية الفلسطينية بدورها القيام بإصلاحات داخلية إدارية واقتصادية وأن تتبنى سياسات تضبط المال العام بكفاءة أفضل، ضمن خطة طوارئ تشمل ضبط التعيينات في الوظائف العليا بعيدًا عن الهدر والمحسوبيات وفق العديد من الخبراء الاقتصاديين.
(خاص "عروبة 22")