"شعر والدي ببعض الآلام على مستوى الكلى والصدر فنقلناه إلى مستشفى الحكومي بالكاف هناك روى للطبيبة أنه يعاني من أوجاع في صدره وبعض الدوار طلبت إجراء بعض التحاليل التي كانت جاهزة في غضون ساعة. لدى إجراء التحاليل أخبرني العاملين بالمخبر أن والدي لا بد أن يعود للطبيبة حالًا لأنّ نتائج التحاليل تؤكد أنّ هناك مشاكل في القلب. عندما عدنا إلى الطبيبة اطلعت على التحاليل وقالت بعصبية إنّ والدي بخير وبإمكانه المغادرة، حتى عندما سألتُها عن صحة قلبه ظلت متمسكة بردّها. أخذتُ والدي لنعود إلى المنزل ولكن لم نكد نبتعد بعض الخطوات حتى خامرتني الشكوك وتذكرت قلق العاملين بمخبر التحاليل بشأن والدي وقررت أخذه لطبيبة في القطاع الخاص. وبمجرد أن اطلعت الطبيبة على التحاليل حتى أصابتها الدهشة وسألت كيف سُمح لوالدك بالمغادرة بعد نتائج هذه التحاليل؟ ومن فعل ذلك؟".
ومباشرة اقترحت الطبيبة أن تتصل بالإسعاف حتى يتم يسهل إدخاله للمستشفى وإقامته هناك تحت رعاية الأطباء لأن حالته لا تسمح بالعودة للمنزل. ولكن وبينما كانت الطبيبة تكتب إذنًا لنقله للمستشفى حتى سقط الوالد مغشيًا عليه ثم توفي بعدها مباشرةً رغم قيام الطبيبة بالإسعافات الأولية.
هكذا تروي سماح قصة والدها المتوفي وتضيف لـ"عروبة 22": "طلبت منا الطبيبة أن نعود إلى المستشفى الحكومي ونطلب شهادة وفاة وأن تتحمل الطبيبة التي عاينته هناك مسؤولية وفاته لأنها تركته يغادر رغم أنّ التحاليل التي بين يديها كانت تثبت أنه في حالة خطيرة ويحتاج أن يُنقل مباشرةً تحت إشراف طبي. عند ذهابنا مرفوقين بالشرطة ووكيل الجمهورية أنكرت في البداية أن تكون قد عاينته وبمجرد أن رأتني استدركت قائلة نعم عاينتُه، ولكنها أنكرت أنها اطلعت على التحاليل. علمًا أنها ليست الحالة الأولى التي تتورط فيها هذه الطبيبة إذ سبق أن عاينت رجلًا تعرّض لحادث ورغم تأكيد نتائج التحاليل التي اطلعت عليها أنه يعاني من نزيف داخلي إلا أنها أخبرت أهله أنه مجرد ألم على مستوى الأضلع ليتوفى الرجل مساء بسبب النزيف. ورغم تقديم أهله شكاية في حقها إلا أنها لم تعاقَب وتم التلاعب بالملف لأنّ الطبيبة تتمتع بعلاقات قوية مع أشخاص نافذين، كما وردتني عدة شكاوى من عدة مواطنين آخرين تحدثوا أنّ أخطاء ارتكبتها هذه الطبيبة وتسببت في كوارث صحية لذويهم ولكنهم لم يستطيعوا تتبعها قضائيًا بسبب علاقاتها القوية".
وتسجل تونس سنويا 500 شكوى متصلة بشبهة أخطاء طبية تتعلق في الأساس بتدخلات جراحية في اختصاصات أمراض النساء والتوليد وجراحة الأعصاب وجراحة المفاصل والعظام، وفي مجال التجميل أيضًا. كما تقدّر الجمعية التونسية لمساعدة ضحايا الأخطاء الطبية وقوع 15 ألف خطأ طبي سنويًا في تونس، تشمل مختلف التدخلات الطبية والجراحية.
ورغم هذا العدد الكبير إلا أنّ العقوبات والتعويضات ظلت غالبًا ضعيفة مقارنة بما يحصل من ضرر، إذ إنّ التعويض لا يتجاوز معدل ألف دينار (350 دولار) عن كل نقطة ضرر يقدرها نتيجة الخطأ الطبي. وحدث ذلك في ظل غياب نص قانوني واضح يحدد المسؤوليات الطبية لدى التعاطي مع ملفات الأخطاء الطبية التي يُنظر فيها كقضايا جزائية. ومنذ 2017 تم عرض مشروع قانون يهدف لضمان حقوق المرضى والأطباء لكنه ظل يتأجل في كل مرة حتى حُسم في الخامس من يونيو/حزيران الجاري.
وأقرّ هذا القانون الحق في التعويض المادي والمعنوي والأدبي في حالة وجود ضرر ناتج عن خطأ طبي أو في الخدمات الصحية وفي حالة التعفنات الجرثومية الناجمة عن التداوي. كما فرض إجبارية التأمين على الأخطاء الطبية بالنسبة للأطباء المنتصبين في القطاع الخاص وتولي وزارة الصحة التعويض عن الأخطاء الطبية في المستشفيات الحكومية.
يبقى التحدي الأصعب ليس التعويضات المادية، ولكن في سبل تتبع الأطباء في حال حدوث الخطأ الطبي في ظل وجود قناعة أن إمكانية معاقبة طبيب بالسجن أو بالإبعاد عن المهنة لو مؤقتًا بسبب قيامه بخطأ طبي يبقى أمرًا صعبًا بسبب التلويح بالإضراب أو القيام به في كل مرة يتم فيها تتبع أحد الأطباء قضائيًا.
بدورها تروي أماني لـ"عروبة 22" ما حلّ بها بسبب أحد الأطباء، فتقول: "بعد فترة من زواجنا لم يحدث الحمل فقررنا أن نقوم ببعض التحاليل، ولدى ذهابنا إلى الطبيب أخبرني أنّ هناك حملًا لكنه خطير وطلب أن أتوجه إلى أحد المستشفيات الخاصة لإجهاضه بطريقة آمنة. وفعلًا ذهبت وقمتُ بالفحوصات واستفقت بعد التخدير ليخبرني الطبيب أنّ الأمر قد تم. بعد محاولاتي وزوجي قررنا أن نجرّب طفل الأنبوب وهنا كانت الصدمة فبعد إجراء التحاليل تبيّن أن زوجي لا ينجب الأطفال وأنه يعاني من عقم لا يُشفى. نزل الخبر كالصاعقة واتهمني زوجي بالخيانة أمام الجميع في المستشفى، وبدأ الجميع من عائلتي وعائلة زوجي ينظرون إلي نظرة سيئة".
وتتابع: "قررتُ أن أواجه الجميع وقمتُ بإجراء تحاليل جديدة لأتبيّن أنني لم أكن حاملًا ولم أقم بأي إجهاض وأن الطبيب قد افتعل ذلك لسرقة المال لا غير. ذهبتُ إلى المصحة التي يعمل بها وهددته بأنني سأقاضيه وتحت ضغط مدير المصحة الذي خشي الفضيحة كتب اعترافًا بأنه لم يكن هناك حمل ولا إجهاض واستطعتُ أن أثبت براءتي وعاد زوجي واعتذر لي وعدنا سوية. لكنني لن أهدأ قبل أن يتم طرد هذا الطبيب من سجل الأطباء لأنّ ما قام به كاد أي يدمّر عائلتي وجعلني أواجه أوقاتًا لا أستطيع أن أصف كم كانت صعبة وسيئة".
وتوفر المؤسسات الصحية التونسية سنويا 18 مليون عيادة ومليون عملية جراحية و800 ألف إقامة في المستشفى. وتتكوّن شبكة المؤسسات الصحية من 29 مستشفى جامعيًا و33 مستشفى جهويًا و121 مستشفى محليًا و2080 مركز صحة أساسية في كامل أنحاء البلاد. وتعاني المنظومة الصحية في تونس من تدهور حاد في البنية التحتية والخدمات الصحية والأجهزة، تعمّق بعد ثورة 2011 مع تعاقب حكومات أهملت الاعتناء بقطاع الصحة العمومية.
(خاص "عروبة 22")