قضايا العرب

فوز اليمين المتطرّف بأوروبا.. ما مصير المهاجرين العرب والمسلمين؟

المغرب - حسن الأشرف

المشاركة

دقّ اكتساح أحزاب اليمين واليمين المتطرّف في الانتخابات الأوروبية ناقوس خطر كبير محدق بالمهاجرين، خصوصًا منهم العرب والمسلمون، في العديد من دول القارة العجوز، كما أنّه أثار قلق المؤسّسات الأوروبية ذات التوجهات الديمقراطية والاجتماعية والإنسانية، لِما عُرِف عن أحزاب اليمين المتطرّف من "عداء منهجي" ضد كل ما "عربي ومسلم".

فوز اليمين المتطرّف بأوروبا.. ما مصير المهاجرين العرب والمسلمين؟

يرى مراقبون أنّ فوز اليمين المتطرف في أوروبا ناجم بالأساس عن تحوّلات سياسية وديمغرافية وثقافية في نسيج البلدان الأوروبية، وأيضًا عن صعوبة اندماج العديد من فئات المهاجرين في التركيبة والهوية الأوروبية، الشيء الذي فطن إليه اليمين المتطرّف بتحويل موضوع المهاجرين إلى مادة دسمة ركبت عليها لتحقق هذه الانتصارات الانتخابية.

وتجد دول أوروبية عديدة، خصوصًا فرنسا، نفسها في قلب مفارقة مثيرة للنقاش السياسي، فهذه الأحزاب اليمينية "تلاحق" المهاجرين في حياتهم، وتضيّق عليهم مسارات التطور والاندماج، وترفض حتى وجودهم في البلاد، في الوقت الذي تحتاج فيه أوروبا إلى سواعد وكفاءات هؤلاء المهاجرين لتنمية بلدانها، بالنظر إلى النقص الفادح لمواردها البشرية في عدد من المهن والحرف والوظائف.

أسباب وصدمة

يرى في هذا الصدد أستاذ العلاقات الدولية، الدكتور حسن بلوان، أنّ اكتساح أحزاب اليمين واليمين المتطرّف لمجموعة من الانتخابات في أوروبا لم يعد ظاهرة عابرة، بقدر ما أصبح حقيقة وواقعًا يؤرق أجهزة ومؤسّسات الاتحاد الأوروبي الديمقراطية، كما يقض مضجع المهاجرين، بخاصّة منهم العرب والمسلمون.

وعزا بلوان، في تصريحه لمنصة "عروبة 22"، تصدّر اليمين المتطرّف المناهض للعرب والمسلمين في انتخابات البرلمان الأوروبي إلى عاملين أساسيين؛ الأول مرتبط بالتحوّلات السياسية والديمغرافية والثقافية التي تعيشها أوروبا، والتي زادتها الحرب في أوكرانيا تشددًّا وتطرفًا.

والعامل الثاني، وِفق الخبير المغربي ذاته، يتمثل في صعوبة اندماج الغالبية العظمى من المهاجرين العرب والمسلمين في النسيج الاجتماعي والثقافي الأوروبي، ونزوع الكثيرين منهم نحو التطرف والفكر المتشدّد.

وتابع بلوان بأنّ فوز اليمين المتطرف واكتساحه الانتخابات التشريعية الأوروبية في دول كانت توصف بأنّها قلاع الليبرالية مثل فرنسا، هو مؤشر خطير على حجم الضغط والتضييق الذي ينتظر المهاجرين العرب والمسلمين، الذين أصبحوا مادة دسمة في البرامج الانتخابية لليمين واليمين المتطرف. واستطرد قائلًا: "ما حدث في فرنسا بُعيد الانتخابات الأوروبية يشكل صدمة سياسية ليس بالنسبة للمهاجرين وحسب، بل أيضًا للأحزاب التي تتبنى خطابًا متوازنًا، مما يؤشر على تمدد اليمين المتطرف في البرلمان الأوروبي وسيطرته على السلطتين التشريعية والتنفيذية في معظم الدول الأوروبية، ما يعني إصدار قوانين وقرارات وخطابات أكثر راديكالية اتجاه المهاجرين العرب والمسلمين".

وحري بالذكر أنّ حزب التجمع الوطني الفرنسي حصل على 32 بالمائة من الأصوات في الانتخابات الأوروبية يوم الأحد 9 يونيو/حزيران الجاري، أي نحو ضعف حصيلة الحزب الرئاسي، ما دفع الرئيس إيمانويل ماكرون إلى حل الجمعية الوطنية والإعلان عن انتخابات تشريعية، في خطوة تهدّد بوصول اليمين المتطرّف إلى السلطة في فرنسا لأول مرة عبر صناديق الاقتراع.

مفاهيم التعايش الاجتماعي

من جهته، توقف الدكتور مولاي هشام معتضد، أستاذ العلاقات الدولية في إحدى الجامعات الكندية، عند أبرز الأمور التي تتخوف منها الجالية العربية والمسلمة جراء تصدّر اليمين المتطرف الانتخابات الأوروبية، أهمها ما يتعلق بقوانين الهجرة، خاصّة أنّ فكر اليمين المتطرف له إيديولوجية جد انطوائية فيما يتعلق بالرؤية الاجتماعية والسياسية التي يجب عليها تنظيم الترسانة القانونية والتنظيمية لظاهرة الهجرة والمهاجرين، وهو ما سينعكس سلبيًا على الجالية العربية والمسلمة المهاجرة، أو التي تعيش على إيقاع لم الشمل العائلي والفئة التي تنتظر تسوية وضعية الإقامة".

ويشرح معتضد، في حديث مع منصة "عروبة 22"، أنّ تصورات اليمين المتطرف لمفاهيم "التعايش الاجتماعي"، أو "التداخل الثقافي"، أو "الاندماج العرقي" تقلق بشكل كبير الجالية العربية والمسلمة المقيمة في أوروبا، خاصّة أنّ معاناة هذه الفئة من معظم الخطابات "الإقصائية" لبعض الساسة اليمينيين المتطرفين باتت تسبب أرقًا كبيرًا للعديد من الطبقات الاجتماعية العربية والمسلمة في تدبير اندماجها، ليس فقط الاندماج الاجتماعي، ولكن الاقتصادي والمهني والإنساني أيضًا.

ووِفق معتضد: "يقف تصوّر مُنظّري اليمين المتطرف لقضايا الهجرة عائقًا كبيرًا أمام خلق سياق لتواصل بنَّاء بين القيادة اليمينية المتطرفة وممثلي الجاليات العربية والمسلمة في أوروبا"، موردًا أنّه "رغم المجهودات الكبيرة التي تقوم بها مختلف الفعاليات المدنية والسياسية المحسوبة على العرب والمسلمين في محاولة لتقريب وجهات النظر بينها وبين اليمين المتطرف، إلّا أنّ التقوقع الفكري للإيديولوجية اليمينية المتطرفة بخصوص الهجرة والمهاجرين تضع ممثلي الجاليات العربية والمسلمة أمام آذان صماء وأفق تواصلي مسدود ودون مساحات للتداول الفكري".

التخوف مشروع

وعن تساؤل البعض لماذا كل هذا التخوف الذي يبديه المهاجرون خصوصًا العرب والمسلمون منهم حيال بروز وتنامي أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا، يؤكد معتضد أنّ "هذا التخوف مشروع نظرًا لتاريخ المشروع اليميني المتطرف بخصوص قضايا الهجرة والمهاجرين"، وأضاف: "ما يعمّق هذا التخوف هو الصعود الجماعي والدولي لصوت هذه الإيديولوجية التي تعتبر الهجرة تهديدًا فعليًا للأمن القومي الوطني لبلدانهم، وربط معظم الإخفاقات السياسية الوطنية بعدم هيكلة قطاع الهجرة والمهاجرين، وهذا التوجه في حد ذاته يزيد من الضغط النفسي والاجتماعي على كل من يحوم في دائرة الهجرة أو يعيش مسارها الاجتماعي والإنساني".

ولفت في المقابل إلى أنّ غياب تنظير "احتوائي" لدى مؤطري اليمين المتطرف، وتعزيز مفهوم "الإقصاء الاجتماعي" لديهم لإيمانهم بمعايير محدّدة ومحدودة في تعريف "المواطن الطبيعي أو الصالح" لما يتعلق الأمر بجهود إدماج الاختلاف الإنساني والعرقي، كلها عوامل تزيد من زرع الخوف والترقب لدى الفئة المسلمة والعربية التي أثبتت بمعظمها، ليس فقط رقي حسها المنتمي لمواطن الاستقبال، ولكن نجاح معظم مسارات اندماج أبنائها في ديناميكية وحركية بلدان الإقامة".

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن