بصمات

الابتكار العربي في محاربة اليأس

تفاعل العالم العربي ورواد مواقع التواصل الاجتماعي أخيرًا مع قضيتين رمزيتين: انطلاق أول رحلة تاريخية سعودية إلى محطة الفضاء الدولية، وسطوع نجم التونسية أنس جابر في فضاء لعبة كرة المضرب العالمية.

الابتكار العربي في محاربة اليأس

فضمن رؤية المملكة لعام 2030، كانت الهيئة السعودية للفضاء أعلنت عن كل الاستعدادات لانطلاقة أول رائدة فضاء سعودية ريانة برناوي ورائد الفضاء السعودي علي القرني في الرحلة عبر صاروخ "فالكون 9" ومركبة "دراجون 2"، لنقل طاقم المهمة إلى محطة الفضاء الدولية، وتضمّنت الرحلة إجراء 14 تجربة بحثية علمية في عدد من المجالات ذات الأولوية، مثل الصحة والاستدامة وتقنية الفضاء والمناخ. فيما دخل اسم اللاعبة التونسية، البالغة من العمر 26 عامًا، أنس جابر التاريخ الرياضي، وذلك بعد أن أصبحت أول عربية تحقق لقبًا ضمن دورات رابطة المحترفات في كرة المضرب، بتتويجها في دورة برمنغهام الإنكليزية، فتحوّلت مصدر إلهامٍ، مع وصولها إلى النهائيات.

السبيل للانخراط في المجتمع المفتوح، يكون بالنهوض بالتعليم في إطار استراتيجبات تنمية الموارد

في الحالتين لا شيء مستحيل، إذا كان التعليم هو المسار/ ملهم الأجيال، في ظلّ العولمة وثقافة السوق، والعامل الأساسي على الاستفادة من الفرص الواعدة التي تقدمها كل القطاعات، بما فيها قطاع الفضاء وصناعاته عالميًا، وتأهيل كوادر متمرسة لخوض رحلات فضائية، أو القطاع الرياضي الذي يشهد حالة استقطاب ما بعد استهلاكية. كلا الحالتين، تُظهر، أنّ أهداف التعليم، تشكّل فرصًا كبيرة. وقد تكون أهدافًا غير متواضعة، في ظلّ طموح وتصميم على إحداث نهضة واسعة النطاق. الأهم أنها نجاحات تأتي في مناخات متسامحة في مزاجها النفسي، وتساهم في بناء حالات من الاستقرار الاجتماعي، وتهتم بروح الشعوب أكثر، عدا مساهماتها الحاسمة بإبراز الطابع القومي الخاص بكل شعب، أو الروح الجماعية.

إذن السبيل للانخراط في المجتمع المفتوح، يكون بالنهوض بالتعليم في إطار استراتيجبات تنمية الموارد، يعززها التعاون العلمي المشترك، وتبادل خبرات مع البوابات الأخرى، ومن دون حواجز في الدخول إلى المؤسسات الأجنبية في مجال التعليم العالي والتخصّصي والأبحاث وهيكلة البرامج في العلوم الاجتماعية، حيث يواجه العالم كلّه تحوّلات عميقة، ما يشغل أداء منظومات التعليم والبحث العلمي والتطوّر التكنولوجي والابتكار. ولدى العرب فرصة حقيقة في تغيير أولوياتهم، حيث تنامت قدراتهم إلى حدود تتيح لهم قدرة التأثير على متخذي القرار أنّى كانوا، في الوقت الذي تعيش فيه بلدان عربية أخرى ظروفًا صعبة. لكن هذا لا يمنعها من إنشاء بيئات مستحدثة لتوليد المعارف، ونشرها واستثمارها. فالعالم مفتوح على المشاع الإبداعي أو الخلّاق في تحوّلات مفصليّة.

قصص النجاح أساسية في محاربة اليأس، وأساسها البحث عن مخارج أخرى، منها النهوض بمنظومات التعليم بأوجهه مختلفة، والاستفادة من الفرص المتاحة، لإحداث التطور الجذري. فلطالما جمعت شعوب المنطقة حطام الماضي، وشهدت أحداثًا لا علاقة لها ببناء مستقبلها نتيجة تصارع قوى الانقسام والصراعات السياسية والدينية والطائفية. فيما المستقبل في مكان آخر، مدفوعًا بتطلّعات الشباب نحو حياة، يعمّها الأمان والاستقرار. ويشير هذا إلى مسار من المسؤوليات على عاتق العاملين على التحفيز والمغامرة والإبداع، ولتذليل الصعاب التي تعترض الطريق أمام قيام المجتمعات المدنيّة.

الحاجة واضحة لأن تتضمّن سياسات العلوم استجابات أفضل من حيث أولويات التنمية الاجتماعية

يتبّين أن البلدان العربية تملك مخرجات تسمح بها مواردها والقوى البشرية التي تمتلكها، والحاجة واضحة لأن تتضمّن سياسات العلوم في المستقبل استجابات أفضل من حيث العمق والاتساع لأولويات التنمية الاجتماعية العاجلة، والاستعانة بالخبرات الخارجية لتعزيز المنظومات الوطنية، وترجمة الأفكار والرؤى إلى منتجات قابلة للتسويق عالميًا، وتساهم في تعظيم دور المعرفة، التي صنعت حداثة الاقتصادات والمجتمعات الأوروبية. تبقى الحاجة إلى الأداء المقارن بين البلدان العربية، مقارنةً بباقي دول العالم لتوفير البيئة التمكينية الاقتصادية والاجتماعية من ناحية، والتطوّر الذي تحقّقه في مضمار البنى الأساسية من ناحية أخرى.

في العقد الأول من الألفية الحالية، أصابت الانطلاقة المعرفيّة في دول المشرق والمغرب العربي انتكاسة تسببت بها عوامل داخلية وخارجية عديدة، ليس أقلها الاضطراب السياسي والأمني والاقتصادي والحروب المتنقلة بين وداخل دول المنطقة، أي مما يبعث على اليأس الكثير. لكن الدول العربية تحتلّ اليوم منطقة من العالم شكّلت مهد حضارة الإنسان، وتنعم بقدرات، والتاريخ ليس ملزمًا بتكرار نفسه. الإمكانيات والموارد الإنسانية المتوافرة ومدخلات العلوم والتكنولوجيا، ليست مجرد سلع وأدوات يتم شراؤها.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن