الخميس الماضي تسلم «هرتسي هاليفي» رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، تقريرا أوليا يتضمن جزءا من نتائج التحقيق في هجوم 7 أكتوبر، حتى اللحظة وانتظارا لنهاية الحرب على غزة فرضت أقصى درجات السرية على تلك النتائج. إلا أن بعض التقارير الإسرائيلية وتحت ضغط سكان مستوطنات غلاف غزة، وعائلات القتلى والمحتجزين في غزة، خرجت أجزاء من هذا التقرير على الأقل ما يروي بعضا من الوقائع ما زالت تحمل وقع الصدمة.
هيئة البث الإسرائيلية وصحيفة «إسرائيل اليوم»؛ كشفتا واقعة إطلاق الدبابات الإسرائيلية النار على منزل «بيسي كوهن» في كيبوتس «بئيري» بغلاف غزة، مما أسفر عن مقتل 13 إسرائيليا ظنا أن هناك مسلحين فلسطينيين يحتجزونهم. «هاآرتس» في تعليقها على الأمر أضافت أن التحقيق أظهر الإخفاق الخطير، في الطريقة التي وصلت بها قوات الجيش الإسرائيلي إلى الكيبوتس، وافتقادها أولويات الأهداف وطبيعتها بسبب عدم وجود أي اتصال بين الوحدات العسكرية، التي انطلقت في فوضى وعشوائية مرعبة.
هذا أول ملامح مشهد ما بعد الحرب على غزة، رئيس الأركان هاليفي أعلن من قبل مسئوليته عما حدث في 7 أكتوبر، وقرر في فبراير الماضي بدء تحقيق داخلي يشمل وحدات الجيش كافة، عهد إلى الجنرال المتقاعد «ميكي أدليشتاين» القيام به وتسليم رئاسة الأركان نتائجه، وهناك نية مؤكدة لإطلاع سكان الغلاف عليها فضلا عن عائلات الضحايا، كنوع من الاعتراف الضمني بالفشل الذريع والإهمال المؤلم والمهين بحسب التقرير.
النتائج تشير للإخفاق في إدارة القوات الإسرائيلية داخل المستوطنات وحولها، بسبب انقطاع الاتصال بين بعضها البعض، وبينها وبين القيادة التي لم تتمالك زمام المبادرة الميدانية، إلا بعد مضى 72 ساعة كاملة من بدء الهجوم. هذا ينذر بفصل قاس من المكاشفة التي لن يفلت منها الداخل الإسرائيلي، ولا من التبعات التي لن تقتصر على مجرد إعلان تحمل المسؤولية، بل ستمتد لتطير رقاب قادة استخبارات وعسكريين بعد اتضاح مدى الإخفاق ودورهم بدقة في صناعة نتائج المشهد الكارثي. لذلك لم تكن مصادفة أن يخرج وزير الدفاع الإسرائيلي «يوآف جالانت»، بعد ساعات من وصول نتائج التحقيق لرئاسة أركان الجيش كي يدعو بضرورة أن يشمله هو شخصيا التحقيق، ومعه رئيس الوزراء نتنياهو، حيث تبدو هناك حقائق مثبتة تشير إلى إخفاقات سياسية محددة تتعلق بالسابع من أكتوبر وما بعده. وهو ما دفع نتنياهو إلى الرد بتسريب نيته نقل حقيبة وزارة الدفاع، من جالانت إلى «جدعون ساعر» في إشارة إلى قدرته على خوض معركة تكسير عظام، والمؤكد لن يتورع نتنياهو عن تجريد جالانت من هالة حقيبته الوزارية كي يواجه كوابيس ما بعد الحرب عاريا.
على جانب آخر؛ من الملامح التي تمكن الوسطاء مصر وقطر والولايات المتحدة إنجاز صياغاتها الجديدة، انطلاقا من مفهوم مهم أنه «لا إسرائيل ولا حماس» في إشارة إلى إدارة قطاع غزة بعد نهاية الحرب. على أن تعلن كلمة النهاية «المؤقتة» مع بدء سريان المرحلة الأولى من الاتفاق، وهي مرحلة تستهدف إسكات النار لصالح البدء الفوري في إعادة تأهيل وتشغيل «معبر رفح». نقطة الانطلاق ستكون معبر رفح بعد أن استجابت إسرائيل لضرورة انسحاب قواتها من «محور فيلادلفيا»، ولضمان التدفق السريع والمكثف للمساعدات الإنسانية إلى داخل القطاع (600 شاحنة/ يوميا)، تشمل شاحنات وقود ويسمح لنحو 25% من مجمل الشاحنات بالوصول لشمال قطاع غزة. خلال هذه المرحلة الأولى؛ سيكون هناك عمل مكثف، لإعادة ترميم المرفق الصحي بالقطاع على أن يشمل ترميم وتشغيل مستشفى واحد كبير على الأقل، بكل مدينة من مدن القطاع شمالا وجنوبا يصاحبه إزالة الأنقاض وفتح الطرق الرئيسية.
المرحلة الأولى من الاتفاق، الذي يستهدف الوسطاء إرساءه والإعلان عن سريانه هذا الأسبوع، تمتد لستة أسابيع تمكن الجهد المصري القطري والضغط الأمريكي من إحداث أكثر من اختراق في الإشكاليات السابقة التي ظلت تحول دون إتمام اتفاق. أبرزها أن تكون تسمية إيقاف القتال بالصيغة «المؤقتة» طوال المرحلة الأولى، وفيها تنسحب القوات الإسرائيلية من المناطق ذات الكثافة السكانية العالية، والمقصود من داخل مدن القطاع ومخيماته ومربعاته السكنية، على أن يتعهد الوسطاء الثلاثة باستمرار المحادثات خلال تلك المرحلة، حتى يتم التوصل إلى جميع الاتفاقات ويصبح من الممكن بدء المرحلة الثانية. خلال هذه الفترة تقوم حماس بالإفراج الفوري عن (33 محتجزا) بما في ذلك جميع النساء، وجميع الرجال ممن تزيد أعمارهم على 50 عاما وجميع الجرحى، على أن تطلق بالمقابل إسرائيل مئات الأسرى الأمنيين الفلسطينيين وذوي الأحكام الكبيرة من السجون، وقد أعدت حماس بمساعدة الجانب المصري قوائم للأسماء التي تشملها المرحلة الأولى. وهناك ذكر واضح أن هذه المرحلة ستمتد زمنيا لأكثر من 6 أسابيع، في حال استمرت المفاوضات، لحين الانتهاء من جميع الالتزامات للجانبين، بشرط أن تكون هناك إرادة إنجاز حقيقية على الأرض من قبل إسرائيل وحماس.
هناك طرح أمريكي يتبنى تسليم إدارة المعابر وشؤون الأمن بالقطاع، لعناصر أمنية تابعة للسلطة الفلسطينية (2500 فرد) يتم تأهيلهم للقيام بالأدوار والمهام العاجلة، لحين الانتهاء من المراحل الثلاث للاتفاق، وبعدها يجري إرساء منظومة الإدارة وحفظ الأمن، وفق الوضع المستقر والمستدام الذي سيجري التوافق بشأنه، ويبدو أن هناك قبولا مبدئيا من الطرفين لمثل هذا الترتيب باعتباره سيضمن البدء الفوري في المرحلة الأولى.
المرحلة الثانية ستطلق فيها حماس سراح الجنود، وسيتفاوض الجانبان على اتفاق بشأن إنهاء الحرب بشكل دائم والانسحاب الإسرائيلي الكامل من غزة. على أن تتضمن المرحلة الثالثة خطة متعددة السنوات، لإعادة إعمار غزة التي دمرتها الحرب، سيتم خلالها إعادة جثث الرهائن القتلى المتبقين إلى إسرائيل، وتسليم القطاع بكامله إلى الإدارة المستدامة التي سيجري التوافق عليها.
("الأهرام") المصرية