قضايا العرب

"رأس جدير".. أزمة معلّقة بين الحدود الليبية التونسية!

رغم أنّ سلطات غرب ليبيا نجحت في استعادة السيطرة رسميًا على معبر رأس جدير الحدودي مع تونس وفرضت سيطرتها عليه بعد ثلاث محاولات متتالية فاشلة، إلا أنّ الإعلان عن إعادة فتح المعبر مؤخرًا، بعد إغلاق استمر منذ شهر مارس/آذار الماضي، يُعد مؤقتًا، ما يحمل في طياته مخاطر من احتمالات عودة الاضطرابات مجددًا، في أي وقت.

وسابق عبد الحميد الدبيبة رئيس الوزراء الليبي من مقره في العاصمة طرابلس، الزمن مع وزير داخليته المكلف عماد الطرابلسي، لتجنّب الفشل الأمني للحكومة، عبر اتفاق مع أقلية الأمازيغ، التي تمثّل غالبية المدن القريبة من الحدود. فسعى إلى تجنب الفشل الأمني عبر اتفاق مع أقلية الأمازيغ، التي تسيطر على المناطق القريبة من الحدود حيث قاد مفاوضات مع محتجين بحضور أعيان المنطقة لإظهار قدرته على السيطرة المركزية وبسط الأمن في الغرب، وخاصة العاصمة فى محاولة لاحتواء قلق مشايخ المنطقة من تواجد قواته في المعبر بتعهدات بتقديم خدمات محلية.

وبدا أنّ مفاوضات مع محتجين قادها الدبيبة، بحضور أعيان تلك المنطقة، تسعى لاستباق تشكيل حكومة موحدة جديدة، لإظهار سيطرة حكومته وقدرتها على بسط الأمن في المنطقة الغربية وفي القلب منها العاصمة، وإلا اعتبرت غير مؤهلة لأن تكون عماد وأساس الحكومة الموحدة التي تدير العملية الانتخابية.

وعكست الاشتباكات الأخيرة، بين حكومة الدبيبة والقوات الأمازيغية، عدم قدرة الحكومة على السيطرة على المعبر وعلى المليشيات المسلحة في الغرب الليبي، ما دفع البعض إلى اعتبار أنّ حالة الهدوء التي سادت بعد التصادم بين الطرفين حتى وإن استمرت لأوقات طويلة فستظل مؤقتة ما لم يتم الاتفاق بين الأطراف الليبيين المعنيين بحل الأزمة على حل وسط يرضي الجميع، وهو ما يزيد الشكوك المتعلقة بشأن قدرة الدبيبة على فرض الاستقرار الدائم في الغرب الليبي.

وأغلقت السلطات التونسية في التاسع عشر من شهر مارس/آذار الماضي معبر رأس جدير الحدودي مع ليبيا لأسباب أمنية، بعد ساعات قليلة من إعلان وزارة الداخلية التابعة لحكومة الدبيبة، إرسال قوات إلى المعبر بهدف مكافحة التهريب وضبط المخالفات الأمنية.

ورغم التجهيزات الطويلة التي استغرقها العمل بتطوير المعبر، فقد تعطلت منظومته الإلكترونية، بينما أظهر مقطعًا مصورًا لاحقًا الطوابير الطويلة للمسافرين أثناء عودتهم إلى ليبيا عبر المعبر.

وحال اعتصام مفتوح في زوارة الليبية، دون إعادة فتح المعبر بعد إغلاق الطريق الساحلي (أبوكماش - رأس جدير)، بحواجز ترابية لمنع حركة المرور، احتجاجًا على قرار وزير الداخلية عماد الطرابلسي، تسليم إدارة المعبر إلى السلطات الأمنية مقابل تقديم وعود تنموية في منطقة زوارة التي ظلت مهمّشة ومنسية لفترة طويلة في ظل نظام معمّر القذافي.

وأرجع عبد العزيز الرواف، الكاتب الصحفي والمحلل السياسي الليبي، المشاكل القائمة في غرب ليبيا إلى غياب سلطة قوية هناك، لافتًا إلى أنه رغم ترحيب سكان المنطقة بإعادة فتح المعبر، إلا أنّ هناك مخاوف من سيطرة مليشيات الأمازيغ عليه وعودة تهريب الوقود والسلع المدعومة من ليبيا إلى تونس عبره.

بالنسبة للجانب التونسي، فإنه يفضل استمرار فتح المعبر، حيث يعتمد عليه سكان الولايات الحدودية الثلاث للحصول على فرص عمل عبر التهريب وإعادة تصدير السلع الليبية المدعومة بأسعار مضاعفة في تونس، بالإضافة إلى تهريب الوقود الذي يعتبر رخيصًا نسبيًا في ليبيا.

وطالب الأمازيغ في ليبيا، بعد الإطاحة بنظام القذافي، بإدراج اللغة الأمازيغية في الدستور الجديد، وأعربوا عن رغبتهم في إنشاء "إقليم رابع" يشمل المدن الأمازيغية في الغرب بينما استولت مدينة زوارة، التي كانت مُهمّشة سياسيًا واقتصاديًا، على رأس جدير بعد الثورة وضمّت المعبر الحدودي إلى المنطقة الإدارية تحت سيطرتها، مما جعلها مركز قوة حقيقيًا.

وأشار عز الدين عقيل، رئيس حزب الائتلاف الجمهوري، إلى أنّ القوات الموجودة في رأس جدير هي قوات تابعة للدبيبة، وأنّ التهريب في رأس جدير يُعتبر الأضعف بالمقارنة مع نقاط التهريب الأخرى في البلاد. واعتبر أنّ ما يجري في المعبر هو شأن أمريكي بحت، حيث تسعى واشنطن إلى تحقيق أهدافها دون الإعلان عنها علنًا، متوقعًا دخول واشنطن في معارك واسعة باستخدام الطائرات المسيّرة بمجرد استقرار وضعها العسكري في غرب ليبيا.

يتماشى هذا، مع المخاوف التقليدية من أن يؤدي إغلاق تونس، حدودها مع ليبيا، لتقويض اقتصادها وإثارة اضطرابات اجتماعية، بينما توفر التجارة مع تونس للفصائل الليبية التي تسيطر على الأجزاء الغربية من البلاد، موارد اقتصادية لدعم سيطرتها.

وحتى في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة، لم تجد الحكومة التونسية سوى ليبيا الجريحة لمعالجة وضعها المأزوم. ولطالما استفادت الجماعات المسيطرة على مناطق الحدود، ونقطة التقاء تونس وليبيا والجزائر، من تواطؤ السكان المحليين، بينما تونس ما زالت تدفع منذ 2011 ثمنًا غاليًا للانفلات الأمني والسياسي في ليبيا. كما لم يكن تحول دفة النفوذ السياسي في معبر رأس جدير الحدودي غير المستقر على الجانب الليبي واضحًا دائمًا.

بحسب خبير إقليمي في الشأن الليبي، تحدث لـ"عروبة 22"، فلا يمكن لأي من البلدين الاستغناء عن المعبر لمدة طويلة، لذا ورغم المشاكل المتعددة التي لم يتم حلها بل تأجيلها، فإنّ الأرجح أن يبقى مفتوحًا مع انقطاعات ممكنة من حين لآخر.

ووسط تحذيرات من اندلاع احتجاجات في المناطق الحدودية بين ليبيا وتونس، واتهامات لوزير داخلية الدبيبة بالسماح ضمنيًا بـ"تجارة الشنطة"، لسكان المنطقة الحدودية، يُلخص محمد البرغثي، وزير الدفاع الليبي السابق، المشهد بعبارة واحدة، فيقول لـ"عروبة 22": "لقد تعوّد سكان المنطقة من الأمازيغ، السيطرة على معبر رأس جدير كمصدر للدخل، ولن يرضوا بالتنازل عنه!".

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن