صدر سنة 2021 مؤشر الجريمة المنظّمة العالمي، وهو الإصدار الأول، عن المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظّمة العابرة للحدود الوطنية، التي تأسّست سنة 2013.
وأكد مارك شو، مدير المبادرة، على أهمية المؤتمر ودور 400 خبير من العالم، في تصميمه وصياغته، كما قال بأنه "في الواقع يتم تقييم الوارد في تقرير هذا العام (2023) أنّ الجريمة المنظّمة لا تزال تشكّل تحديًا مهولًا في جميع أنحاء العالم وتهدد البلدان المتقدّمة النمو والبلدان النامية على حد سواء، كما أنها تعيق التعاون الدولي الذي تشتد الحاجة إليه في ظل تزايد التفاوتات السياسية والاجتماعية والاقتصادية العالمية، ولا يمكننا أن نسمح للجريمة المنظّمة بأن تستمر في النمو بين شقوق عالمنا الذي يبدو متصدعًا، مستعملةً الثغرات في الحكم وعدم المساواة الاقتصادية والاحتكاكات السياسية. فقد يسعى السياسيون الى إخفاء هذه التصدعات، بينما يفضّل الشعبيون تعميقها...".
الجرائم المالية من بين الأسواق الاجرامية الثلاثة الأكثر انتشارًا في كل قارة وجرائم الانترنت في توسّع مستمر
لا شك بأنّ مؤشر الجريمة المنظّمة العالمي، له أهمية قصوى، في تسليط الضوء على الاقتصادي القانوني محليًا ودوليًا. وفي الوقت الذي يطالب الخبراء ومكونات المجتمع المدني العالمي، ترسيخ الحق في التنمية واعماله وتوسيع نطاقه، فإنّ الجريمة المنظّمة تنضاف إلى تحيّزات بعض القوى الدولية، إلى قائمة العوامل المهددة للتنمية والمساهمة في إعاقة الجهود الوطنية والدولية في ترسيخ نهج عالمي عادل للتنمية.
ويُعرّف المؤشر الجريمة المنظّمة بأنها "أنشطة غير مشروعة تقوم بها جماعات أو شبكة تعمل بشكل متضافر من خلال الانخراط في العنف والفساد أو الأنشطة ذات الصلة من أجل الحصول، بشكل مباشر أو غير مباشر، على منفعة مالية أو مادية، ويمكن تنفيذ هذه الانشطة داخل البلد الواحد وعبر الحدود الوطنية على حد السواء" (المؤشر، ص: 38).
ومن المعلوم أنّ تعريف الجريمة المنظّمة، حوله خلاف بين الخبراء، كما أنّ قياسه أكثر تعقيدًا، ولذا يُعتبر مؤشر الجريمة المنظّمة العالمي، محاولة جادة لقياس أنواع الجرائم ورصدها وربطها، بالتفاعلات السياسية والنزاعات واشباع دائرة العنف المنظّم. ويتطرق المؤشر إلى الأسواق الإجرامية والجهات الفاعلة الإجرامية، والقدرة على الصمود.
ويُعرّف المؤشر، الأسواق الاجرامية، "بأنها النُظم السياسية والاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بجميع مراحل الاتجار غير المشروع بالسلع أو الأشخاص و/أو استغلالهم" (المؤشر، ص: 38). وكانت تحدد هذه الأسواق الاجرامية في 10 أسواق في مؤشر سنة 2021، وتمت إضافة 5 أسواق إجرامية في مؤشر 2023.
والأسواق الاجرامية هي الاتجار بالبشر، وتهريب البشر والسلب بالتهديد والابتزاز مقابل الحماية، والاتجار بالأسلحة، وتجارة السلع المقلّدة، والتجارة غير المشروعة بالسلع الخاضعة للضريبة الانتقائية، والجرائم المتعلقة بالحياة النباتية، والجرائم المتعلقة بالحياة الحيوانية، والجرائم المتعلقة بالموارد غير المتجددة، وتجارة الهيروين، وتجارة الكوكايين وتجارة القنب وتجارة المخدرات الاصطناعية، والجرائم المعتمدة على الانترنت والجرائم المالية.
وتُعتبر الجرائم المالية من الأسواق الجديدة والأكثر انتشارًا على الصعيد العالمي؛ فهي من بين الأسواق الاجرامية الثلاثة الأكثر انتشارًا في كل قارة.
للمفارقة فإنّ الجرائم المالية ترتبط في الغالب بجهات إجرامية مرتبطة بالأجهزة الإدارية لبعض الدول
كما اعتبر التقرير جرائم الانترنت، من الأسواق الإجرامية الجديدة، وهي في توسّع مستمر، حيث يسعى المجرمون إلى تطوير مهاراتهم التقنية في استعمال تكنولوجيا الانترنت، لتوسيع مجال نشاطهم الإجرامي. ويلاحظ التقرير بأنه "غالبًا ما تلعب الجهات الفاعلة في القطاع الخاص دورًا محوريًا في ارتكاب الجرائم المالية والجرائم المعتمدة على الانترنت، وإن كانت تغفلها تحليلات ديناميات الجريمة المنظّمة في أكثر الأحيان. وتشير هذه الفئة إلى الأفراد والكيانات الساعية إلى الربح، مثل الشركات المتعددة الجنسية أو المحاميين أو المصرفين، الذين يشكلون جزءًا من الإقصاء القانوني غير الحكومي، والذين يستغلون دورهم ومركزهم بصورة غير مشروعة، ويشاركون في ممارسات غير مشروعة إما بالتعاون مع جماعات الجريمة المنظّمة أو بتسهيل أنشطتها" (المؤشر، ص: 54).
ويُستفاد من مؤشر الجريمة المنظّمة أنّ الجرائم المالية ذات انتشار واسع في العالم، وللمفارقة فإنها مرتبطة في الغالب بجهات إجرامية مرتبطة بالأجهزة الإدارية لبعض الدول، مما يُشكّل فعلًا تحديًا ضخمًا للإقلاع الاقتصادي في الدول النامية.
(خاص "عروبة 22")