اقتصاد ومال

الجريمة المنظّمة ومستقبل المجتمعات (3/3)قراءة في "مؤشر الجريمة المنظّمة العالمي 2023"

بعد وقفة أولى مع بعض مضامين تقرير حديث الإصدار، تحت عنوان "مؤشر الجريمة المنظّمة العالمي 2023"، وبعدها وقفة ثانية تطرّقنا فيها إلى مجموعة من المؤشرات التي تساهم في التصدي لهذه المعضلة، من قبيل القيادة السياسية والحكم، الشفافية والمساءلة الحكومية، التعاون الدولي، السياسات والقوانين الوطنية، إنفاذ القانون، السلامة الإقليمية، مكافحة غسل الأموال، نُخصّص الجزء الأخير من هذه المقالة لعرض باقي أهم النتائج التي جاءت في التقرير نفسه.

الجريمة المنظّمة ومستقبل المجتمعات (3/3)
قراءة في

أكّد التقرير على كون سوق الجرائم المالية، هي السوق الإجرامية الأكثر انتشارًا، وهي نتيجة رابعة ضمن النتائج المواضيعية. وهي أول مرة يتناول فيها مؤشر الجريمة المنظمة، موضوع الجرائم المالية، والتي تظهر في أشكال متعددة، من بينها اختلاس واحتيال، وهي في اتساع مستمر، خصوصًا مع التطور الهائل للتكنولوجيات الرقمية، حيث "يمكن تنفيذ الجرائم المالية بنقرة زر واحدة من الجانب الآخر من العالم، وهذا ما يدل على أنّ تأثير السوق يتخطى الحدود الوطنية". (مؤشر الجريمة المنظمة، ص 24). ويلاحظ أنّ الجرائم المالية قد نمت أكثر من جرائم الاتجار بالبشر.

أمّا النتيجة الخامسة، فإنّها تؤكد تنامي نفوذ الجهات الفاعلة الإجرامية منذ جائحة كوفيد 19، وذلك بسبب استئناف التجارة الدولية وكذلك استغلال الفجوة المتوفرة في المجال السيبراني.

الجهات الإجرامية التابعة للدولة تعرقل النمو والتنمية والقدرة على مواجهة الجريمة المنظّمة

والنتيجة السادسة، تكمن في كون الجهات الحكومية ما تزال هي العناصر المهيمنة في تسهيل الاقتصادات غير المشروعة، وكذلك المعيقة لبناء القدرة على الصمود. ومن المعلوم أنّ الفساد داخل مؤسسات الدولة، ظاهرة منتشرة في عدة بلدان، وخصوصًا الدول المتخلّفة. ولذا فإنّ الجهات الإجرامية التابعة للدولة، تعرقل النمو والتنمية والرفاهية وبالتالي القدرة على مواجهة الجريمة المنظّمة. و"ما يدل على هذا الترابط السلبي هو أنّ نمو نفوذ الجهات الفاعلة التابعة للدولة في مجال معيّن يترافق مع انخفاض القدرة على الصمود". (المؤشر نفسه، ص 26).

تفيد النتيجة السابعة أنّ تأثير الجهات الإجرامية الفاعلة الأجنبية يبقى في ازدياد، "ففي عام ما بعد كوفيد، سمح تورط الجماعات العسكرية والأمنية الخاصة في حالات النزاع والأزمات بانخراط الجهات الإجرامية الأجنبية في أنشطة غير مشروعة". (ص 27).

بالنسبة للنتيجة الثامنة، فعنوانها ازدياد تهريب البشر والاتجار بهم، وذلك في سياق ارتفاع مؤشر اللاجئين في العالم، حيث بلغ عدد النازحين عام 2022، حوالى مائة مليون، بل لجأ جزءٌ كبيرٌ منهم إلى مهرّبين وشبكات إجرامية مختصة في الهجرة غير الشرعية واستغلال النساء والأطفال.

وتشير النتيجة التاسعة، إلى كون المتضررين من الجريمة المنظّمة ليسوا أولوية، والمقصود بذلك أنّ خطط مكافحة الجريمة المنظّمة، تهمل المتضررين من الجريمة المنظّمة، وقد "يترتب على ذلك تداعيات طويلة الأمد وبعيدة المدى، ما يسهم في استمرار هشاشة الدولة وزيادة ضعفها. ولذلك من الضروري معالجة أوجه القصور هذه في الضمانات التي تحمي الضحايا والشهود". (ص 30).

نأتي للنتيجة العاشرة، وتفيد تحسّن التعاون الدولي، بالرغم من الانقسام السياسي. فهناك تعاونٌ بين الدول في مجال تبادل الخبرة والمعلومات حول الجهات الإجرامية وسُبل التصدي لها، لكن هناك حاجة إلى "تكثيف الحوار والعمل على وضع آليات لتنفيذ ومراقبة الالتزامات بمكافحة الجريمة المنظمة". (ص 34).

وتُعتبر النتيجة الحادية عشرة، من النتائج الجغرافية، حيث أشارت إلى وجود عدد أكبر من الدول التي سجلت معدلات عالية من الإجرام وأطر قوية للصمود. ومن الملاحظ أنّه "لا تزال فئة معدلات الجريمة المرتفعة - التي تفيد القدرة العالية على الصمود - تضم أقل عدد من البلدان"، (ص 32) لكن بالرغم من ذلك وصل عدد من الدول التي تنتمي إلى هذه الفئة إلى 12 دولة، وهي إيطاليا والصين وفرنسا وكوستاريكا وكولومبيا وإسبانيا وجنوب أفريقيا والسنغال وماليزيا ونيجيريا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية.

وتضمنت النتيجة الموالية تسجيل أوروبا لأكبر زيادة في الإجرام على المستوى القاري، في حين نمت قدرة الصمود بشكل هامشي. وهناك تفاوتٌ وتباينٌ بين أوروبا الغربية والشرقية، بل إنّ هذه الأخيرة ما زالت تعاني من تدني القدرة على الصمود في مواجهة ومكافحة الجريمة المنظمة.

وأكد التقرير في النتيجة الثالثة عشر، على كون أفريقيا، قد سجلت زيادة قارية في مستويات الإجرام ولكن درجتها في الأسواق الأصلية العشر، قد ارتفعت. ويعود ذلك إلى ضعف في الانتقال الرقمي، حيث هناك ارتباط بين ارتفاع الإجرام الرقمي ومستوى البنية التحتية للرقمنة.

بخصوص النتيجة الرابعة عشر، فتفيد بأنّ آسيا تُسجّل أعلى معدل لوجود الجهات الفاعلة الإجرامية، ففي "حين أنّ الارتفاع الكبير في عدد الجهات الإجرامية في آسيا نتج عن ارتفاع درجات الفئات الأربع الأصلية، إلّا أنّ ثِقل مؤشر الجهات الفاعلة في القطاع الخاص الذي تمّ إدخاله حديثًا، دفع متوسط الدرجات إلى الارتفاع. والجدير بالذكر أنّ الجهات الفاعلة في القطاع الخاص تحتل المرتبة العليا في آسيا مقارنة مع القارات الأخرى، وبهامش كبير". (ص 35).

مستقبل المجتمعات العربية في خطر بدون سياسات وقائية من الجريمة المنظّمة واستشرافية لتطور السلوك الإجرامي

ومن الملاحظ أنّ التقرير أدرج كلًّا من الأردن والكويت في فئة معدل الإجرام المنخفض، وتفيد القدرة العالية على الصمود، بينما تُصنّف باقي الدول العربية في فئة معدل الإجرام المنخفض، وتفيد القدرة المنخفضة على الصمود، أو في فئة معدل الإجرام المرتفع، أي القدرة المنخفضة على الصمود.

عمومًا، فإنّ هناك ضرورة لمكافحة الفساد الإداري وتضييق الخناق على الجهات الإجرامية التابعة للدول والتي تسهّل عمليات الاجرام، كما يتعيّن تقوية منظومة الأمن المعلوماتي، لمواجهة تنامي الجرائم في العالم الرقمي، كما يُعتبر التعاون بين الدول العربية أمرًا في غاية الأهمية من أجل صياغة خطط واقعية وناجعة في مكافحة الجريمة المنظّمة بكل أشكالها، لأنّ مستقبل المجتمعات العربية في خطر كبير بدون سياسات وقائية من تنامي الجريمة المنظّمة وسياسات استشرافية لتطور أشكال وأنماط السلوك الإجرامي وتنظيماته.


لقراءة الجزء الأول، الجزء الثاني

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن