وجهات نظر

عن اللاجئين في مصر.. وكراهية الآخر

فجأة أصبح الحديث عن أبناء الجنسيات العربية في مصر، وتحديدًا السودانية ثم السورية، ملفًا مطروحًا للنقاش على وسائل التواصل الاجتماعي المصرية، بل وفي تصريحات كبار المسؤولين المصريين، وسط خطاب تصعيدي، يصل إلى حد التحريض وتبني العنصرية، وهو خطاب واهن يستند إلى أقوال مرسلة ووقائع فردية، تُستغل باستماتة لوصم مجموعات بشرية، فلماذا وصل الخطاب في مصر إلى هذا المستوى من اليمينية المتطرفة التي تكرّس لكراهية الآخر العربي؟.

عن اللاجئين في مصر.. وكراهية الآخر

المناخ المشحون في مصر بسبب غلق باب الحياة السياسية الطبيعية من ناحية، واستحكام الأزمة الاقتصادية التي تضغط على أعصاب عموم المصريين من ناحية أخرى، أنتج ظواهر متشنجة تُعبّر عن نفسها في صورة البحث عن ضحية يُلقى على عاتقها بكل أخطاء المرحلة دون منطق، ولم يكن هناك أفضل من أصحاب الجنسيات الأخرى الذين تواجدوا في مصر بسبب ظروف مختلفة، لكنها قاسية، لتحميلهم كل مشاكل البلاد الاقتصادية والاجتماعية.

الغريب هنا أنّ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خرج أكثر من مرة على مدار السنوات الأخيرة، وقال صراحة إنّ مصر لا يوجد بها لاجئون، كان آخرها في يونيو الماضي، عندما اعتذر عن استخدام كلمة "لاجئين" واستبدلها بكلمة "ضيوف".

السوريون مثّلوا قيمة مضافة للاقتصاد المصري والسودانيون ساعدوا في انتعاش أحد قطاعاته

لكن خطاب حكومة القاهرة يبدو مراوغًا، فهو يتحدث في الداخل عن الضيوف، لكنه في الخارج يطالب بمساعدات دولية مقابل ما تقدّمه من خدمات لهم، ما عبّر عنه صراحة رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، بالقول في أبريل الماضي، إنّ عدد المقيمين في مصر وصل إلى تسعة ملايين فرد بنسبة 8.7 بالمئة من حجم سكان مصر، وإنهم يكلّفون الدولة نحو 10 مليارات دولار، وهو رقم مشكوك في مصداقيته ومنطق حسابه.

ارتباك الخطاب الرسمي توازى مع تعالي مد الحملات التحريضية ضد اللاجئين من إعلاميين وناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي، وتعميم التوصيف حتى على الذين دخلوا البلاد بأوراق رسمية، ودفعوا حق التواجد في الأراضي المصرية من أموالهم، أي أنه لا ينطبق عليهم حكم اللاجئين، فضلًا عن أنّ قطاعًا كبيرًا منهم يعمل ويكسب من عرق جبينه، مثلما هو حال الكثير من السوريين مثلًا، والذين فتحوا أبواب رزق للكثير من المصريين في أعمالهم، فمثّلوا قيمة مضافة للاقتصاد المصري وليس العكس.

أمر آخر أثار ردود فعل متشنجة، تمثّل في اتهام اللاجئين السودانيين برفع تكلفة قيمة إيجار الوحدات السكنية، ليصل الأمر إلى ترويج خطاب كراهية ودعوات طرد، عبر فبركة بعض القصص التي تعبّر عن حالات فردية، وتعميمها على جميع السودانيين المقيمين، فالسبب الرئيسي في الأزمة هو استغلال ملاك هذه الوحدات من المصريين للأزمة لرفع الأسعار على الجميع، وتحقيق مكاسب في ظل غياب أي شكل من أشكال الرقابة، خصوصًا أنّ مصر عانت من موجات تضخم قياسية في العامين الماضيين أدت لرفع الإيجارات بشكل آلي، وهنا أيضًا نجد أنّ السودانيين يدفعون من أجل السكن والتعليم، أي أنهم ساعدوا في انتعاش أحد قطاعات الاقتصاد المصرية.

خطاب تحريضي يتبناه إعلاميون محسوبون على الدولة بهدف تحميل اللاجئين مسؤولية الأزمة الاقتصادية التي تعيشها مصر

ربما يكون هناك اختلافات ثقافية تصنع بعض الاحتكاكات الفردية المفهومة في إطارها، لكن في المجمل لم يؤثّر وجود السوريين والسودانيين والفلسطينيين وغيرهم من العرب في ارتفاع معدلات الجريمة في مصر مثلًا، ولا تسببوا في انهيار المجتمع المصري كما هو واضح. بل على العكس ساعدوا في إتاحة فرصة لو أُحسن استغلالها لخلقت مساحة للتواصل والتعايش، عبر رفد نهر الثقافة المصرية بينابيع ثقافية مختلفة، ليعود لها حيويتها بعد عقود من الركود والانغلاق على الذات، فلا أحد ينكر أنه كان للوافدين الشوام وغيرهم من مختلف أنحاء العالم العربي نصيب من النهضة المصرية في النصف الأول من القرن العشرين.

في زمن تناست الحكومة المصرية عمقها العربي، ودورها الريادي في المنطقة، كان طبيعيًا أن نجد مثل هكذا خطاب غير أخلاقي وتحريضي يتبناه إعلاميون محسوبون على الدولة، بهدف تحميل اللاجئين مسؤولية الأزمة الاقتصادية التي تعيشها مصر، وتبرئة ذمة الحكومة من المسؤولية، وهو خطاب بائس في كراهيته للآخر، يهدف لقطع روابط مصر العربية واستبدالها بالأوهام، كما أنّ نسيان البعض لعلاقات مصر العربية ومحاولة تجاوز حقائق التاريخ والجغرافيا لمجرد أوهام في العقول حول هوية مصرية خالصة، لن يؤدي إلا للمزيد من الانغلاق والشوفينية البغيضة التي تتنكر لحقيقة دور مصر في المنطقة.

فالخطير في التحريض على الضيوف العرب، أنه يريد اصطناع كراهية مصرية للآخر العربي، وفصل أي عوامل ربط لمصر بمحيطها، وتركيز خطاب يميني متطرّف، وهو هدف يسعى لترويجه بعض المصريين بحماسة مريبة، لم يحلم بها يومًا أشد أعداء القاهرة رغبةً في عزلها سياسيًا واجتماعيًا عن محيطها.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن