الجولة كانت في العاصمة العُمانية مسقط، وختامها كان في مساء السبت ٦ من هذا الشهر، وكان من المقرر في بدء الجولة أن يكون ختامها مساء يوم ٥ من الشهر، أما موضوعها فكان يبحث في تبادل الأسرى والمحتجزين بين الطرفين، ولكنها انتهت إلى لا شيء، وجرى الاتفاق على جولة عاشرة خلال شهرين!.
أما دواعي الحزن فتتجلى في سؤال لا بد أنه سوف يراود كل يمني وكل عربي كما راودني عند مطالعة الخبر، وهو كالتالي: كيف وصل اليمن السعيد إلى هنا؟.
ولو أننا مددنا الخط على طوله، فسوف يتبيّن لنا أنّ هذا السؤال ليس مطروحًا في اليمن وحده، وإنما هو مطروح في عواصم عربية أخرى بخلاف صنعاء، وأنّ السبب في الحالات كلها واحد، لأنّ الأعراض كلّها واحدة أيضًا.
المبعوث الأممي الذي يصل أي دولة عربية يظل يدير الأزمة وتظل تتغذى على إطالة أمدها
لنا أن نتخيّل أنّ في اليمن أسرى ومحتجزين، وأنهم بالطبع يمنيون، وأنّ الذين يحتجزونهم ليسوا غُزاةً أجانب دخلوا أرض اليمن ثم احتجزوا وأسروا عددًا من أبنائه.. لا.. لم يحدث هذا لسوء الحظ ، لأنّ الذين أسروا واحتجزوا يمنيين هم أيضًا يمنيون.
أما لماذا لسوء الحظ؟ فلأنّ الاحتجاز أو الأسر لو كان على يد عدو غزا البلاد لكان الأمر طبيعيًا، ولكان اليمنيون قادرين على التعامل معه، لأنّ العدو وقتها سيكون معروفًا، وسيكون قادمًا من خارج البلاد، وسيكون التعامل معه هو نفسه التعامل الذي اعتمدته كل دولة وأي دولة تعرّضت للغزو والعدوان من خارجها.
ولكن.. أن يكون العدو من الداخل، أو أن يكون احتجاز وأسر مواطنين يمنيين على يد مواطنين يمنيين آخرين، فهذا هو الجديد الذي لم نعهده، وهذا هو الجديد الذي لا يستسيغه الحس الوطني السليم ولا يستوعبه أو يهضمه.
وبقية الحكاية أنّ الجولات التسع جرت تحت إشراف المبعوث الأممي هانس جروندبرج، وبحضور اللجنة الدولية للصليب الأحمر. ورغم أنها بقية إلا أنها أهم ربما ما في الموضوع من حيث دلالتها التي لا بد أن ننتبه إليها، والدلالة فيها أنّ المبعوث الأممي ليس هو الحل في اليمن التي تتابع عليها أكثر من مبعوث، ولا في ليبيا التي وصل عدد المبعوثين الأمميين فيها إلى عشرة، ولا في السودان الذي لما تكلم المبعوث الأممي إليه عن الحل للحرب السودانية، فإنه تحدث عن قوات أفريقية ودولية يمكن أن تذهب إلى هناك، وكأن السودان ليس دولة عربية، ولا هو عضو في جامعة الدول!.
المبعوث الذي يصل أي دولة عربية، يصل ليحل أزمتها، أو يساعد في حلها على الأقل، أو أنّ هذا هو نظريًا ما نفترضه وننتظره، ولكن الحقيقة أنه لا يحل ولا يساعد على الحل، وإنما يظل يدير الأزمة فتظل بدورها تراوح مكانها، وتظل تعيد إنتاج نفسها، وتظل تتغذى على إطالة أمدها، وهذا بالضبط ما تجده في عمل الخواجة هانس منذ أن وصل أرض اليمن، وهذا أيضًا ما تجده في عمل كل مبعوث أممي مثله وصل دولة عربية أخرى غير اليمن.
إذا لم يقدّم كل حوثي يمنيته على حوثيته، فلا جدوى من وجود مائة مبعوث من نوع هانس، وإذا لم يقدّم كل سوداني يعمل مع قوات الدعم السريع سودانيته على ما سواها، فلا شيء يمكن أن ينتظره السودانيون من وصول ألف مبعوث من نوعية المبعوث الحالي لوقف الحرب بين قوات الدعم والجيش، وإذا لم يقتنع كل ليبي بأنّ ليبيته تسبق كل ما عداها، فلا فائدة من المبعوثين الذي يتتابعون على طرابلس ولو تجاوزوا الألف من المبعوثين.
إذا لم تجمع اليمن يمنيته أولًا فلا شيء آخر يمكن أن يجمع اليمنيين وكذلك الحال في كل قُطر عربي آخر
فما العمل؟.. الحقيقة أنّ العمل هو أن يفهم كل مواطن عربي أنّ الجنسية التي يحملها في بطاقة هويته ليست كلامًا بلا روح، وإنما هي كلام له روح، وأنّ الروح فيه هي الولاء للوطن مانح الجنسية، ثم للوطن الأكبر الذي تجمعه لغته العربية الواحدة، وثقافته العربية المشتركة، ودياناته السماوية التي تلتقي على كل ما هو إنساني، وهذا يكفيها لتكون صلةً جامعة بين أصحابها معًا.
إذا لم تجمع اليمن يمنيته أولًا فلا شيء آخر يمكن أن يجمع اليمنيين، وكذلك الحال في كل قُطر عربي آخر ساء حظه فلم تتقدّم هويته الوطنية على كل ما يقع تحتها.
(خاص "عروبة 22")