هناك اعتقاد ذائع يربط انتشار العنف واللجوء إلى القوة والاغتيالات السياسية بالدول النامية، والتي تحكمها نظم غير ديمقراطية. وذلك بدعوى أن غياب السبل السلمية للتعبير عن الرأي يفتح الباب لاستخدام العنف.
والاستثناء البارز على هذا الاعتقاد، هو حالة أمريكا. فرغم نظامها الديمقراطي والحريات الواسعة التي يتمتع بها مواطنوها، فإن أعمال العنف الإجتماعي والسياسي تكاد لا تنقطع. وهي الدولة الوحيدة التي ينتشر فيها حمل الناس للسلاح بترخيص قانوني، والتي شهدت اغتيال أربعة من رؤساء الجمهورية من أصل 46 تولوا هذا المنصب.
كان أول رئيس أمريكي تم إغتياله هو أبراهام لنكولن – جمهوري- والذي اشتهر بدعوته إلى تحرير العبيد، وإصداره القرار التاريخي بإلغاء نظام الرق في أمريكا. تم اغتياله في أبريل 1865 بمدينة واشنطن خلال حضوره عرضاً في مسرح فورد في المدينة. وتلاه الرئيس جيمس جارفيلد – ديمقراطي- والذي تعرض لمحاولة اغتيال في يوليو 1881 بمحطة السكك الحديدية بمدينة واشنطن، أدت إلى وفاته في سبتمبر في نفس العام، ويعتبر أقل رئيس تولى الحكم حيث لم تتجاوز فترة حكمه ستة أشهر. فالرئيس وليام مكينلي في سبتمبر 1901، وذلك خلال تفقده معرضا للاختراعات والمبتكرات، وتوفي بعد ثمانية أيام من اطلاق الرصاص عليه.
وكان آخرها، إغتيال جون كينيدي– ديمقراطي- في 22 نوفمبر 1963 بعد إطلاق الرصاص عليه خلال زيارة له لمدينة دالاس بولاية تكساس، عندما كان يستقل سيارة مكشوفه سارت بسرعة العشرين ميلا حتى يتمكن من تحية مستقبليه، ولا يزال اغتيال كينيدي لغزا لم يماط اللثام عن تفاصيله، وما زالت الآراء والدراسات تختلف حول المسؤول الفعلي عن هذه الجريمة. يضاف إلى ذلك محاولات الاغتيال على الرؤساء التي لم تنجح، مثل التي تعرض لها الرئيس ثيودور روزفلت- جمهوري- خلال حملته الانتخابية لولاية ثالثة في أكتوبر 1912. ومحاولة اغتيال فرانكلين روزفلت - ديمُقراطي- في فبراير 1933، في مدينة ميامي بولاية فلوريدا.
أما الرئيس جيرالد فورد - من الحزب الجمهوري- فقد تعرض في عام 1975 لاعتداءين على حياته في غضون ثلاثة أسابيع. كما تعرض الرئيس رونالد ريجان - من الحزب الجمهوري- لإطلاق الرصاص عليه في مارس 1981 بمدينة نيويورك، بعد حوالى شهرين من توليه السلطة في 20 يناير من نفس العام. وكان آخر هذه المحاولات إطلاق الرصاص على الرئيس السابق دونالد ترامب والمرشح الجمهوري في انتخابات الرئاسة المُقبلة في نوفمبر 2024، وذلك خلال حديثه أمام حشد انتخابي بمدينة بتلر بولاية بنسلفانيا في 13 يوليو 2024، والتي نجا منها بأعجوبة بعد مرور إحدى الرصاصات بالقرب من أعلى أذنه اليمنى.
لم يقتصر الأمر على اغتيال رؤساء الجمهورية أو محاولات الاعتداء على حياتهم، بل امتدت إلى كبار المسؤولين والشخصيات السياسية. وعلى سبيل المثال، تم اغتيال مالكوم إكس الذي ارتبط لفترة بحركة «أمة الإسلام» في أمريكا، ثم زار مصر في عام 1964، وسافر منها لأداء فريضة الحج والتقى هناك بالملك فيصل، ثم اغتيل في 21 فبراير 1965 في مدينة نيويورك. واغتيال القس مارتن لوثر كينج المناضل من أجل المساواة والحقوق المدنية، وصاحب الخطاب التاريخي الذي ألقاه في عام 1963 باسم «لدي حلم». وبالرغم من أنه التزم دوما بالأساليب السلمية في نضاله وحصل على جائزة نوبل للسلام في عام 1964، فقد تم اغتياله على يد أحد المتعصبين البيض في 4 ابريل 1968، وهو يقف تحت نصب لنكولن التاريخي المقام في مواجهة مبنى الكونجرس بالعاصمة الأمريكية.
وفي نفس العام، اغتيل المدعى العام الأسبق وعضو مجلس الشيوخ روبرت كينيدي الشقيق الأصغر لجون كينيدي في 5 يونيو 1968، بإطلاق الرصاص عليه، والذي كان قد أعلن عن رغبته الترشح لانتخابات الرئاسة التالية، وفاز في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في ولاية كاليفورنيا. وفي عام 1972، تعرض حاكم ولاية آلاباما جورج والاس إلى محاولة اغتيال، نجا منها ولكنه أصيب بشلل جزئي وعدم القُدرة على السير واستخدامه كرسياً متحركاً حتى وفاته.
يشير هذا السجل إلى أن أعمال العنف كانت موجهة إلى الرؤساء من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وأنها تمت في مناطق ومدن مختلفة شملت واشنطن العاصمة ونيويورك ودالاس. كما تنوعت الأسباب التي دفعت الجناة إلى ارتكاب جرائمهم، ما بين التعصب والعنصرية، ورفض مساواة السود بالبيض، والاعتقاد في أفكار فوضوية رافضة للسلطة كحالة اغتيال الرئيس مكينلي والاعتداء على الرئيس روزفلت، وأسباب شخصية كحالة اغتيال الرئيس جارفيلد الذي تم بسبب رفضه طلب الجاني تعيينه سفيراً في فرنسا.
وإلى جانب الاعتداء على الرؤساء وكبار المسؤولين والشخصيات العامة، تتكرر أحداث العنف الإجتماعي واستخدام السلاح ضد الطلبة في المدارس والمارة في الشوارع والمتسوقين في المحال التجارية لسبب أو لآخر. كما يتكرر العنف المؤسسي من جانب أجهزة الشرطة ضد الأمريكيين السود، مما أدى إلى اندلاع حركة «حياة السود تهم» والتي نظمت مسيرات وتظاهرات في أغلب المدن الأمريكية.
وتتعدد التفسيرات بشأن أسباب انتشار العنف في أمريكا، فهناك من يرى أنها نتيجة للطريقة التي تكونت بها من خلال الاستيطان، وتراث ملكية الأفراد للسلاح للدفاع عن أنفسهم. وإن كان ذلك مردودا عليه، بأنه لا توجد هذه الظاهرة في دول مماثلة في تاريخها لأمريكا مثل كندا وأستراليا. ويرى رأي آخر، أن السبب يرجع إلى ترسخ الأفكار العنصرية والاستعلائية لدى الأمريكيين البيض. ويرتبط بذلك رأي ثالث، يرجعها إلى حالة الانقسام الاجتماعي المتزايد، وتصاعد وزن اليمين المحافظ وأنصار نظريات المؤامرة، مما أدى إلى انقسام المجتمع إلى قسمين متقاربين يفصل بينهما مشاعر الخوف وعدم الثقة.
("الأهرام") المصرية